لبنان على صفيح ساخن

03:19 صباحا
قراءة 4 دقائق
بيروت: رامي كفوري

لن يكون إلى جانب رئيس الجمهورية اللبناني العماد ميشال عون، لدى استقباله الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في الأول من سبتمبر/أيلول عائداً إلى بيروت؛ للمشاركة في احتفالية مئوية إعلان دولة «لبنان الكبير»، رئيساً جديداً للحكومة، وبطبيعة الحال لن يستمع إلى أجوبة عن أسئلة طرحها على القيادات اللبنانية التي التقاها أخيراً في «قصر الصنوبر»؛ المقر التاريخي لسفارة فرنسا بلبنان، حول طبيعة النظام اللبناني الراهن، ومدى قابليته لإنتاج حلول لأزمات لبنان المتناسلة والمعقدة، والطائفية، وملفات أخرى ذات حساسية بالغة.

إن أحداً من السياسيين المعنيين لم يكلف نفسه عناء التفكير بأمور أساسية يتوقف عليها مصير بلدهم؛ إذ يبدو أن كلاً من هؤلاء القادة لديه جواب قديم متجدد، يحفظه غيباً، ويردده بطريقة ببغائية، مع علمهم الأكيد أن المشكلة في مكان آخر. وفيما يُطرح سؤال، منذ انتفاضة السابع عشر من أكتوبر/تشرين الأول، حول الخط الذي ستسلكه الأحداث، تحضر دائماً خشية حقيقية أن تتطور، وأن تبلغ مدارات خطرة، تحتم الذهاب إلى «طائف» جديد أو على الأقل «دوحة» جديدة؛ لكن في عاصمة دولة غير عربية قد تكون «باريس» مثلاً؛ وذلك لانعدام الاهتمام العربي؛ بسبب الانقسامات والتمحور.

من يكون رئيس الحكومة؟

في الواقع إن خليفة رئيس الحكومة المستقيل حسان دياب لن يكون «صناعة لبنانية»، ولا حتى «عربية أو دولية»؛ بل سيكون، وفق قراءات ومعاينات متقاطعة، نتاج تقاطع المصلحة اللبنانية الداخلية مع المصالح الخارجية، وبالتالي فإن عملية الاتفاق عليه ستكون خاضعة لتجاذب غير مسبوق؛ نظراً لوقوع الأزمة في لبنان في توقيت محلي فاجع؛ بفعل الانفجار المدمر الذي زلزل بيروت، وخلّف فيها ما خلف من مآسٍ وكوارث، وتوقيت إقليمي مضطرب، ضبابي، وملتبس، وتوقيت دولي، يشوبه الحذر والتخبط في ظل انتخابات رئاسية، تحدد توجه الولايات المتحدة الاستراتيجي للمرحلة المقبلة.

من هنا، جاء رفض الحكومة الحيادية من رئيس الجمهورية والثنائي الشيعي، كما رفض هؤلاء تسمية الرئيس السابق للبعثة اللبنانية في الأمم المتحدة السفير نواف سلام، والنائب السابق لحاكم مصرف لبنان محمد البعاصيري، لخلافة دياب.

كذلك، فإن الاتجاه إلى تكليف الرئيس السابق للحكومة سعد الحريري، يلقى تأييد رئيس المجلس النيابي نبيه بري، وعدم ممانعة «حزب الله». حتى أن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون لا يضع أي «فيتو» عليه، إلا إذا قرر الحريري أن يطرح «الفيتو» ضد توزير جبران باسيل، رئيس «التيار الوطني الحر»، وضد «حزب الله».. الرئيس عون يرحب به إذا كان راغباً في العودة من دون شروط؛ بل إن لديه (عون) هو شروطه، ومنها أن يتعهد (الحريري) له بتنفيذ سلة الإصلاحات المطلوبة، على أنها كل متكامل، وفق إطار زمني يجري الاتفاق عليه، علماً أن تزكية الحريري لا تزال تصطدم بموقف عربي يراوح بين المعارضة والتحفظ، كما بموقف فرنسي «فاتر».

وتبقى هناك أسماء مطروحة قد يزكيها الرئيس الحريري، إذا تم التوافق على تركيبة تمثل مختلف القوى، وتلتزم برنامجاً إنقاذياً، وهي صيغة قد تكون معقولة في هذه الأحوال الدقيقة. من هذه الأسماء: الوزير السابق خالد قباني، مدعي عام التمييز غسان عويدات، المهندس سمير الخطيب وسواهم.
في هذا السياق لا يخفى أن مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأوسط دايفيد هيل الذي زار بيروت، قال كلاماً عالي النبرة عاكس فيه المسؤولين بموضوعي الحكومة والتحقيق في انفجار بيروت. كان ميالاً إلى حكومة محايدة بالإيحاء إليها، وتشجيعه التحقيق الدولي، وتقاطع موقفه مع موقف البطريرك الماروني، الكاردينال بشارة الراعي، الذي بدا وكأنه على طرف نقيض مع رئيس الجمهورية.. كل هذه الأمور؛ أدت إلى أجواء ضاغطة، وتجاذبات واسعة، وبات يخشى معها قيام توترات سياسية وإعلامية قد تؤدي، وفق بعض التحذيرات، إلى تطورات غير سلمية على الأرض.

ساحة متفجرة

ولعل أبرز ما جرى على هذا الصعيد؛ هو ظهور رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير السابق جبران باسيل الذي اعتبر أن رئيس الجمهورية، والتيار، وهو شخصياً، يتعرضون إلى حملة تشويه مبرمجة، وشيطنة غير مسبوقة، وحرب إعلامية؛ يضطلع بها محترفون متخصصون، محذراً من أن محازبي «الوطني الحر» لن يرتضوا بالإساءة إليهم، والاعتداء عليهم، ويعرفون كيف يدافعون عن كرامتهم؛ وذلك بعد تقديمه دفاعاً عالي النبرة عن العهد والتيار، ولم يكن صعباً على الفهم أن كلام باسيل يشي بأن الوضع في الوسط المسيحي، هو إلى تصعيد في ضوء الحملات الإعلامية المتبادلة.

يضاف إلى ما سبق أن أمين عام «حزب الله» حسن نصر الله قد دعا أنصاره في إطلالته الأخيرة إلى الهدوء، وعدم الرد على استهداف الحزب ورموزه وجمهوره، داعياً إياهم إلى لجم غضبهم، وتوفيره إلى يوم قد «نحتاج إليه»، وهكذا فإن أي غضب قد ينفجر «غب الطلب».

وإذا تم عطف هذا الأمر إلى الغليان في الشارع السني اللبناني؛ نتيجة نطق حكم المحكمة الدولية الناظرة في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، يتشكل أمام اللبنانيين مشهد سوريالي لساحة متفجرة، تنتظر عود الثقاب؛ لتنفجر على أوسع نطاق، وهذا ما حدا الحكومة اللبنانية بناء على توصية المجلس الأعلى للدفاع إلى إعلان حال الطوارئ.

ويبدو أن المجتمع الدولي اليوم، وفق مراقبين، وبعد مأساة انفجار مرفأ بيروت، سعى لإرجاء موت لبنان أو قيامته، ريثما تنجلي التطورات الإقليمية والدولية، وتتضح مآلات الصراع والتجاذب بين واشنطن وطهران على أبواب الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة، فإذا أفضى هذا الصراع أو التجاذب إلى ترتيبات حول الاتفاق النووي بين البلدين، فإنه يمكن القول إن الحصار المفروض على لبنان سيبدأ بالانحسار، وإلا فإنه سيستمر ميداناً مفتوحاً للنزال، ولو كانت كُلفته غالية وباهظة الثمن.

إن لبنان لا يزال في قلب المعاناة؛ لكن السؤال الكبير: هل اتعظ شعبه، واستشعر مسؤولوه خطر زواله عن خريطة العالم؛ بفعل سياسات التسيب والارتهان، والفساد، والسمسرات، المعززة بالحمايات الطائفية والمذهبية، التي تغذي ذاتها بذاتها ومن ذاتها؛ لتجعل منه بلداً عصياً على الإصلاح والتطور، بلاد «اللبن والعسل والبخور» أهدرها القوامون عليها، وتركوها أشلاء. فهل ما حصل لعاصمتها وفيها، سيكون الزلزال الذي يفتح الضمائر على صحوة، ولو متأخرة؟

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"