الاستصناع

02:26 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. عارف الشيخ

الاستصناع من الفعل استصنع، كأن نقول استصنع فلان شيئاً كالباب مثلاً، أي طُلب منه صنعه أو دعا إلى صنعه، مثل الاستغفار والاستحسان وغيرهما.
والاستصناع في الحقيقة مصطلح فقهي ومحور أساسي لكثير من المعاملات والأعمال في هذه الأيام، إلا أن الناس لا يعرفونه بهذا الاسم، فالذي يطلب من النجار أن يصنع له باباً يقال له: المستصنع، والذي يطلب من شركة المقاولات أن تبني له بيتاً يقال له أيضاً: مستصنع، وهكذا مع الحداد والصائغ والخياط وغيرهم من أصحاب المهن.
- يقول الدكتور وهبة الزحيلي في كتابه «المعاملات المالية المعاصرة»: «الاستصناع عند الجمهور هو السلم المعروف في الكتب الفقهية، لكنه عند الحنفية هو عقد مستقل ويعرف بأنه عقد مع صانع على عمل شيء معين في الذمة، وتكون المواد الأولية الخام من الصانع عادة».
أقول: ويفهم من هذا أن المواد التي تستخدم قد تكون من المستصنع أيضاً لا من الصانع، وفي هذه الحالة يأخذ العقد شكلاً آخر، فمن السلم الذي هو بيع شيء موصوف في الذمة ينتقل إلى عقد الإجارة، لأن الصانع عندئذٍ يقوم فقط بصنع البيت أو الباب مثلاً كأي أجير، أما مواد البناء أو النجارة فمن المستصنع نفسه.
- من أجل ذلك فإن الفقهاء انقسموا إزاء الاستصناع إلى ثلاثة أقسام، فمنهم من قال: إنه إجارة لأن العمل على العامل، أو أنه إجارة ابتداء، لكنه بيع انتهاء، ومنهم من قال: إنه بيع، لكن للمشتري خيار الرؤية، فهو يطلب منه صنع شيء وفق مواصفات معلومة في الذمة، ومنهم من قال إنه مواعدة، فهو في هذه الحالة كأنه جعالة، حيث يطلب المستصنع من الصانع أن يعمل له شيئاً معيناً، فإذا أنجز فله كذا مقابل الإنجاز.
- ولو تأملت لوجدت فعلاً أنه ليس سلماً محضاً ولا جعالة محضة ولا بيعاً محضاً، إذ إنه لا يشترط فيه تعجيل الثمن وجوباً، كما هو في السلم، كما أنه يكون في الصناعات فقط، بخلاف الجعالة التي تكون في الصناعات وغير الصناعات، ثم إنه ليس ببيع عادي، لأنه عقد على عمل شيء غير موجود في البداية، ومن هنا فإنه شيء آخر، وقد سمّاه الحنفية بالاستصناع استحساناً، وكونه مستحسنا لأن الناس في حاجة إلى مثله، ولا سيما في هذه الأيام، حيث إنه إحدى أدوات الاستثمار الناجحة، فهو كما استخدم في المعاملات البسيطة قديماً، فإنه اليوم يستخدم في الصفقات التجارية الكبيرة مثل شراء الطائرات والآلات الحربية وبناء المجمعات السكنية وغيرها.
إذاً، لا يعقل أن يجد الإنسان على سبيل المثال مجمعاً تجارياً أو مدينة سكنية حسب المواصفات التي يريدها فيشتريها، وإنما يتفق مع شركة ما على أن تبني له ما يريد وفق شروط ومواصفات معينة، وهو يدفع لها أجرتها أو ثمن بضاعتها مقسطة وعلى مراحل.
- نعم.. وإننا اليوم مثلاً رأينا أن جزيرة النخلة والمشاريع الأخرى في دبي بيعت وهي لا تزال صوراً ورسوماً على الورق، وقد نشطت البنوك والمصارف في هذا المجال، فلعبت دوراً اقتصادياً بارزاً.
- فالاستصناع إذا تم بين طرفي العقد فقط، أي بين المستصنع الذي هو بمثابة المشتري، وبين الصانع الذي هو بمثابة البائع، يسمّى استصناعاً أصلياً، أما لو دخل طرف ثالث مثل البنك مثلاً كممول فيسمى بالاستصناع الموازي.
- فالذي يشتري سيارة مثلاً عن طريق أحد المصارف الإسلامية ينطبق عليه الاستصناع الموازي، لأنه يتسلم المبيع أو السيارة عن طريق البنك الإسلامي، في حين أن البائع الأصلي هو الوكالة، لكن البنك دخل كوسيط فاشترى، ثم وضع على المبيع نسبة ربحية مقابل تأجيل الدفع، ثم باعها للمشتري بأغلى، ورضي المشتري بذلك، لأنه يتسلم مباشرة، ومن غير فوائد ربوية.
- إذاً، لكي يصح بيع الاستصناع يُشترط:
1 أن يكون جنس المصنوع ونوعه وقدره معلوماً.
2- كونه مما تدخل فيه صناعة الناس لا كالحبوب واللحوم الطازجة.
3- كونه من الأعيان التي تصنع بالوصف وليس بالكيل والوزن والعدد مثلاً.
4- أن تكون مادة المصنوع من الصانع، أما إذا كانت من المستصنع فهو إجارة.
5- كون مكان التسليم مبيناً في العقد، إذ ربما احتاج إلى مصاريف أخرى مثل أجرة النقل.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"