أب يأخذ من رواتب بناته

02:27 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. عارف الشيخ

سألتني إحدى النساء فقالت: هل يجوز للأب أن يتسلط على راتب ابنته أو رواتب بناته، فيأخذ منهن شهرياً مبلغاً بحجة أنه ربّاهن؟
أقول: فليتق الله مثل هذا الأب الذي لا يستحق أن يطلق عليه لقب أب، لأن الوالدين عادة يعطيان للأولاد ولا يأخذان منهم شيئاً، لأن طبيعة الأب لا تقبل أن يستولي على كدّ الولد وماله؛ بل يتسلف ويعطيه.
لكن بعض الآباء سامحهم الله مثلما يتسلطون على راتب الزوجة الموظفة يستولون أيضاً على راتب البنت أو الابن، والعذر أقبح من الذنب عندما يقول الأب لابنته أو ابنه: ربيتك فلابد أن يكون لي نصيب في مالك.
إن التربية أيها الأب المستبد ينبغي أن تكون لوجه الله ومن غير منة، وإذا كان الأب يفعل هذا بدافع أن الشرع قال: «أنت ومالك لأبيك» فإن الشرع أباح له أن يأخذ من راتب ابنته على قدر حاجته إذا كان محتاجاً، وإلا فلا يجوز للأب ولا للزوج أن يأخذ منه من غير رضاها، لأن الراتب ملك خاص للموظفة سواء كانت زوجة أو بنتاً.
وإذا اشترط الأب عند تزويج ابنته مثل هذا الشرط فلا يعمل به عند الفقهاء، فهي لا تجبر على أن تعمل، ولا تجبر على أن تدفع للأب أو للزوج جزءاً من الراتب، إلا عن طيب نفسها.
وقد تبين لي بعد ورود أسئلة كثيرة من هذا النوع، أن المرأة متضررة من تصرف والدها في مالها، لأنها متزوجة وعليها مسؤولية أسرتها والأب يضايقها بطلباته، فالأب لو أجزنا له أن يأخذ شيئاً من راتب الولد أو البنت، فإنه مقيد بشرط ألاّ يكون في ذلك ضرر على الولد؛ إذ إن القاعدة الفقهية أن الضر لا يزال بالضرر، وإلا فالولد أولى بماله.
والشرط الآخر ألاّ يأخذ من أحد أولاده ليعطيه إلى ولد آخر، لأن مثل هذا التصرف يؤدي إلى خلق عداوة وقطع رحم، اللهم إلا إذا كان يتم ذلك برضاه.
والشرط الأهم أن يكون الأب محتاجاً احتياجاً مشروعاً، لا أن يأخذه ليسافر بها أسفار معصية، أو ليشتري سجائر أو مسكرات أو غيرها، فمثل هذه المبررات لا اعتبار لها في الشرع.
وهناك بعض الأمهات أيضاً تجبر الواحدة منهن البنت المتزوجة أن تعطيها شهرياً مبلغاً من المال للإنفاق على بيتها الذي هو بيت والد البنت، فإذا كانت تعطيها من راتبها فيجب أن يكون ذلك عن طيب خاطر وإلا لا يصح شرعاً.
وإذا كانت تعطيها من مال زوجها فلا يجوز لها ذلك لا بالعطية ولا بالنفقة إلا بإذن زوجها، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «لا يجوز لامرأة أن تعطي عطية إلا بإذن زوجها» (روه أبو داوود وابن ماجه).
وخلاصة الفتوى في هذه المسألة أن العلاقة بين الآباء والأولاد، يجب أن تكون بعيدة عن الماديات التي تفسد الود بينهم، وتبطل أجر تربيتهم للأولاد، لأنه من واجبهم تربية الأولاد، ومن واجبهم الإنفاق عليهم حتى سن البلوغ والقدرة على العمل؛ بل ومن تمام التربية أن يزوجوهم أيضاً.
وبرغم أن حديث «أنت ومالك لأبيك» صحيح إلا أنه يجب ألا يفهم منه أنه مطلق، لأن أحاديث أخرى جاءت مقيدة، مثل حديث عائشة رضي الله عنها أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «إن أولادكم هبة الله لكم (يهب لمن يشاء إناثاً ويهب لمن يشاء الذكور) فهم وأموالهم لكم إذا احتجتم إليها». (أخرجه الحاكم والبيهقي وصححه الألباني).
من أجل ذلك فإن على الآباء والأمهات من هذا النوع أن يعيدو النظر في تصرفاتهم الجائرة، وألا يرضوا بالظلم في سبيل إشباع رغباتهم.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"