بطولة مطلقة في الرواية

03:45 صباحا
قراءة 4 دقائق
استطلاع: نجاة الفارس

أكد عدد من الروائيين الإماراتيين، أن الرواية الإماراتية استطاعت أن تجسد مدن الدولة، ولا سيما إمارة دبي التي حظيت بالكثير من الاهتمام السردي فوجود 200 جنسية فيها أسهم في جعل هذه المدينة مسرحاً للكثير من الأحداث، وأوضحوا أن للمكان أهمية كبرى في الإبداع الأدبي، بل إن المدينة أو المكان يتحول في بعض الأعمال الروائية إلى شخصية رئيسية أو بطل أساسي، وقد شكلت مدننا ذلك الفضاء الاجتماعي الذي يجمع ثقافات متعددة.

الروائية والقاصة فاطمة سلطان المزروعي تقول: استطاعت العديد من الروايات أن تجسد المدن الإماراتية، ولا سيما إمارة دبي التي حظيت بالكثير من الاهتمام السردي ؛ذلك أنها من المدن الحديثة بتجربتها العمرانية والسياحية والاقتصادية واستطاعت أن تجتذب آلاف الجنسيات المتنوعة وتصبح في مصاف المدن الباذخة التي تضاهي مدناً عظمى كباريس وميلانو، فوجود 200 جنسية أسهم في جعل دبي ممتلئة بالأحداث وحلم لكل شاب وفتاة لبدء حياة جديدة؛ كما أنها حلم لرجال الأعمال ومصممي الأزياء والمجوهرات؛ كما أن تطورها يلهم العديد من الكتاب، فكل الأمور التي تحدث حولك من زحمة سيارات وأشخاص ووجوه مختلفة وكذلك الضجيج المستمر كونها من المدن التي لا تهدأ، كل تلك المعطيات تجعلني على ثقة بأن هذه المدينة هي مصدر إلهام، فكل شخصية تلتقي بها هي في حد ذاتها قصة؛ فخلف تلك الأبراج والزجاج نجد القصة والحبكة وأحياناً المتعة والألم والمعاناة وفي أوقات أخرى الفرح والسعادة، ولا تختلف مدينة الشارقة بشوارعها ومدنها التاريخية وعبق الماضي وكذلك مراحل التحولات في البنية الاجتماعية والعمرانية وكيفية تأقلم الأشخاص مع هذه المتغيرات، كذلك أبوظبي التي تتميز بجمال مناظرها وزحمة شوارعها وتأقلم ساكنيها مع الوقت مع الضجيج، ومدينة العين بهدوئها الساحر وخضرة طرقاتها ورائحة الريف والعشب وتبادل الزيارات بين الجيران وطرقاتها الطويلة وصحراؤها الذهبية التي توقظ الإلهام في جميع الكتاب، هذه المدن هي أبطال رواياتنا وهو ما يجعل من الكتابة قريبة من هموم القارئ الموجهة إليه، ذلك أن القارئ وهو يقرأ مثل هذه الروايات يشعر بأن هناك علاقة بينه وبينها.

تحولات جوهرية

الروائي سعيد البادي، يقول: «للمكان أهمية كبرى في الإبداع الأدبي، بل إن المدينة أو المكان يتحول في بعض الأعمال الروائية إلى شخصية رئيسية أو بطل أساسي، وقد شكلت مدننا ذلك الفضاء الاجتماعي الذي يجمع ثقافات متعددة وأيدولوجيات وجنسيات مختلفة، كما أنها شهدت تحولات جوهرية على مر السنين، لتؤرخ الرواية لواقع ومراحل تطور المجتمع الإماراتي على كافة الصعد بما فيها الاقتصادي والاجتماعي والسياسي.

لقد قرأت بعض الأعمال التي يفرض المكان فيها سطوته على أحداث ومجريات الرواية، كما في أعمال علي أبو الريش على سبيل المثال، حيث تفرض القرية سطوتها قبل الانتقال إلى المدن، تعرفنا من خلال علي أبو الريش على قريته:

«المعيريض» وعلى النخيل والجبال والبحر في رأس الخيمة، ثم كتب عن أبوظبي بعمرانها وحضارتها، وكذلك فعل ناصر الظاهري عندما كتب عن العين وواحتها ونخيلها وأفلاجها، وعادل خزام كتب عن دبي وعن أبراجها الزجاجية وأحيائها في رواية «العين الثالثة» وكان للمدينة حضورها الكبير في رواية «شارع المحاكم» لأسماء الزرعوني، وكذلك عند فتحية النمر في رواية «وجه آخر للقمر»، غير أنه لم يتم التصريح باسم المدينة في الروايتين الأخيرتين.

أعتقد أن مدننا تجاوزت الكتاب المحليين، فقد كتب دان براون في روايته الأخيرة عن دبي والشارقة، وكتب ناصر عراق عن دبي، وكتبت زهره محمد موسى عن دبي أيضاً، وكذلك فعلت سعاد صليبي وغيرهم.

الروائي والقاص حارب الظاهري يقول: المكان في الرواية بشكل عام هو جزء أصيل من أي عمل روائي ولا يمكن تجاوزه، ولكن أحياناً من الصعب أن تكتب عن مدن لا ترتبط بالوقت، أي تتفوق على ذاتها وتنمو سريعاً من خلال مخرجات البعد الحضاري، لذا الكتابة عن مدن كهذه هي مغامرة وتحتاج إلى الكثير من الرصيد الثقافي المفعم بحالة من المجاراة ما بين المدينة والكاتب، وما بين الكاتب والعمل الروائي، ومع هذا تحضرمدننا ومكوناتها عند الراوي الإماراتي.

وأوضح الروائي علي أبو الريش أن أي عمل فني هو ابن بيئته ولا بد أن يعتني الروائي بما يدور حوله وبمحيطه الاجتماعي والاقتصادي والثقافي، وقد استطاعت الرواية في الإمارات خاصة أن تعبر عن النمو والازدهار وبالذات لدى الكتاب الشباب، حيث إنهم لم يعاصروا القرية بشكل طبيعي، وإنما عاشوا بين أضلاع المدينة، فجاءت الرواية كتعبير ثقافي واجتماعي عن الحياة في المدينة وتطورها، وحتى عناوين الروايات جاءت على النمط مثل «اكسبرسو» وغيرها من الروايات، فمن الطبيعي أن تنطلق الرواية من النسق الاجتماعي والاقتصادي الذي تعيشه المدينة، وبالذات أن مدن كأبوظبي ودبي والشارقة هي مدن ملهمة، وقد استطاعت أن تقدم الكثير من الانساق الاجتماعية التي يستطيع من خلالها أن يبني الكاتب عمله الإنساني وهو الرواية.

إن الكاتب عندما يكتب عن الحرية أو عن المعاناة أو كل أطياف المشاعر الإنسانية، فهو يكتب عن أحاسيس واحدة سواء كانت في الإمارات أو نيكاراجوا أو الفلبين، فالمكان مجرد تقنية لتحديد إنطلاقة العمل الفني، ففي النهاية الزمان والمكان هما صناعة بشرية بحتة وبامتياز.

الروائية آن الصافي تقول: يتوافق الإبداع عبر الكتابة الروائية مع فكرة يتبلور محورها في عقلية الكاتب مع ما قد يلمسه في الواقع حوله وينسج المشاهد، ويطرح القضايا ليس لنقل الواقع كما هو، بل كيفما يراه بمخيلته، عدد من الكتاب ورد في نصوصهم ملامح الحياة في المدن الإماراتية سواء عبر سرد عن مجتمع بعينه أو عن المجتمع الذي يعكس التنوع الثقافي على أرض هذه الدولة الفتية، وما تعكسه من تميز في تحقيق مفهوم وجود المدن «الكوزموبوليتان» أي الحاملة للثقافات المتنوعة والمتعايشة معاً بتسامح وسلام.

إن رواية «سوق نايف» لعبيد إبراهيم بوملحة حملتنا لبقعة شهدت تاريخاً وأثراً واضحاً، لهذا المعلم في القضية التي حملها النص، كذلك الروائية القديرة مريم الغفلي حملت مجمل نصوصها (طوي بخيتة وبنت المطر والأماكن وأيام الزغنبوط) أثر الثقافة المحلية بشكل بديع، حتى أننا نعيش معها قصصاً مفعمة بالإنسانية ونرى الماضي بعين الحاضر، ونقرأ المستقبل بكل سلاسة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"