انفجار بيروت يفجّر النظام

03:26 صباحا
قراءة 4 دقائق
بيروت: رامي كفوري

لبنان ما يزال يعيش هول انفجار مرفأ بيروت، الذي أدى إلى كارثة حقيقية، وأدت تداعياته السياسية إلى استقالة حكومة حسان دياب، كمقدمة لتداعيات أخرى على الطريق. أما التداعيات الإنسانية فما تزال ماثلة في الشوارع والمستشفيات وفي ركام الانفجار، وفي المساعدات العالمية التي ما تزال تتدفق على لبنان.
كان انفجار مرفأ بيروت عصفاً، إعصاراً، مدمّراً. محصلته قاربت 160 شهيداً، والآلاف من الجرحى، إلى جانب عشرات المفقودين الذين يمكن إحصاؤهم في عداد الضحايا إمّا لتحولهّم لأشلاء، أو لتعذّر انتشالهم.
مشهد ما حصل تداخلت فيه المأساة بالذهول، وكان له وقع الصدمة. هذا المشهد المُغرق في دمويته، والذي تمثّل بدمار وخراب في عشرات الآلاف من المنازل والمؤسسات التجارية والمصرفيّة والسياحيّة والصناعيّة في بيروت، كل بيروت، وضواحيها التي استحالت وكأنها تلقت قنبلة نووية، زلزل ضمير العالم الذي أفاق من غفوته، وتذكّر أن لبنان لا يستحق ما تعرّض له من حصار وتضييّق لأي سبب، فكانت مبادرة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بوابة الاهتمام الحالي الدولي والعربي بهذا الوطن الغارق في أزماته السياسيّة، الماليّة، الاقتصاديّة، وخلافات فرقائه الذين يرقصون فوق أشلائه، وسط هذه الأجواء؛ جاءت زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى لبنان؛ لتعيد لبنان إلى دائرة «الضوء الدولي» وهو فاجأ الفرقاء اللبنانييّن بالآتي:
إدانته غير المباشرة للطبقة السياسية بأسرها، ودعوته إلى إصلاحات جذرية؛ تتناول مستقبل النظام اللبناني.
عدم تأييده الحكومة الحياديّة وتفضيله حكومة وحدة وطنيّة.
رفضه أن تكون له اجتماعات ثنائية مع القيادات اللبنانيّة، والكتل النيابيّة، وإصراره على أن يجتمع مع هؤلاء من دون استثناء،حول طاولة واحدة؛ لإبلاغهم رسالة جماعيّة، دعاهم فيها إلى العمل؛ لإنقاذ بلدهم، والشروع بإصلاحات عاجلة وجذرية، تطاول مصرف لبنان، ووجوب الانطلاق في التحقيق المالي الجنائي، ومعالجة أزمة الكهرباء. وقد كان من نتائج زيارة ماكرون الآتي:
* الدعوة إلى المؤتمر الدولي الذي عقد في التاسع من أغسطس/آب؛ أيّ الاحد الماضي بباريس الذي جمع مروحة واسعة من رؤساء الدول الغربيّة، والعربيّة تحت عنوان: مساعدة لبنان، وإصدار بيان إيجابي حول الموضوع، وجمع مبلغ 262 مليون يورو؛ لمساعدة لبنان على تجاوز محنته.
* إرساله حاملة طائرات فرنسيّة تحت عنوان إغاثي، إنساني واجتماعي، وينطوي إرسالها على رسالة سياسية معينة بأن لبنان وسلامته هو تحت أعين فرنسا، كما يؤكد خبراء دبلوماسيون ومتابعون.


الاهتمام بلبنان


إن هذه التطورّات إن دلّت على شيء، فهي تدّل وفق مراقبين إلى الآتي:
- عودة الاهتمام الدولي، وبالتالي الإقليمي والعربي إلى لبنان؛ بدليل سبحة الزيارات التي كرّت من رئيس الاتحاد الأوروبي، إلى نائب الرئيس التركي، فالأمين العام لجامعة الدول العربيّة، ونائب الرئيس الإيراني وسواهم. عدا البعثات الدوليّة والعربيّة على اختلافها، وليس تفصيلاً المساعدة السريعة التي قدمها العراق من خلال إرساله شاحنات محملة بالبنزين، إلى جانب المستشفيات الميدانية من دول عدة.
- التفويض الأمريكي الواضح لفرنسا بالملف اللبناني، وإعطاء الضوء الأخضر للرئيس ماكرون بالإشراف عليه.
تفعيل دور الأمم المتحدة في لبنان، والهيئات الأممّية في مساعدته والإشراف المباشر على توزيع المساعدات على اللبنانييّن.
والسؤال المطروح: هل أن عودة الاهتمام الدولي بلبنان، سيكون من دون شروط؟ وما نوعية هذه الشروط: تعديلات في بنيّة النظام تتجاوز «الطائف» أو تعدّله ابتداء من إعادة تشكيل السلطة التنفيذية على نحوّ أكثر توازناً؟
ويكتسب هذا السؤال المطروح أهميته؛ لأن استقالة الحكومة التي صارت واقعة ومعلنة؛ إذ إن الرئيس دياب لم يتمكن من إقناع عدد من الوزراء بالثبات، ومحاولة جبه ما يعترض الحكومة من تحديات.. استقالت حكومة حسان دياب، وسقطت على حلبة تقاطع المصالح بين المحاور المتصارعة بالضربة ما قبل القاضية.. كان دياب يعرف أن وابلاً من السهام ستسدّد إليه، لو مثل أمام الهيئة العامة للمجلس النيابي، وإلى حكومته، لاسيما وأنه كان قد دعا إلى انتخابات نيابية مبكرة، وعلّل استقالته التي تقدم بها إلى الرأي العام ب«مضبطة اتهام» للنظام السياسي، و«الطبقة الفاسدة» التي تتحكم بالبلاد والعباد. لقد آثرت حكومة دياب خيار الاستقالة على خيار الإقالة، تاركة الباب مفتوحاً أمام العديد من «السيناريوهات» والاحتمالات:


سيناريوهات


هل سيطول أمد تصريفها للأعمال خصوصاً إن إطالة الأمد سيترتب تأخيراً في بت ملفات ينبغي بتها بسرعة؟ مع الإشارة إلى أن الحكومة قبل استقالتها قامت ببت تحويل ملف الكارثة إلى المجلس العدلي؛ وهو أعلى محكمة قضائية في لبنان، من دون الأخذ بطرح البعض تولي محكمة خارجية التحقيق بالانفجار، وعلماً أن فريقاً فرنسياً يساعد في التحقيقات الميدانية لمكان الانفجار.
هل الوصول إلى حكومة وحدة وطنية - كما تمنى الرئيس ماكرون - ممكن؟ وعلى أيّ اساس وبرئاسة من؟، وما المواصفات؟
هل تؤثر الاستقالة في الاستدارة الدولية الإيجابيّة نسبيّاً نحو لبنان، وهل ستفرمل المساعدات؟
هل تروي الاستقالة - إضافة الى طالبيها من قوى سياسيّة وشعبية - غليل المتضررين من خطوات إصلاحية رئيسية المطلوب تنفيذها فوراً من المجتمع الدولي وفي مقدمّتها التحقيق المالي الجنائي في مصرف لبنان وقطاعات أخرى، وأبرزها قطاع الكهرباء؟
أسئلة لا أجوبة عنها في الوقت الراهن، بانتظار جلاء الحركة الدولية - العربية الناشطة على خطّ الحلّ؛ وحيث بدأت للتوّ الاتصالات؛ للبحث عن التركيبة البديلة: «حكومة وحدة وطنية»، «حكومة أقطاب»، «حكومة حيادية»، ويجتهد المعنيون للاتفاق خلال الفترة الفاصلة عن موعد الزيارة الثانية للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في الأول من سبتمبر/أيلول المقبل، للاتفاق على اسم رئيس الحكومة العتيدة؛ بغرض بعث رسالة إلى الخارج أن الفرقاء لا يغرقون في العبث السياسي وسط الدمار والبؤس الذي يلفّ وطنهم.
في أيّ حال، فإن صفحة حكومة دياب طويت؛ لتفتح صفحات جديدة مرتبطة باستحقاقات مقبلة ستأتي تباعاً: الانتخابات النيابية ومن ثمّ انتخابات رئاسة الجمهورية، ما يعني أن لبنان يسير إلى مرحلة مكاسرة، يضرع المخلصون ألاّ تؤدي إلى كسر عموده الفقري هذه المرة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"