«90 ساعة» تنقذ الاتحاد الأوروبي

02:54 صباحا
قراءة 4 دقائق
كتب : المحرر السياسي

بعد أن ولى زمان التكتلات السياسية والاقتصادية، وانتشرت ظاهرة الحمائية الوطنية، عانى الاتحاد الأوروبي مشاكل بنيوية فشل في معالجة الكثير منها، وهو ما نتج عنه تغيير في الخريطة السياسية لم يخدم تماسك الاتحاد. ولكن تفشي وباء كورونا، وفشل الاتحاد في مواجهته، وهو ما هدد وحدته، وما نتج عنه من تهديدات، كل ذلك أرغم الجميع على إعادة حساباتهم تحسباً لما هو آتٍ، والذي لن يجري كما تشتهي سفن المهيمنين على سياسات الاتحاد الاقتصادية وغير الاقتصادية.
ربما تحت تلك الضغوط، توصل قادة دول الاتحاد الأوروبي السبع والعشرون في ختام قمة غير ودية عقدت على مدار أربعة أيام في بروكسل، إلى خطة تقوم على إنشاء صندوق لدعم اقتصادات دولهم المتضررة بشدة من تفشي كورونا، على أن يتم توفير التمويل للصندوق بأوراق دين مشتركة.
وبعد تهديدات بالفيتو، وبعد أن علت أصوات من يعتقدون أنهم أقوياء ضمن تركيبة الاتحاد المتصدعة، ومنهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، تم الاتفاق بعد تسعين ساعة من المفاوضات، على إنشاء صندوق بقيمة 750 مليار يورو (840 مليار دولار)، لدعم الاقتصادات الأكثر تضرراً. ووصف ماكرون الاتفاق بأنه «تجاوز لمرحلة حرجة»، بينما قالت أنجيلا ميركل التي تتولى بلادها الرئاسة الدورية للاتحاد: «هذا أفضل رد على أكبر أزمة يواجهها الاتحاد الأوروبي منذ إنشائه». أما رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز، فقال: إنها «خطة عظيمة لأوروبا، إنها خطة مارشال حقيقية».
وتنص الخطة على حزمة قدرها 750 مليار يورو يمكن للمفوضية الأوروبية اقتراضها من أسواق المال، ويتم توزيعها ضمن شريحتين، الأولى بقيمة 390 مليار يورو، تقدم على شكل مساعدات تتحمل كافة الدول السبع والعشرين توفيرها، والثانية بقيمة 360 مليار تقدم على شكل قروض يتم تسديدها من قبل الدول التي تستفيد منها.
وتم الاتفاق على أن تضاف الحزمة إلى ميزانية الاتحاد للأعوام 2021 حتى 2027 والبالغة قيمتها 1074 مليار يورو، وتعرف أيضاً باسم الإطار المالي متعدد الأعوام، بحيث تضاف 154 مليار يورو منها إلى الموازنة سنوياً.
وقالت صحيفة «فاينانشال تايمز»: إن الحل الوسط الذي تم التوافق عليه ليس سوى نسخة معدلة مما طلبته رئيس المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لين، من قادة المنطقة في مايو الماضي، حيث تم خفض شريحة المنح الأساسية في جهود الإنعاش إلى 390 مليار يورو، وهو أقل بكثير من 500 مليار يورو التي أوصت بها اللجنة، ودعمتها ألمانيا وفرنسا.


آلية عمل الصندوق


يطلق الصندوق يد المفوضية الأوروبية لاقتراض ما يصل إلى 750 مليار يورو من أسواق المال. ويفرض على الدول الأعضاء إعداد خطط إنعاش خاصة بكل دولة عضو تتعهد خلالها بإصلاح اقتصادها، والتي سيتم توزيعها بين عامي 2021 إلى 2023، في حين تُستخدم المنح المتبقية لتعزيز برامج الموازنة العادية للاتحاد الأوروبي.
من بين النقاط التي دار حولها جدل صعب، أسس توزيع الأموال بين الدول وآليات الرقابة ومتابعة تنفيذ الإصلاحات. وتحت إصرار العديد من الأطراف اتفق قادة الاتحاد على تعديل خطط بروكسل لربط مخصصات الدول من أموال التعافي بشكل واضح بالضرر الاقتصادي الذي أحدثه الوباء، بدلاً من الاعتماد على بيانات ما قبل الأزمة المتعلقة بالنمو والبطالة.


سداد حتى 2058


تتولى المفوضية الأوروبية وضع خطة لإصدار السندات تضمن سداد كافة الالتزامات بحلول عام 2058، الأمر الذي يحمل موازنات الدول الأعضاء في المستقبل أعباء إضافية، في حين لا تبدي الدول الأعضاء الغنية رغبة في تسريع عمليات مساهمتها في الصندوق.
وتراهن المفوضية على الحصول على قسم من عائدات الرسوم الضريبية البيئية والضرائب الرقمية في تمويل الدين، وخاصة أن دولاً أعضاء تستعد لفرض ضرائب على مخلفات البلاستيك، بينما تطالب دول أخرى المفوضية بفرض ضرائب على الواردات من السلع غير الأساسية، والتي لا تتطابق مع الشروط البيئية المفروضة على الشركات الأوروبية. من هنا فقد يقع عبء تمويل الديون على موازنات الدول الأعضاء خلال السنوات السبع المقبلة.


الخطة وخلافات الاتحاد


هذه الخطة التي ولدت بعد مخاض عسير لا تشكل نهاية المطاف في تسوية الخلافات المالية الأوروبية. وكثيراً ما دعا مسؤولون أوروبيون إلى تطوير الاتحاد النقدي الذي أوجد العملة الموحدة «اليورو» إلى اتحاد مالي يتيح تكاملاً أوسع في مجالات أشد حساسية مثل السندات الاتحادية وحقوق السحب، فضلاً عن مواجهة الأزمات المالية التي تتعرض لها الدول الأعضاء ذات الاقتصادات الأضعف.


انتقادات اليمين واليسار


وقد طلبت المفوضية الأوروبية بعد الاتفاق الذي توصلت إليه القمة توسيع سقف الموازنة الذي يتيح رفع حجم القروض، وهي خطوة تتطلب موافقة البرلمانات الوطنية للدول الأعضاء، وهو ما قد لا يتحقق قبل نهاية عام 2021.
وسارعت منظمات اليمين المتطرف في أوروبا للتنديد باتفاق صندوق التعافي الاقتصادي. وأعلن ماتيو سالفيني، زعيم المعارضة اليمينية المتطرفة في إيطاليا، أن بلاده يجب ألا تتوقع الحصول على أي أموال مجانية نتيجة الاتفاق. وندد سالفيني «بالتنازل غير المشروط لفكرة سيطرة الاتحاد الأوروبي على السياسات الوطنية الإيطالية». ولفت إلى أن إيطاليا سوف تجبر على الالتزام بإصلاحات مؤلمة لنظام الضرائب والتقاعد مقابل الأموال التي تحصل عليها من الاتحاد الأوروبي.
وتفيد الحسبة الأولية بأن إيطاليا سوف تحصل على 209 مليارات يورو من هذه الأموال، منها 82 ملياراً من شريحة المنح، و127 ملياراً من شريحة القروض.
كما نددت زعيمة أقصى اليمين الفرنسية مارين لوبين بالاتفاق، وقالت: «وقَّع ماكرون على أسوأ اتفاق لفرنسا في تاريخ الاتحاد الأوروبي بأكمله. وضحَّى بمستقبلنا واستقلالنا من أجل حماية منصبه».
ودان اليسار الراديكالي الفرنسي الاتفاق. واعتبره المرشح الرئاسي السابق جان لوك ميلينشون، يعطي الكثير من طاقة الردع في صندوق التعافي للدول المتقشفة، يعني النمسا والدنمارك وهولندا والسويد.
وأفاد استطلاع للرأي أجري في ألمانيا بأن نسبة 40% من الألمان يعتقدون أن خطة الدعم التي أقرتها القمة الأوروبية لن تعزز التماسك بين الدول الأعضاء.
وفي دراسة لمعهد «يوكوف» ارتفعت نسبة المشككين في دعم الاتفاق أواصر الأخوة بين الأوروبيين، وخاصة بين الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و24 عاماً، حيث أفادت نسبة 51 % منهم بأنهم لا يعتقدون أن الحزمة ستعزز تماسك الدول الأوروبية.
ووجه أنصار البيئة انتقادات للخطة التي أغفلت في رأيهم قضايا حماية البيئة، وقالت الناشطة الشابة غريتا تونبيرج: «لم تخرج قمة الاتحاد الأوروبي عن نطاق الوعود الطنانة والكلام المعسول».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"