«إسرائيل».. اتجاه لانفجار داخلي

02:18 صباحا
قراءة 4 دقائق
حلمي موسى

يعيش الكيان أزمة سياسية اقتصادية، وأيديولوجية اجتماعية متنوعة، في ظل اختلاط الأسباب والدوافع. فالتظاهرات الصاخبة التي تشهدها كبريات المدن مطالِبة باستقالة رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، لفشله في إدارة الحكم وتعميقه لمظاهر الفساد، تعمق الأزمة الحكومية بين الليكود و«أزرق أبيض». كما أن الخلافات حول إقرار الميزانية العامة تتضاعف عند ربطها بتفشي وباء كورونا، وإخفاق محاولات التصدي له.
تتفاقم الأزمة المعيشية لطبقات واسعة مع ازدياد الحديث عن احتمال الاضطرار لتفكيك الحكومة الحالية، والعودة إلى انتخابات رابعة عالية التكاليف. وبين هذا وذاك، يتعمق الخلاف الأيديولوجي حول دور الدولة بين أنصار الفاشية ومعارضيها، مع انتقال هذا الخلاف إلى الشارع عبر التظاهرات الموالية والمعارضة، واحتمالات التصادم بينهما.
ومع تعاظم التظاهرات ضد نتنياهو، واستمرار حكمه، تتزايد الاتهامات للشرطة بالولاء للحكومة وتآمرها مع عصابات يمينية لقمع المتظاهرين. وقد وصل الأمر إلى حد قيام جماعات يمينية من عصابات «لا فاميليا» بمهاجمة المتظاهرين وطعن بعضهم بالسكاكين، كما أن الشرطة تعتقل متظاهرين سلميين، في حين تتجاهل حراك الفاشيين الذين يتعرضون بالعنف للمتظاهرين. وتعبّر التظاهرات الصاخبة والكبيرة والمتواصلة ضد نتنياهو، المتهم بالفساد وسوء الإدارة، عن سأم شرائح اجتماعية من استمرار تحكّم نتنياهو في المنظومة السياسية. ويطالب المتظاهرون باستقالة نتنياهو كمدخل لتطهير الحياة العامة من الفاسدين.


حتى لو «احترقت الدولة»


ويؤمن كثيرون، من شتى الاتجاهات، بأن نتنياهو وحكومته، فشلا في إدارة الصراع ضد وباء كورونا. وتبين أن هذا الوباء أصاب كثيرين بينهم وزراء، وأن الموجة الثانية قد تمس الملايين بعد ارتفاع أعداد المصابين يومياً، وتراجع قدرة الجهاز الصحي على المواجهة. واضح أن التناقض بين متطلبات الحجر الصحي ومقتضيات الاقتصاد، قاد إلى هذا التأرجح بين تطبيق الإجراءات الحادة والتخفيف منها. غير أن النتيجة، كما هو واضح، سلبية على أكثر من صعيد.
وفي الشق الحكومي، فإن الاتفاق بين الليكود وحزب الجنرالات «أزرق أبيض»، لا يبدو أنه يحقق غرض الاستقرار المطلوب، وهو عرضة للانتهاك بشكل يومي. وتقريباً تصدر كل يوم عن وزراء كبار في الليكود، اتهامات لقادة «أزرق أبيض» بشأن الوضع العام. واندفع كثيرون إلى التحذير من احتمالات انزلاق الكيان إلى مواجهة عسكرية، سواء على الجبهة السورية أو اللبنانية للخروج من المأزق الداخلي.
ويعتقد معلقون كبار أن نتنياهو وأنصاره على استعداد لفعل أي شيء في سبيل البقاء في الحكم، حتى لو أدى ذلك إلى «إحراق الدولة». ويتهم بعض المعلقين نتنياهو واليمين، بمواصلة التحريض ضد فئات سياسية واجتماعية وضد الإعلام والقضاء، ما يهدد بمظاهر اقتتال داخلي أو اغتيال سياسي. وقد تعرض خصوم نتنياهو ومعارضوه لحملات شديدة بلغت حد قيام ابن نتنياهو بنشر عناوين قادة التظاهرات ضد والده، بقصد تشجيع أنصار اليمين على التعرض لهم. ويرى نتنياهو اليوم أن الخطر الأساس يكمن في تعاظم قوة متظاهري «الرايات السوداء» الذين يعتمدون على قوى الوسط الداعية لمجابهة الفساد ولنزاهة الحكم، ولكن ما زاد الطين بلة في نظره، هو انضمام شرائح اجتماعية من الطبقة الوسطى متضررة من نتائج وباء كورونا، إلى التظاهرات.
فإلى وقت قصير، كان نتنياهو يراهن على قدراته السحرية في تجنيد قوى اليمين الشعبية والسياسية لمصلحته، لكن أضرار كورونا تعرقل هذا الرهان. فقد تسرب الخوف إلى داخل حزب الليكود، بعد أن شعر الجميع بأن ما يهم نتنياهو هو نفسه، وليس مصلحة اليمين بأجمعه.


إلى أين؟


وتزايدت الأسئلة داخل الكيان حول وجهة الأمور في ظل الأوضاع الراهنة ومستقبل نتنياهو السياسي. وهناك من يشعرون بأنه في ظل كورونا والشلل المخيم على الحلبة السياسية، ليس ثمة أفق حقيقي لتغيير الوضع القائم. وحتى الآن لم يظهر بديل حقيقي لنتنياهو لا في صفوف الليكود أو اليمين ولا في صفوف الوسط. وكل محاولات التعبئة الداخلية ضد نتنياهو تصطدم بالالتفاف اليميني حوله، ما يمنحه قوة لا يستهان بها تتجاوز حدود التوازن الذي قاده، إلى الائتلاف مع «أزرق أبيض».
ومعروف أن زعيم «أزرق أبيض» الذي خاض الانتخابات على قاعدة شعار «المهم ليس بيبي» لإسقاط نتنياهو، اضطر إلى الائتلاف معه بذريعة مواجهة كورونا. ومن الجائز أنه تحت هذه الذريعة أيضاً سيجد الطرفان سبيلاً للتوافق، ما يضعف التحركات الشعبية، ممثلة في التظاهرات، ويقلص دورها. ولتحقيق ذلك يضطر الطرفان للاتفاق على الميزانية العامة وإقرارها قبل نهاية الشهر الجاري، حتى لا يضطران للذهاب حكماً نحو انتخابات خلال 90 يوماً. ومع ذلك، ليس مستبعداً أن يعيد نتنياهو النظر في تحالفه مع «أزرق أبيض» ويعمد إلى تشكيل حكومة تعتمد فقط على أحزاب اليمين، بالتعاون مع عدد من أعضاء «أزرق أبيض» اليمينيين المعروفين.


نحو الاقتتال الداخلي


غير أن هذه الصورة يمكن أن تتغير بأسرع مما نتوقع إذا تعمقت آثار كورونا على الاقتصاد «الإسرائيلي»، وانضمت جموع متزايدة من الشباب والعاطلين عن العمل إلى صفوف المتظاهرين. حينها يمكن أن تقود تحركات واسعة إلى تشكيل حالة شعبية لا أحد يأخذها حالياً في الحسبان، وقد ترجح كفة إسقاط نتنياهو شعبياً، قبل أو أثناء محاكمته بتهم الفساد. ولكن إلى أن يحدث ذلك، سيظل نتنياهو يراهن على بقائه في الحكم، مستغلاً كل ما يتوفر لديه من أدوات سياسية واقتصادية وعسكرية، ولكن هذا البقاء يعتبر باهظ التكلفة في نظر كثير من قادة الرأي في الكيان ممن يرون أن الدولة العبرية تنهار بين أصابعهم، جراء إحراق نتنياهو لها، حسب يوسي فيرتر في «هآرتس». كما أن كبير معلقي «يديعوت أحرنوت»، ناحوم بارنيع اعتبر أن نتنياهو يقرّب الكيان من الاقتتال الداخلي، بتحريض أنصاره ضد معارضيه؛ بل وصل الأمر برئيس تحرير «هآرتس»، ألوف بن، إلى اعتبار نتنياهو كبير «الفوضويين» العاملين من أجل تدمير الدولة.
على كل حال، واضح أن الكيان، وليس فقط نتنياهو أو حكومته، يعاني أزمة حقيقية قد تظهر نتائجها بأسرع مما نعتقد.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"