إنهم يسرقون النفط السوري

03:25 صباحا
قراءة 4 دقائق
د. محمد فراج أبو النور *

الاتفاق النفطي الذي تم توقيعه، مؤخراً، بين شركة «دلتا كريست انيرجي» الأمريكية وإدارة الحكم الذاتي الكردية شرقي سوريا، يعد تطوراً خطراً في الشأن السوري، خاصة وأنه يحظى بدعم رسمي من جانب الإدارة الأمريكية؛ الأمر الذي يمثل انتهاكاً صريحاً لسيادة سوريا واستقلالها، وللشرعية الدولية، ومعروف أن الإدارة الذاتية الكردية؛ هي كيان قائم بحكم الأمر الواقع (والدعم الأمريكي)، وليست له صفة قانونية أو دستورية سورية، ولا يتمتع بأي اعتراف دولي.
الإعلان عن الاتفاق؛ جاء من على منبر الكونجرس الأمريكي، في اجتماع للجنة الشؤون الخارجية بمجلس الشيوخ (الخميس 30 أغسطس/آب)، وعلى لسان السيناتور البارز ليندساي جراهام، المقرب بشدة من الرئيس ترامب؛ حيث أكد جراهام توقيع الاتفاق بين ممثلي شركة «دلتا»، و(الجنرال) مظلوم عدي قائد قوات سورية الديمقراطية (قسد) الذي اتصل بجراهام، طالباً منه إبلاغ ترامب بالتفاصيل. وتم الإعلان بحضور وزير الخارجية مايك بومبيو، الذي أكد دعم الإدارة الأمريكية للاتفاق، وأن المحادثات بشأنه قد جرت سراً، واستغرقت أكثر من عام، واستلزمت مواقة وزارة الخزانة عليه، استثناء من العقوبات الأمريكية المشددة على سوريا بموجب «قانون قيصر»؛ (صحيفة «الشرق الأوسط» -رويترز -CNN اندبندت ارابيا، ومواقع ووكالات 2020/8/1).
ويقضي الاتفاق بحصول شركة «دلتا» على امتياز تطوير وتحديث أكثر من نصف الحقول الخاضعة لقوات «قسد» بما في ذلك تطوير التنقيب والإنتاج والتكرير والنقل والتسويق، وإعادة تأهيل البنية التحتية في المنطقة. كما يقضي بإقامة مصفاتين للتكرير بطاقة (20 ألف ب/ي) في البداية طبعاً؛ حيث إن التكرير يتم الآن بوسائل بدائية؛ لإنتاج حقول محافظتي الحسكة ودير الزور الواقعتين تحت سيطرة «قسد» والذي تقدره بعض المصادر بأكثر من (100 ألف برميل يومياً)، بينما ترتفع به المصادر التركية إلى (125 ألف ب/ي) .


سر الاهتمام الأمريكي


وقد رأينا مستوى الاهتمام الأمريكي على أعلى المستويات بالاتفاق الأخير، وهو استمرار لاهتمام أبدته الولايات المتحدة على مدى السنوات السابقة، ويكفي أن نشير إلى إجبار البنتاجون (والدولة العميقة) للرئيس ترامب على مراجعة قراره بالانسحاب من شرق سوريا العام الماضي، وإعادة ما يراوح بين (500 وألف جندي وضابط) إلى المنطقة؛ لحراسة حقول النفط، بالاشتراك مع «قسد».
ويقدر الخبراء عائدات حقول المنطقة، بعد تطويرها، بمليارات الدولارات، وستوفر للإدارة الكردية دخلاً يكفل لها أوضاعاً اقتصادية مستقرة، ويزيد بكثير عما تحصل عليه «قسد» حالياً، والذي يقدره الخبراء بأكثر من مليون دولار يومياً. وكان ترامب - بعد مراجعة قراره بالانسحاب من شرق الفرات - قد أعلن صراحة أن الشركات الأمريكية يجب أن تنشط في المنطقة، ويكون لها نصيبها من الأرباح النفطية، ورشح لهذا الدور شركة «إكسون موبيل» العملاقة، التي لم تبد اهتماماً بالعرض، ليستقر الأمر على شركة «دلتا» المغمورة، التي أسسها ويقودها عدد من رجال الجيش والمخابرات والدبلوماسيين السابقين.
وتهدف الولايات المتحدة من تطوير حقول شرق سوريا - التي تمثل أكثر من 70% من إنتاج سوريا النفطي - إلى توفير موارد اقتصادية للكيان الكردي الانفصالي، تتيح لهذا الكيان الوقوف على قدميه بثبات من دون مساعدات اقتصادية أمريكية، بما يتيح تحقيق هدف تقسيم سوريا.
وبديهي أن حرمان دمشق من السيطرة على هذه الثروات النفطية الكبيرة، هو أحد أهم أهداف هذه (الترتيبات النفطية) الأمريكية في شرق الفرات، وهو هدف يتضافر مع «قانون قيصر» وبقية جوانب منظومة العقوبات الأمريكية ضد سوريا؛ الهادفة إلى إنهاكها وتركيعها، أو على أقل تقدير إطالة أمد الحرب فيها إلى أطول مدة ممكنة، واستبعادها من معادلات القوة في المنطقة. علماً بأن كل مسار الحرب في سوريا يشير إلى نجاح دمشق وحلفائها - وخاصة موسكو - في إحباط هذه الأهداف الأمريكية، ويكفي أن تقارن بين الأوضاع العسكرية في سوريا عام 2015 و2016 والوضع الآن، على الرغم من كل المصاعب التي يواجهها الشعب السوري.


النقط المنهوب.. والآفاق المسدودة


الحقيقة أنه لا يمكن إنكار أن تنفيذ الاتفاق بين شركة «دلتا» و«قسد» سيوفر للأخيرة أسباباً للقوة الاقتصادية، التي يمكن ترجمتها عسكرياً؛ لكن الحقائق الأساسية على الأرض؛ تشير إلى أن آفاق «حلم الدولة الكردية» مسدودة استراتيجياً، مهما تضخمت عائداتها النفطية.
وأول هذه الحقائق أن الكيان الكردي هو جزيرة معزولة في وسط جغرافي وبشري معادٍ لوجودها، فالوجود الكردي لا يحتل كياناً ممتداً، وإنما هو عبارة عن نقاط لتمركز الأكراد وسط محيط من العشائر العربية (أغلبية كبرى) والأقليات القومية الأخرى من (الأرمن - الشركس - الآشوريين - الأيزيديين.. إلخ)، وحدود الكيان الكردي محاصرة من الشمال بتركيا - ألد أعدائهم- ومن الشرق بالعراق؛ حيث تم الفصل بين الأكراد في الشمال وأكراد سوريا ومن الجنوب والغرب؛ حيث توجد الدولة السورية.
وبعد إعلان الانسحاب الأمريكي (في أكتوبر/تشرين الأول 2019) تدفقت أعداد كبيرة من القوات السورية والروسية إلى مناطق شرق الفرات، واحتلت مواقع استراتيجية في المدن الكبرى؛ مثل: (الحسكة والقامشلي) وعلى الحدود مع تركيا والعراق، وأدى وجود هذه القوات إلى تشجيع السكان العرب وأبناء الأقليات القومية على إعلان تمردهم على «قسد» وسياساتها القومية القمعية؛ بل وعلى خوض مواجهات مع القوات الأمريكية نفسها، ومنع مرور دورياتها في بعض المناطق.
ومن ناحية أخرى، فإن فساد النخبة الكردية، واستثمارها بثروات النفط، وبيعها للأتراك في شمال سوريا وفي تركيا نفسها، يزيد من غضب جماهير الأكراد البسيطة على قياداتها.

* كاتب مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"