رسائل أمريكية إلى الصين

03:36 صباحا
قراءة دقيقتين



مفتاح شعيب

صعّدت الولايات المتحدة حدة التوتر مع الصين بزيارة وزير الصحة الأمريكي أليكس عازار إلى تايوان، في خطوة غير مسبوقة منذ أكثر من أربعين عاماً، وتطرح سيناريوات مزعجة عن مستقبل العلاقة بين البلدين اللذين تتصاعد بينهما «حرب باردة» على الصعد كافة حاملة معها نذر صراع عالمي واسع ما زالت عواقبه البعيدة مخيفة.
الهدف الأمريكي المعلن من الزيارة، شكر سلطات تايبيه على حسن إدارتها لجائحة كورونا ونجاحها في مكافحتها بأقل الخسائر. ولا تخلُ الزيارة من رسائل مبطنة إلى الصين التي تتهمها إدارة دونالد ترامب بالمسؤولية عن انتشار الفيروس، على الرغم من تحذير بكين المبكر من أن وصول المسؤول الأمريكي إلى تايوان سيكون تهديداً للأمن والاستقرار، خصوصاً في هذا التوقيت بعدما بلغ التجاذب أشده بين القوتين الدوليتين بشأن هونج كونج، وبعد يوم من فرض واشنطن عقوبات على11 قائداً من المستعمرة البريطانية السابقة بينهم رئيسة السلطة التنفيذية كاري لام، ضمن سلسلة من الإجراءات بدأت الولايات المتحدة اتخاذها منذ إعلان بكين قانون الأمن القومي المثير للجدل في الغرب على وجه التحديد، بينما يؤكد الصينيون أنه ضروري لوقف التدخلات الأجنبية وسحب هذه الورقة من أيدي «الأعداء».
العقوبات على هونج كونج وزيارة عازار إلى تايبيه والتدابير الصارمة التي تتخذها إدارة ترامب ضد تطبيقي «تيك توك» و«وي تشات»، كلها حلقات من طوق تحاول واشنطن لفه حول بكين، يضاف إليها «الحرب الدبلوماسية» التي يشنها وزير الخارجية مايك بومبيو على «الحزب الشيوعي» الذي يصوره على أنه تهديد للعالم مستحضراً بذلك أدبيات الحملات المأثورة في أيام المواجهة مع الاتحاد السوفييتي، على الرغم من البون الشاسع بين التجربتين، والمناخ الدولي المختلف، وباختلافه تتغير معايير الصراعات وأدواتها.
والمواجهة مع بكين ونتيجتها أيضاً لن تكون كما كان الحال مع موسكو. وبينما تحاول الولايات المتحدة استنفار حلفائها وتجميع مختلف أنواع الأسلحة، بما فيها الحربية، إلا أن الخطاب الذي تعتمده يفتقد الجاذبية والوجاهة، لأن المعركة الدائرة اقتصادية بالأساس قبل أن تكون سياسية وعسكرية، وما زالت في مراحل جس النبض وتبادل الضغوط والعقوبات التي يفترض أن تؤدي في نهاية المطاف إلى اتفاق يفضي إلى تقاسم المصالح واعتراف كل واحدة من القوتين بحقوق الأخرى وحدودها ومجالها الحيوي، إلا إذا فقد الجميع عقولهم وتم تجاوز الخطوط الحمراء الملتهبة، وهذا أمر مطروح، ولكنه مازال في خانة المستحيل.
المشكلة المتفاقمة بين الصين والولايات المتحدة لا يمكن حلها بتأجيج التوتر والبحث في أرشيف الصراعات الماضية لاستخراج خطط للمواجهة، فالعالم كله يتغير في أدق تفاصيله، والصين ليست الاتحاد السوفييتي، كما أن الولايات المتحدة لم تعد كما كانت، وهذه حقيقة تاريخية لا يمكن تجاهلها، وستفضي إلى إعادة بناء النظام الدولي، وهذا الأمر ليس بدعة، بل مطلب يتنامى منذ 30 عاماً مع توالي الوقائع عن فشل نظام القطب الواحد و«التاريخ الذي لم ينته».

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"