الإرسال في الصلاة

05:16 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. عارف الشيخ

الإرسال في اللغة العربية ورد بمعنى الإطلاق والإهمال والتسليط والتوجيه، ومنها قوله تعالى: «ألم تر أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين تؤزّهم أزّاً»، (الآية 23 من سورة مريم).
- وعرف الفقهاء الإرسال بمعنى قريب من المعنى اللغوي، حيث إنهم في الصيد غلبوا عليه معنى التسليط، وفي الصلاة مثلاً غلبوا معنى الإطلاق.
- وإرسال اليدين في الصلاة له حكم عند الفقهاء بمختلف مذاهبهم، فالأحناف يرون أن الإرسال خلاف السنة، إذ السنة أن يضع المصلي يمناه على يسراه تحت السرة، للحديث الوارد: «ثلاث من سنن المرسلين: تعجيل الإفطار، وتأخير السحور، وأخذ الشمال باليمين في الصلاة».
يقول الكاساني في بدائع الصنائع ج1 ص201: الصحيح أن هذا الحكم ينطبق على صلاة الجنازة أيضاً، لما يروى في الحديث أنه صلى الله عليه وسلم صلى على جنازة، ووضع يمينه على شماله تحت السرة.
- والشافعية والحنابلة ذهبوا إلى أن الإرسال ليس من السنة، وقد وافقهم من المالكية مطرف وابن الماجشون، ويستدل هؤلاء بالأحاديث الواردة في القبض، فعن سهل بن سعد قال: «كان الناس يؤمرون أن يضع المصلي اليد اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة»، (رواه البخاري). ويقول وائل بن حجر في صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم أنه وضع يده اليمنى على كفه اليسرى والرسغ والساعد، (رواه مسلم).
وفي سنن ابن ماجة عن ابن مسعود قال: «مر بي النبي صلى الله عليه وسلم وأنا واضع يدي اليسرى على اليمني فأخذ بيدي اليمنى فوضعها على اليسرى».
لكن ورد عن ابن القاسم رواية عن مالك في المدونة أن الإرسال هو المستحب، أما القبض فإنه وإن كان جائزاً في النفل إلا أنه مكروه في الفرض، وقد أخذ بهذه الرواية خليل والدردير والدسوقي من المالكية.
ودليل القائلين بكراهية القبض في صلاة الفرض حديث أبي داوود الذي يقول: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعتمد الرجل على يديه إذا نهض في الصلاة». وهذا الحديث رواه أحمد أيضاً في مسنده والحاكم في المستدرك، والبيهقي في السنن.
- لكن يقول الشيخ علي بن سلطان القاري في رسالته «شفاء السالك في إرسال مالك»: إن وجه الوضع (القبض) مؤيد بالحديث الصحيح، وهو قول الجمهور، وحديث أبي داوود الذي نهى عن الوضع، محله القيام، أي أن يضع يديه على الأرض قبل الركبتين في الهوي إلى السجود.
- ويقول ابن عبد البر: ذكر مالك القبض في «الموطأ»، ولم يزل مالك يقبض حتى لقي الله، وإذا قيل بالقبض فإن سبب إرسال مالك أن الخليفة المنصور ضربه على يده فشلت، فلم يستطع ضمها إلى الأخرى، لا في الصلاة ولا في غيرها.
ويقول الباجي وهو ممن قال بمنع القبض: قول مالك بكراهة قبض اليدين مبني على خوفه من اعتقاد العوام أن ذلك من أركان الصلاة.
- ويرى أشهب من المالكية أيضاً جواز القبض والإرسال في الفرض والنفل، لأن الغرض هو خشوع القلب، وقد ذكر الخطيب الشربيني من الشافعية ما يؤيد قول أشهب المالكي، وهو أن القصد من القبض في الصلاة تسكين اليدين، فإن أرسلهما ولم يعبث فلا بأس (راجع الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع ج1 ص 131).
أقول: طالما أن القبض والإرسال ليسا من أركان الصلاة، فإن الموقف لا يستحمل كل هذه الاختلافات، ونحن نعلم أنها اجتهادات في فهم النصوص، فمن أصاب فله أجران، ومن أخطأ فله أجر واحد.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"