أمل بيروت وخيوط العنكبوت

08:23 صباحا
قراءة دقيقتين

مارلين سلوم


حين يعلن الإنسان استسلامه، يكون قد وصل إلى قمة الإحباط، وذروة اليأس، وربما منتهى القهر النفسي. أما حين يعلن استقالته من وطنه، فهو يجسد كل تلك المواصفات، وزد عليها صرخة تخرج من أعماقه، رافضة كل ما آلت إليه أحواله، لتجسد وجهاً آخر، وحقيقياً لانهيار الوطن.
استقالة المذيع اللبناني، وسيم عرابي، هي الأولى من نوعها على شاشة التلفزيون اللبناني الرسمي، وتستوقفنا اليوم لأنها لا تشبه كل الاستقالات التي قدمها قبله مذيعون على قنوات عربية، وعالمية عدة، حتى صارت تشبه «الشو» الإعلامي، الذي يعلن فيه المذيع مغادرته الشاشة، و«اعتزاله»، ثم نفاجأ به بعد مدة قصيرة يطل من قناة أخرى.
عرابي لم يسع للاستقالة على الهواء في ختام نشرة الأخبار ليصير هو الخبر، ولا هدفه البحث عن قناة أخرى تقدم له عرضاً مغرياً، وبشروط أفضل، فيحمل خبرته ويتعاقد معها لينطق باسمها. هو استقال «من الوطن»، ومن المهنة التي تجبره قراءة أخبار السياسيين، و«أكاذيبهم»، واصفاً إياهم بمدمري أحلام الشباب.
استقالة عرابي هي صرخة وجع، كمن يعجز عن تغيير ما يجب تغييره فيعلن انسحابه من المشهد. لكن إلى أين؟ وهل يمكن للاستقالة أن تهز ضمير أي مسؤول؟ يقول المذيع: «هذه طبقة سياسية وقحة بأكملها، شرذمت اللبنانيين، وبالتالي عودة النبض إلى قلب لبنان لن تكون إلا برحيل هؤلاء»، بينما ما يحصل فعلياً هو «بقاء هؤلاء»، ورحيل الشباب.
انفجار مرفأ بيروت لم يقض على معالم المدينة، وجمالها، وتراثها، ولم يُسقط مئات الشهداء، وآلاف الجرحى فقط، بل قضى على ما تبقى من أحلام لدى كثير من الشباب اللبنانيين. وموجة الإعلان عن الرغبة في الهجرة علت بشكل مخيف بعد هذه الكارثة، لتضم أصوات فنانين، ومذيعين، ووجوهاً معروفة، لكن هل يكون الحل بإفراغ بيروت من شبابها، وعقولها، وأمل مستقبلها؟
استوقفتني تصريحات للمصمم اللبناني العالمي، إيلي صعب، الذي يرفض إلا أن يتمسك بجذوره في لبنان رغم اتساع شهرته عالمياً، وانتشار دور أزيائه في أرقى العواصم. صعب الذي تضرر هو أيضاً من الانفجار، وأصيب ابنه إيلي جونيور إصابة طفيفة، وتكبد خسائر مادية كبرى في دار الأزياء، وفي منزله التراثي العريق، أكد أنه يحوك خيوط «أمل بيروت»، وأنه يتعلم منها النهوض باستمرار.
ليت خيوط الأمل تمتد لتشمل كل اللبنانيين، لربما استطاعت أن تقضي على «خيوط العنكبوت السياسية» المدمّرة، والقاتلة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"