استراتيجيات ربّانية في علاج الفقر

ورِقٌ ودين
20:55 مساء
قراءة 3 دقائق

د.إبراهيم علي المنصوري

جاء الإسلام ليعالج الكثير من مشكلات المجتمع وإعادة تهيئته حتى يكون أكثر استقراراً وأمناً ونماء. ومن تلك المشكلات، الفقر الذي يُعد مما استعصى على كثير من المجتمعات، بسبب افتقارها للاستراتيجية السليمة في حلها، وفق أسس ومعايير عادلة.
ووفقاً للإحصاءات الرسمية، فإن نسبة من يعيشون تحت خط الفقر ناهزت 40% من سكان العالم، أي 2.6 مليار إنسان يصل دخل الفرد منهم إلى دولارين في اليوم. وقد كان نصيب العالم الإسلامي كبيراً من الفقر، حيث إن 871 مليون إنسان من سكانه فقراء، ويعيش 43% من فقراء العالم المدقعين في 31 دولة إسلامية.
لقد جاء الإسلام بتشريعات تعد استراتيجيات عملية تساهم وبشكل كبير في الحد من الفقر، بل هناك استراتيجيات وقائية تحمي المجتمع من هذه الآفة وتمنعها عنه.
ومن الاستراتيجيات الوقائية الحث على العمل، حيث قال الله تعالى: «فإذا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ»، فالمسلم مأمور بالسعي في الأرض لتأمين احتياجاته وعِياله، وتحصيل الربح من البيع والشراء، وغيرها من الوسائل المشروعة في المجتمع، وأكد ذلك النبي صلى الله عليه وسلم حين قال: «ما أَكَلَ أَحَدٌ طعامًا قطّ، خيراً من أن يأكلَ من عملِ يدِه، وإنَّ نبيَّ اللهِ داودَ عليهِ السلامُ كان يأكلُ من عملِ يدِه»، فهو يريد غرس النهج القرآني والنبوي في نفس المسلم من خلال بيان قيمة الكسب من العمل وبذل الجهد، ليكون عزيز نفس يكفي احتياجاته بيده.
وثانية الاستراتيجيات الوقائية هي محاربة التسول والبطالة، فقد عَدّ الإسلام التسول سلوكاً محرّماً منبوذاً، إذ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَسْأَلُ النَّاسَ حَتَّى يَأْتِيَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَيْسَ فِي وَجْهِهِ مُزْعَةُ لَحْمٍ»، ففي الحديث نبذ استجداء الصدقات وعدم الركون إلى عطايا الناس، وفيه حث المسلم على أن يأكل من كدّ يديْه ومن عرق تعبه. ووَصف حال من يستجدي الناس بأنه يأتي يوم القيامة وقد تساقَطَ لحم وجهه من التذلل للناس وسؤالهم.
وهناك استراتيجيات علاجية لمشكلة الفقر والحد منه ورفع المستوى المعيشي للفرد المسلم، منها فرض الزكاة، وقد أكد النبي، صلى الله عليه وسلم، دورها الفاعل في قوله لمعاذ حين أرسله إلى اليمن‏:‏ ‏ «فأَعْلِمْهم أنَّ اللهَ افترضَ عليهِمْ خمسَ صَلَواتٍ في كلِّ يومٍ وليلةٍ، فإنْ هُم أطاعوكَ لذلكَ، فأَعْلِمْهم أنَّ اللهَ افترضَ عليهم صدقةً في أموالِهِمْ؛ تُؤخَذُ من أغنيائِهم، وتُرَدُ على فُقَرائِهِم»، ومن خلال ذلك تتم عملية التوازن وتحقيق العدالة الاجتماعية.
ولو نظرنا إلى تطبيق الزكاة لوجدنا ضرورة تنفيذها بشكل يساعد على كفاية الفقير حتى يصل إلى مستوى الغني، بحيث يصبح ذات يوم هو من يؤدي الزكاة لاكتفائه، وعندما يستغني الفقير ويعتمد على نفسه، تتحول الزكاة إلى غيره من ذوي الحاجة، ولو أن كل غني أدى ما على ماله من زكاة لقُضي على الفقر كما حصل في عهد عمر بن عبدالعزيز، رضي الله عنه، عندما لم يجد عمّاله من يستحق الزكاة بسبب القضاء على ظاهرة الفقر بتطبيق تلك الاستراتيجيات التشريعية والتي منها الزكاة.
ويأتي الوقف في حديثنا بعد الزكاة كاستراتيجية علاجية، حيث كانت الأوقاف أحد أعمدة الوصول للكفاية، وقد حث النبي، صلى الله عليه وسلم، عليه كما ورد في الحديث حين أصاب عمر أرضاً بخيبر فأتى النبي، صلى الله عليه وسلم، يستأمره فيها فقال له النبي: «إن شئتَ حَبَسْتَ أصلها وتصدقت بها»، فتصدق بها عمر.
وإن الوقف من الصدقات الجارية التي تبقى للمسلم بعد موته كما ورد في الحديث: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو عِلْم يُنتفَع به، أو ولدٍ صالحٍ يدعو له»، وهناك من التشريعات الكثير كالقرض الحسن والصدقات والكفالة والكفارات والهبات.
والدور المنوط بالدولة وأغنياء المسلمين من المهمات في التنمية من خلال دعم المشروعات المتوسطة والصغيرة وتبني مشروعات تنموية وصناديق للوقف الخيري مستمرة ودائمة ترفع من المستوى المعيشي بين أفراد المجتمع، وتساهم في القضاء على البطالة وتخفيف حدة الفقر.

أستاذ الاقتصاد والمصارف الإسلامية المساعد بجامعة الشارقة

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"