العلمانية والسلام في السودان

04:53 صباحا
قراءة 3 دقائق
كمال الجزولي

يجب أن نؤسس السلام الذي نصبو إليه على خبراتنا، وتجاربنا التواثقية ، والخروج منها بصيغة شديدة الانضباط والشمول، نلم بها شعث ما قد يكون تشتت

ما كادت مفاوضات جوبا للسلام في السودان تبدأ، حتى استبقها وفد الحركة الشعبية جناح الحلو، مشترطاً تعهُّد وفد الحكومة الانتقالية بتضمين أي اتفاق يتم التوصل إليه صيغة «العلمانيَّة» لحكم البلاد، وإلا عطلوا مشاركتهم في المفاوضات، ورفعوا مطلب «تقرير المصير لمنطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق»! فما هي الحقيقة حول ضرورة اشتراط هذا المصطلح بالذَّات؟!

للإجابة، ثمَّة وقائع يلزم أخذها في الاعتبار، كونها تمثل بعض تاريخ المعارضة القريب، وتواثقها بشأن خياراتها حول هذه المسألة، تحديداً، وذلك على النحو الآتي:

} أولاً: خلال الفترة من 26 يناير إلى 3 فبراير 1992م عقدت قيادة «التجمع الوطني الديمقراطي» المعارض للنظام البائد، الدورة الثانية من اجتماعاتها، في لندن، بمشاركة القوى الحزبية كافة، بما فيها الحركة الشعبية الموحدة، آنذاك، بقيادة قرنق، والتي انضمت للتجمع في 1990م، إضافة إلى المؤتمر السوداني الإفريقي، والقوى النقابية، والقيادة الشرعية للقوَّات المسلحة، والشخصيات الوطنية، حيث:

(1) تمت إجازة «دستور انتقالي» يُفترض أن يُحكم به السُّودان خلال فترة انتقالية تعقب الإطاحة بالنِّظام الإسلاموي، وتنشأ، بمقتضاه، هيئة تشريعية تتولى اقتراح الدستور الدائم.

(2) تم التأمين على بنود «ميثاق التجمع» التي تلزم الحكومة الانتقالية بعقد مؤتمر دستوري لأهم القضايا، وعلى رأسها الهُويَّة، وعلاقة الدِّين والدَّولة، واقتسام السلطة والثروة.

(3) اشتمل «الدستور الانتقالي»، ضمن المادة 10 منه، على نصوص حول علاقة «الدولة/ السياسة/ الدِّين» تعبيراً، ولو بالحد الأدنى، عمَّا التقت عليه إرادة الفعاليات المذكورة، وذلك على النَّحو الآتي:

أ/ تعامل الدَّولة معتنقي الأديان السماوية، وكريم المعتقدات الروحية، دون تمييز فيما يخص حقوقهم وحرياتهم المكفولة، دستورياً، ولا يجوز فرض أي قيود على المواطنين بالاستناد إلى العقيدة أو الدِّين.

ب/ يهتدي المسلمون بالإسلام ويسعون للتعبير عنه، ويهتدي المسيحيُّون بالمسيحية ويسعون للتعبير عنها.

ج/ يُحظر الاستغلال السِّياسي للأديان وكريم المعتقدات.

} ثانياً: في 17 إبريل 1993م أصدر التجمع «إعلان نيروبي حول علاقة الدِّين بالسياسة»، وأهم بنوده:

أ/ المواثيق الدولية لحقوق الإنسان جزء من القوانين السودانية، ويبطل أي قانون مخالف لها، ويُعتبر غير دستوري.

ب/ يكفل القانون المساواة بين المواطنين على قاعدة حقِّ المواطنة، واحترام المعتقدات، وعدم التمييز بسبب الدِّين، أو العرق، أو الجِّنس، أو الثقافة، ويبطل أي قانون مخالف لذلك، ويُعتبر غير دستوري.

ج/ لا يجوز تأسيس أيِّ حزب على أساس ديني.

د/ تعترف الدولة، وتحترم، تعدد الأديان، وكريم المعتقدات، وتلتزم بتحقيق التعايش، والتفاعل السِّلمي، والمساواة، والتسامح بينها، وحريَّة الدّعوة السِّلمية لها، وتمنع الإكراه، أو أي فعل، أو إجراء، يحرِّض على إثارة النعرات الدِّينية، أو الكراهية العنصرية.

} ثالثاً: في يونيو 1995م أجاز «مؤتمر أسمرا للقضايا المصيرية» قراراً حول «الدِّين والسياسة» على النحو الآتي:

اعترافاً بتأثير العلاقة بين «الدِّين والسياسة» على بناء الأمة السودانية، وإدراكاً لحقيقة التعدد الدِّيني، والثقافي، والقومي في السودان، واعترافاً بدور الأديان السَّماوية، وكريم المعتقدات، كمصادر للقيم الروحية، والأخلاقية التي تؤسِّس للتسامح، والأخوة، والتعايش السِّلمي، والعدل، وإدراكاً لفظاعة انتهاكات نظام الجَّبهة الإسلاميَّة لحقوق الإنسان، والإبادة الجماعية، والتطهير العرقي، باستغلالها للدِّين، وباسم الجهاد زوراً، والتزاماً بمبدأ عدم استغلال الدِّين في السِّياسة، يقر التجمع التدابير الدستورية الآتية:

(1) كلُّ مبادئ ومعايير حقوق الإنسان المضمَّنة في المواثيق والعهود الدولية والإقليمية لحقوق الإنسان تشكل جزءاً من الدستور، وأي قانون، أو مرسوم، أو قرار، أو إجراء، بالمخالفة لذلك يعتبر باطلاً، وغير دستوري.

(2) يكفل القانون المساواة بين المواطنين على أساس حقِّ المواطنة، واحترام المعتقدات، والتقاليد، وعدم التمييز بسبب الدِّين، أو العرق، أو الجِّنس، أو الثقافة، ويبطل أيُّ قانون مخالف لذلك، ويُعتبر غير دستوري.

(3) لا يجوز تأسيس أي حزب على أساس ديني.

(4) تعترف الدولة، وتحترم، تعدد الأديان، وكريم المعتقدات، وتلتزم بتحقيق التعايش، والتفاعل السلمي، والمساواة، والتسامح بينها، وحرية الدعوة السلمية لها، وتمنع الإكراه، أو أيَّ فعل، أو إجراء، يحرّض على إثارة النعرات الدينية، أو الكراهية العنصرية.

أفلا يكفينا، إذاً، كل ما تقدم كي نؤسس السلام الذي نصبو إليه على خبراتنا، وتجاربنا التواثقية السابقة، والخروج منها بصيغة شديدة الانضباط والشمول، نلم بها شعث ما قد يكون تشتت مفاهيمياً، أو لحقه العوار، هنا أو هناك، بدلاً من التنازع حول مصطلح إنْ صلُحَ لحوارات المنتديات الثقافية والفكرية، لن يصلح للمواثيق والعهود؟!

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"