روسيا وأوكرانيا.. فتح أبواب التسوية

01:47 صباحا
قراءة 4 دقائق
كتب: المحرر السياسي

مرة أخرى تتصدر الأزمة الأوكرانية عناوين الأخبار العالمية؛ بعد تثبيت وقف إطلاق النار في منطقة دونباس شرق أوكرانيا، في تطور نصف إيجابي قد تتبعه تطورات أخرى لا تزال رهناً بسخونة جبهات معينة في التنافس الاستراتيجي المزمن بين روسيا والغرب.
في أحدث التطورات، بحث الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، ونظيره الأوكراني، فلاديمير زيلينسكي، في اتصال هاتفي سبل تسوية الأزمة في أوكرانيا، في خطوة تعد شرطاً مسبقاً لتطبيق تسوية أوسع نطاقاً تم التوصل إليها بعد لقاء بيلاروسيا في 2015.
وأفاد الكرملين، في بيان، بأن بوتين وزيلينسكي ناقشا خلال الاتصال، الذي جرى بمبادرة من الجانب الأوكراني، جوانب مختلفة خاصة بتسوية الأزمة الداخلية في أوكرانيا؛ حيث تم تأكيد ضرورة زيادة الجهود التفاوضية في إطار مجموعة «مينسك للاتصال»، وتعزيز الإجراءات الإضافية بشأن وقف إطلاق النار بعد مفاوضات شاركت فيها كل من روسيا وأوكرانيا إلى جانب ممثلين عن منظمة الأمن والتعاون الأوروبي، والتوصل إلى اتفاق يوم 22 يوليو/ تموز الماضي، والذي دخل حيز التنفيذ يوم 27 يوليو/ تموز، ويفرض وقفاً شاملاً لإطلاق النار جنوب شرق أوكرانيا بين قوات الحكومة في كييف، وقوات جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك التي تدعمها موسكو.
وتخوض أوكرانيا نزاعاً مسلحاً مع انفصاليين تدعمهم روسيا في المنطقتين منذ 2014، بعد أن ضمت موسكو شبه جزيرة القرم. وحصد النزاع أكثر من 13 ألف قتيل، على الرغم من اتفاقات السلام الموقعة في مينسك.
وتجرى محادثات رباعية بين فرنسا وألمانيا وروسيا وأوكرانيا؛ بهدف سحب الأسلحة الثقيلة، وإعادة فرض سيطرة كييف على حدودها، وتوسيع نطاق الحكم الذاتي في منطقتي دونيتسك ولوغانسك، وإجراء انتخابات محلية.


مظلة مينسك وأمن أوروبا


شكلت مجموعة مينسك منذ إنشائها في اجتماع هيلسنكي في 24 مارس/ آذار 1992 إطاراً للتفاهم بين روسيا ما بعد الاتحاد السوفييتي، ودول الغرب؛ لمعالجة عدد من البؤر الساخنة بدءاً من نزاع إقليم نوغورنو كاراباخ وانتهاء بالأزمة الأوكرانية؛ وذلك تحت مظلة مؤتمر الأمن والتعاون الأوروبي. وتضم المجموعة التي تترأسها شراكة كل من فرنسا وروسيا والولايات المتحدة، بيلاروسيا وألمانيا وإيطاليا والبرتغال وهولندا والسويد وفنلندا وتركيا إضافة إلى أرمينيا وأذربيجان.
وتم بوساطة ألمانيا وفرنسية، التوصل إلى اتفاق مينسك عام 2015 الذي يهدف إلى حل النزاع، والذي بموجبه لا يمكن لأوكرانيا استعادة السيطرة على حدودها مع روسيا في المناطق التي يسيطر عليها الانفصاليون إلا بعد أن يتم منح هؤلاء حكماً ذاتياً واسعاً وحق إجراء انتخابات محلية.
وفي ديسمبر/كانون الأول 2019 التقى قادة أوكرانيا وروسيا وفرنسا وألمانيا في باريس؛ لعقد جولة أخرى من المحادثات، وأعربوا عن دعمهم لاتفاق مينسك، واتفقوا على إحياء عملية السلام.
ويسعى الرئيس الأوكراني الحالي فلاديمير زيلينسكي، الذي انتخب عام 2019، لإجراء تعديلات على اتفاقية مينسك؛ لكن روسيا تصر على أن بنود الصفقة يجب أن تنفذ من دون أي تعديلات.
أوكرانيا بين روسيا والغرب
تمتاز بؤر الصراع بين الغرب وروسيا عموماً بأهمية استراتيجية لجهة الأمن الأوروبي، كما هو الحال في بولندا إبان الحرب الباردة، أو لجهة الثروات والموارد الاستراتيجية، أو كليهما معاً، كما هو الحال في أوكرانيا التي تعد من أكبر منتجي القمح في العالم، ناهيك عن موارد الطاقة بدءاً من الفحم الذي يشكل 31% من مصادر الطاقة فيها، والغاز الطبيعي الذي يشكل نسبة مماثلة.
وتتشابك مصالح بعض دول الاتحاد الأوروبي مع الولايات المتحدة ومع روسيا خاصة وأن حاجة القارة العجوز للطاقة؛ تجبرها على ترك الباب موارباً مع روسيا. ومعلوم أن أوكرانيا تلعب دوراً حيوياً في أمن الطاقة الأوروبي. وقد عملت الحكومة الأوكرانية بعد التدخل العسكري الروسي عام 2014 في إصلاح قطاع الطاقة، وشملت أولويات الإصلاح المستمرة تعزيز استقلالية هيئة تنظيم الطاقة، وزيادة المنافسة والشفافية في قطاع الكهرباء، وتسهيل القطاع الخاص الاستثمار في تطوير النفط والغاز الطبيعي.
ولا يخفى اعتماد أوروبا على مصادر الطاقة الروسية والأوكرانية، ويتصدر مشروع خط أنابيب غاز «نوردستريم» الذي يهدف إلى تزويد دول الاتحاد الأوروبي بالغاز الروسي، نقاط الخلاف مع الولايات المتحدة التي هددت بفرض عقوبات على حلفائها الأوروبيين مراراً في حال إنجاز اتفاق المشروع مع الروس.
وفيما يخص علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، أعطت الحكومة الأوكرانية الأولوية منذ عام 2014 لتكامل أوثق مع الكتلتين في مختلف المجالات. وفي عام 2019، أعلن عن تعديل دستوري جديد يحمل الحكومة مسؤولية تنفيذ «مسار استراتيجي» يضمن عضوية أوكرانيا في الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي. وفي عام 2017، منح الاتحاد الأوروبي أوكرانيا امتياز دخول المواطنين بدون تأشيرة إلى منطقة شنجين للتنقل الحر في دول الاتحاد. ويعد الاتحاد الأوروبي مانحاً رئيسياً للمساعدات الخارجية لأوكرانيا، ويزيد إجمالي ما قدمه على 13 مليار يورو (14.2 مليار دولار). كما فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على روسيا رداً على غزوها لأوكرانيا.
وعلى مرأى ومسمع من روسيا وعلى الرغم من معارضها العلنية تشارك أوكرانيا في أنشطة حلف شمال الأطلسي؛ حيث شاركت منذ عام 2014 في قوة الردع السريع التي أنشئت بعد استعادة القرم. كما صوت البرلمان الأوكراني عام 2017 على ضرورة وضع الناتو في مقدمة أولويات السياسة الخارجية الأوكرانية. وقال وزير دفاع الحلف في فبراير/ شباط 2020 إن المنظمة تدرس ضم أوكرانيا إلى مجموعة الشركاء الاستراتيجيين للحلف.
وتشارك كييف في عدد من المهمات العسكرية التي يقودها الناتو في أفغانستان وعمليات مكافحة الإرهاب وفي عملية درع المحيط لمكافحة القرصنة البحرية. كما تخضع تشكيلات من القوات الأوكرانية لتدريبات منتظمة من قبل قوات الحلف.
التهدئة على الجبهة الأوكرانية قد تخدم موسكو في تحقيق تقدم على جبهات أكثر سخونة، ما قد يفرض عليها رهانات جديدة في المساومة على نتائج أفضل في مغازلتها للأوروبيين الذين ضاقوا ذرعاً بتهديدات ترامب الذي قرر سحب قواته من ألمانيا، في وقت تتزايد فيه مخاوف بروكسل من السياسة الصينية. كما يتابع الروس ما يجري شرقي المتوسط باهتمام بالغ خاصة ما يفرضه النزاع في كل من سوريا وليبيا، ناهيك عن التهدئة مع واشنطن التي لا بد منها تحسباً لنتائج الانتخابات هذا العام والتي قد تقلب معادلات موسكو في علاقاتها مع الأمريكيين.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"