«البراجيل»تاج العمارة الإماراتية

03:37 صباحا
قراءة 3 دقائق

إعداد: أمل سرور

نستكمل حديثنا اليوم عن «البراجيل»، وكلما تأملنا الفكرة والفلسفة التي بُنيت من أجله استطعنا أن نترجم وندرك قدرة الأجداد على التكيف مع حرارة الجو؛ بل وتطويعهم للعمارة من خلال إضافة حلول مبتكرة تأتي في مقدمتها البراجيل، لاستغلال الرياح لتلطيف الحرارة داخل بيوتهم.

والبراجيل أنواع طوعها أجدادنا صيفاً وشتاء، وتنقسم المنازل الصيفية إلى نوعين، الأول مبنية من الجص وتسمى بالعامية «الصاروج» وأخرى بالحصى وتسمى «الدهاريز»، ويتكون النوع الثاني من منازل سعف النخيل وتسمى «العريش» ومعظمها يحتوي على البراجيل المصنوعة من السعف الذي يغطى بمواد مناسبة لطبيعة البيوت في ذلك الزمان.

وتأخذ البراجيل الشكل المنتظم المربع كبرج متعامد القطرين، مفتوح من الجهات الأربع، وموقعها عادة أعلى الغرف الرئيسية والمجالس، وتعد مكوناتها المعمارية والجمالية استكمالاً لشكل واجهات المبنى.

البناء

تُبنى البراجيل من الجندل وهو نوع من الخشب القوي، ويكون عبارة عن جسر مربع أو مستطيل يثبت في سقف الدهاريز، ومن ثم يثبت على كل زاوية مربعة نوع من الأخشاب تكون بمثابة أعمدة طولها نحو 8 أمتار تحمل فوقها سقف البراجيل، وتشد الأعمدة مع بعضها البعض بعدد من الدعائم الأفقية، وبعد الانتهاء من الهيكل الخشبي وتثبيته بأحكام يدهن بالقار، حتى لا ينخر ثم يلف الهيكل كاملاً بالحبال التي تعطي أفضل درجة تماسك مع الجص عكس سطح الخشب الناعم ويتم بناء الجص والحصى حولها مع مراعاة تقسيم البراجيل بالارتفاع إلى أربعة مثلثات متساوية تماماً تلتقي رؤوسها في نقطة منتصف البراجيل.

لا ينسى الأجداد أن رأس المثلث يكون داخل البراجيل، بينما قاعدة المثلث وهي أكبر ضلع تكون بالخارج، لتسمح بدخول أكبر كمية ممكنة من الهواء داخل البراجيل من أجل الحصول على تيار مناسب من الهواء، خاصة أن سرعة الرياح تكون فوق المنازل أكبر مما هي عليه عند مستوى سطح الأرض. والمثير في الأمر أن كل قاعدة من قواعد المثلثات الأربعة تقابل الرياح القادمة من الجهات الأربع، فيضرب كل نوع من الرياح في إحدى هذه القواعد التي تقابله في البراجيل فتصدم برأس المثلث وتهبط إلى داخل البيت بقوة، نظراً لأن سقف البراجيل يكون مغطى بالجص والحصى، فلا يكون أمام الرياح منفذ إلا الدخول للمنزل ويستمر البراجيل ينفث الهواء إلى داخل الدهريز عبر القناة المثلثة العمودية، ومع نزول الهواء الجديد يخرج الهواء القديم عبر دورة كاملة من نوافذ الدهريز، أو يرتفع عبر قنوات البراجيل الثلاث الأخرى إلى الأعلى، لأن الرياح تضغط على جهة واحدة فقط، بينما تكون الفتحات الثلاث الأخرى فارغة تماماً فيتجدد هواء المنزل وتقل درجة الحرارة.

وتبنى البراجيل كمرحلة أخيرة من عملية بناء المنزل، بوضع قطع من الخشب ومن ثم توضع الأحجار التي تسمى «السلافة»، وميزتها أنها مرجانية عازلة للحرارة، وبسمك ثلاث بوصات فوق بعضها، مع دعم هذه الحوائط كل متر ونصف المتر بأخشاب أفقية. وبعد ارتفاع مترين من قاعدة البراجيل كانت توضع أسياخ لمنع دخول الطيور من الفتحات، وفي النهاية تشطب البراجيل بالجبس أو الكلس ثم يوضع السقف الذي يعمل على تماسك البراجيل، إضافة إلى منع نزول المطر بشكل مباشر إلى الغرفة.

وعادة ما تشيد البراجيل في ركن المنزل؛ حيث يسهل عملها. ثم تأتي مرحلة النقوش والزخارف التي كانت دائماً تعبر عن غنى وثراء أهل البيت. ومن حيث الارتفاع عادة ما يصل إلى 15 متراً إذا كان المنزل من طابقين، وإذا كان طابقاً واحداً فيصل الارتفاع إلى 8 أمتار. وترتفع قاعدة البراجيل عن أرضية الغرفة مترين كأقصى حد.

هكذا كان الهواء البارد يمر على مستويات عالية فوق المباني من دون النزول إلى المستوى الأرضي، ومن هنا انطلقت مهمة البراجيل التي تقوم بتغيير مسار الرياح عمودياً للداخل، مما يحقق التوازن المناخي للبيئة الداخلية والخارجية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"