جريمة أن تكون أسود أو فلسطينياً

02:43 صباحا
قراءة 3 دقائق
عاصم عبد الخالق

جريمة فلويد هي أنه أسود وجريمة حلاق والآلاف من مواطنيه هي أنه فلسطيني، غير أن الدم العربي يبقى أرخص كثيراً من الدم الأمريكي.

في صدر إحدى صفحات طبعتها الإلكترونية وضعت صحيفة «هآراتس الإسرائيلية» صورتين كبيرتين؛ واحدة للمواطن الأمريكي الأسود جورج فلويد الذي قتله ضابط أبيض عنصري، وبسببه اندلعت الانتفاضة الأمريكية الحالية. الصورة الأخرى للشاب الفلسطيني المعاق إياد حلاق الذي استشهد في القدس، بعد فلويد بأيام، برصاص جنود «إسرائيليين» لا يقلون عنصرية عن زميلهم الأمريكي.

في الحالتين لم يحمل الضحية سلاحاً، ولم يصدر عنه أي سلوك مريب أو عدواني، ولم يقاوم. لم تشفع للشاب الأمريكي توسلاته وهو يصرخ «لا أستطيع التنفس». أما حلاق فقد ضن عليه المجرمون بمجرد الصراخ، ولم تشفع له إعاقته الذهنية.

وعلى الرغم من أن الجريمة واحدة؛ وهي القتل العمد لدوافع عنصرية فإن رد الفعل كان مختلفاً تماماً. وبقدر التباعد الكبير بين مسرحي الجريمة، تباعدت نتائجهما وعواقبهما.

قتل مواطن أمريكي لأسباب عنصرية ليس بالأمر الهين، ومن أجله تفجرت ثورة الغضب العارمة التي تعصف بأمريكا حالياً؛ بل امتدت لخارجها أيضاً. في المقابل مر قتل الشاب الفلسطيني بلا أثر يذكر ومن دون وجود أي رد فعل دولي أو عربي. لم يستوقف موت إياد أي أحد في العالم شأن المئات؛ بل الآلاف من العرب والفلسطينيين الذين لم تتوقف «إسرائيل» عن قتلهم.

تكشف الإحصاءات الفلسطينية عن أن ما يزيد على مئة ألف فلسطيني قتلتهم «إسرائيل» داخل وخارج فلسطين منذ النكبة. في العام الماضي فقط سقط 149 شهيداً 74% منهم في غزة، و24% في الضفة منهم 33 طفلاً. ووفقاً لمركز التجمع الوطني لأسر الشهداء فإن متوسط عدد الشهداء خلال السنوات الخمس الأخيرة هو 161 شهيداً سنوياً.

معاناة السود والملونين في أمريكا، تظل أهون بكثير من عذابات الفلسطينيين على أيدي الاحتلال، لا وجه للمقارنة بين الحالتين. ومع ذلك تعد العنصرية في الحالتين تصرفاً مُشيناً إنسانياً، وجريمة لا تقترفها إلا شخصيات مشوهة نفسياً وبلا أخلاق.

بعبارات تقطر مرارة حاول الكاتب «الإسرائيلي» اليساري جدعون ليفي، أن يرصد تناقضات العالم والسياسيين الأمريكيين في رد فعلهم على العنصرية ضد السود، مقابل صمتهم عن الجرائم الأشد وحشية التي يتعرض لها الفلسطينيون على أيدي قوات الاحتلال «الإسرائيلي». وعلى الرغم من كونه «إسرائيلياً» فإنه يتبنى دائماً مواقف معتدلة، تندد بجرائم الاحتلال، وهو معروف جيداً كناشط سياسي وصحفي مدافع عن الحق الفلسطيني.

ليفي هو كاتب المقالة التي تذيلت بصورتي حلاق وفلويد وكان عنوانها: «أن تكون أسود في أمريكا فهذا لا يستوجب الحكم بإعدامك.. ولكن ماذا لو كنت فلسطينياً؟». يحكي ليفي في مقالته قصة استشهاد حلاق؛ وهو شاب مصاب بالتوحد كان في طريقه إلى مركز خاص بهؤلاء المرضى، عندما استوقفه جنود حرس الحدود. دفعه الخوف الغريزي وضعف قدرته العقلية إلى الجري إلا أن رصاصات الغدر «الإسرائيلي» كانت أسرع منه، وسقط مضرجاً بدمائه بعشر طلقات، بينما كانت واحدة فقط كفيلة بشل حركته لو لم تكن نية القتل متوفرة. برر الجنود جريمتهم بأنهم اعتقدوا أنه يحمل سلاحاً وبالطبع لم يكن هذا صحيحاً.

يضيف ليفي بسخرية مريرة أن وحدات حرس الحدود، وهي الأكثر شراسة وعنصرية في الجيش «الإسرائيلي»، تشعر بالضعف تجاه المعاقين ذهنياً، ولا تستطيع مقاومة إغراء تصفيتهم. وحلاق ليس الضحية الأولى؛ حيث إن هناك عدداً من الجرائم المشابهة لقتل معاقين ذهنياً رصد الكاتب بعضها في مقالته.

جريمة فلويد هي أنه أسود، وجريمة حلاق والآلاف من مواطنيه هي أنه فلسطيني. غير أن الدم العربي يبقى أرخص كثيراً من الدم الأمريكي. إحدى اللافتات التي رفعها المتظاهرون الأمريكيون عبرت عن تلك الحقيقة المؤلمة. تقول كلماتها مخاطبة الشرطة «هل تظنوننا عرباً لتقتلونا ونبقى صامتين!».

في أمريكا وعلى الرغم من العنصرية المتجذرة في نسيجها الاجتماعي لا يجرؤ سياسي أو مواطن عادي أن يقول إن «الأسود الجيد هو الأسود الميت». إلا أن غلاة المتطرفين «الإسرائيليين» يقولونها بلا خجل عن الفلسطينيين، دون أن يحاسبهم أحد.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"