هاريس.. «رافعة» بايدن للبيت الأبيض

03:04 صباحا
قراءة 4 دقائق
كتب: المحرر السياسي

يعاني المشهد السياسي الأمريكي انفصام الشخصية، حيث تقوده نماذج هرمة، بينما يدير الشباب ظهورهم للعمل السياسي وسط مشاعر إحباط متراكمة ولّدتها ماكينة الحزبين المتنافسين بمرور الزمن. وتظهر معالم ذلك الانفصام في الدورة الانتخابية لمنصب الرئاسة هذا العام من خلال أبرز رموزها، ترامب وبايدن

حظي اختيار المرشح الديمقراطي لانتخابات الرئاسة الأمريكية، جو بايدن، السيناتورة كامالا هاريس (55عاماً)، لمنصب نائب الرئيس في انتخابات 2020، بتقدير واسع في مختلف الأوساط السياسية، لكن رهان بايدن على هاريس في ترميم صورته لم يحظ بالإجماع نفسه .

وسعى بايدن من خلال اختيارها إلى تعزيز فرص حملته بكسب عدد من النقاط التعبوية، حيث يصفها الجميع بأنها «خلية طاقة» تنبض بالحيوية، في مقابل وصم بايدن بالخمول، والشيخوخة، وحتى الخرف من قبل خصومه. وقد أعلن بايدن صراحة عند دراسة خياراته أنه يريد اختيار شخصية أصغر منه سناً تكون قادرة على إكمال المسيرة في حال وفاته.

وهاريس هي أول امرأة سوداء ترشح لمنصب نائب الرئيس في تاريخ الولايات المتحدة، وأول امرأة من أصول «آسيوية» تصبح عضواً في مجلس الشيوخ الأمريكي، وقد تسهم في كسب ود شريحة من الناخبين الأمريكيين الذين لا يزالون يرفعون شعار «حياة السود مهمة»، في بلد لم يكن في يوم من الأيام منقسماً على نفسه كما يبدو هذه الأيام.

ويزخر تاريخها المهني بعدد من الإنجازات على صعيد العمل كمدّعٍ عام في ولاية كاليفورنيا، وهي التي تبنت حملة للحث على إصلاح الشرطة وسط احتجاجات مناهضة للعنصرية في أنحاء الولايات المتحدة، وهذا يضيف رصيداً سياسياً إلى النقاط الإيجابية التي يحتاج إليها بايدن لاستمرار تفوقه..

وينظر إلى هاريس على أنها تتعاطف مع اليهود الأمريكيين، ليس فقط لكونها زوجة محام يهودي هو دوجلاس إيموف، بل إن سجلها في الدفاع عن قضايا اليهود كمحامية، باعتبارهم من الأقليات، يحفل بالكثير. وهذه ميزة مهمة في حساب معادلات الفوز والخسارة لا تخفى على متابعي الشأن الانتخابي الأمريكي.

ويضمن تحدرها من أصول مهاجرة، وهي المولودة لأب من جامايكا، وأم هندية، تعاطف الناخبين من الأمريكيين المهاجرين، فضلاً عن قربها من قلوب الناخبات باعتبارها امرأة.


هوية كامالا السياسية


وصف بايدن نائبته المرشحة في تغريدة على تويتر بأنها «مقاتلة لا تعرف الخوف، وواحدة من أفضل العاملين في القطاع الحكومي في البلاد». ولا توصف هاريس باليسارية بالمعنى الحرفي، ولا الليبرالية، بل تنتهج موقفاً وسطاً على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي. فهي تؤيد الإجهاض، لكن موقفها من عقوبة الإعدام غير مستقر. وعلى الصعيد الاقتصادي تؤيد هاريس بقوة، زيادة الضرائب وتخفيض الإنفاق على الدفاع، وحظر التنقيب عن البترول والغاز في حقول الزيت الصخري.

ويعتقد هارولد مايرسون، المحلل في صحيفة «واشنطن بوست»، أن ما آلت إليه الصورة الانتخابية الحالية يحمل في طياته نذر تغيير جذري في قواعد اللعبة السياسية الأمريكية، خاصة السباق التقليدي بين الجمهوريين، والديمقراطيين. ويقول: «لقد شهد السباق تحرك كلا الحزبين ومنذ ولاية أوباما الثانية، إلى تمحور أكثر حول اليسار (الديمقراطيون)، وحول اليمين (الجمهوريون). ويمثل تفضيل بايدن لكمالاهاريس على سوزان رايس إقراراً منه، ومن مؤسسة الحزب، بأن الغلبة هي لمعسكر بيرني ساندرز، وإليزابيت وارن، اللذين لم ينسحبا بسهولة، كما انسحبت هاريس بعد حصولها على 2% فقط من الأصوات في ديسمبر/ كانون الأول من العام الماضي».


حسابات الفوز والخسارة


ركز فريق حملة بايدن الانتخابية، بقيادة جريج شولتز منذ البداية، على الاستفادة من عثرات إدارة الرئيس ترامب، وهفوات الرئيس الشخصية، في تحقيق وضع أفضل لبايدن في المنافسة. وقد جرت رياح الاقتصاد كما تشتهي سفن بايدن. فالنجاحات المزعومة لإدارة ترامب في الحفاظ على وتيرة أداء الاقتصاد الأمريكي الفائقة ذهبت بها تبعات «كوفيد19» أدراج الرياح، خاصة فشل الإدارة الذريع على الجبهة الصحية، وما تلاه من مشاكل الإغلاق الاقتصادي وبرامج التحفيز، والقائمة تطول.

وقال بايدن قبل أيام، في إطار التركيز المتعمد على استغلال تبعات الفيروس: «تحتاج العائلات العاملة إلى من يقف إلى جانبها لأنه بكل تأكيد لا يوجد من يقف بجانبها في ظل هذا الرئيس. وسوف يتغيّر ذلك حتماً في إدارة بايدن - هاريس».

وقد عاد بايدن الذي فشل في انتخابات الرئاسة مرتين، ونجح بصعوبة في ترشيح حزبه هذه المرة، إلى حلبة المنافسة عبر ولاية كارولاينا الجنوبية، بفضل الدعم الهائل الذي حصل عليه من الناخبين المتحدّرين من أصول إفريقية، الذين يعدّون قاعدة أساسية لدعم الديمقراطيين، مستفيداً من ارتباط صورته بالرئيس أوباما.


كامالا في ميزان الترجيح


اكتسبت حملة بايدن زخماً إعلامياً كبيراً بعد تسمية كامالا هاريس، حيث اعتبرها الكثير من المحللين حركة ذكية من بايدن لترميم صورة المرشح العجوز. لكن الجميع متفقون على أن براعة ترامب كنجم تلفزيوني تفقد منافسه فرصة تحسين حظوظه عبر وسائل الإعلام، من جهتين، الأولى غياب بايدن المتكرر عن الشاشات مقارنة مع الحضور المهيمن لمنافسه ترامب، والثانية كثرة ثرثرة بايدن أثناء اللقاءات وتلعثمه، وهو ما لا تعوضه صورة هاريس، وحضورها الإعلامي المركز.

ومن المتوقع أن يشكل الحزب الديمقراطي الذي انعقد فبل أيام، فرصة لتحسين فرص بايدن في حال نجح، ونائبته المنتظرة، في إقناع الناخبين الأمريكيين بموقفه من عدد من القضايا التي تشكل وقود المنافسة في هذه المرحلة، مثل تفكيك مصلحة البريد الأمريكية الذي يدعو ترامب إليه لمنع التصويت عبر البريد.

وقد أظهرت آخر استطلاعات الرأي، ومنها الاستطلاع الذي أجرته شبكة «سي بي إس نيوز» بعد اختيار هاريس، وشارك فيه 2210 ناخبين مسجلين، أن 60% من الناخبين راضون، أو متحمسون لاختيارها لمنصب نائب الرئيس.

وأظهرت الاستطلاعات أن هاريس تحتل المرتبة الأولى في الشعبية بين المرشحين الأربعة الرئيس ترامب، ونائبه مايك بينس، وجو بايدن، ونائبته. وكشفت نتيجة استطلاع أعدته صحيفة «وول ستريت جورنال» وشارك فيه 900 ناخب مسجل، ارتفاع شعبية هاريس 4 نقاط مقابل تراجع شعبية بينس 5 نقاط.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"