أردوغان يحرث البحار

04:00 صباحا
قراءة 3 دقائق
حافظ البرغوثي

عادت الليرة التركية إلى الهبوط بعد محاولة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إنعاشها بإعلانه عن كشف حقل غاز في مياه البحر الأسود، يغطي الاستهلاك المحلي لمدة عقدين ونيف، لكن الانخفاض الجديد جاء بعد ازدياد التوتر بين أثينا وأنقرة على خلفية النزاع حول الحدود البحرية بين البلدين، واستمرار تركيا في التنقيب عن النفط شرقي البحر الأبيض المتوسط، واحتمال فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على تركيا في حالة استمرارها في عمليات التنقيب، إضافة إلى التضامن العلني لدول الاتحاد الأوروبي مثل إيطاليا وفرنسا اللتين أجرتا مناورات عسكرية مع اليونان وقبرص، جنوبي جزيرة كريت في استعراض للقوة في مواجهة أنقرة.
يبدو أن الرئيس أردوغان زادت شهيته بعد الكشف الغازي في البحر الأسود، لكي يواصل التنقيب في شرقي المتوسط، مستفيداً من اتفاق لترسيم الحدود البحرية وقّعه مع حكومة «الوفاق» التابعة للسراج غير الشرعية في طرابلس، ولم تعترف بالترسيم أي دولة حول العالم، وردت مصر واليونان على ذلك بترسم الحدود البحرية بينهما، وهو ما انتقده أردوغان، فهو يراهن على النفط والغاز لإنقاذ حكمه وتدهور الاقتصاد التركي بعد فترة ذهبية من الانتعاش ذابت بسبب طموحات الرئيس التركي التوسعية، والتدخل في البلدان المجاورة، خاصة في سوريا والعراق وليبيا والصومال، وتبني جماعة «الإخوان» المصرية، والقطيعة مع الدول الخليجية التي كانت مصدراً مهماً للعملة الصعبة في قطاعي السياحة والعقار وسوقاً للمنتوجات التركية. وقد شكك محللون في صحة الأرقام التي أوردها أردوغان بعد إعلانه عن كشف الغاز في البحر الأسود، حيث قدر خبراء طاقة أتراك، أن استخراج الغاز الطبيعي من الحقل الجديد المُعلن اكتشافه، سيحتاج إلى ما بين خمس وعشر سنوات على الأقل، من أجل مد الأنابيب لنقل الغاز؛ إذ إن الحقل الجديد يقع على بُعد 170 كيلومتراً من الساحل التركي. وبينما تحتاج أنقرة إلى 34 مليار متر مكعب من الغاز سنوياً، فإن الحقل الجديد يكفي احتياجات تركيا من الغاز لمدة سبع أو ثماني سنوات فقط؛ أي أن الحقل سيغطي ربع الاحتياجات التركية، لكن التهويل والمبالغة من جانب أردوغان كانا لأسباب إعلامية، ومحاولة إنعاش الليرة التركية وامتصاص الغضب الداخلي ضد سياساته بعد أن تدهور الوضع الاقتصادي.
الوضع في تركيا يُثير قلقاً بشأن الحصول على تمويل من الخارج، ولذلك تم خفض تصنيف البلاد مالياً،
ويقل هذا التصنيف بثلاث درجات عن المعدل المطلوب للاستثمار، وهو المستوى الممنوح لدول تُعاني صعوبات اقتصادية، مثل البرازيل وأرمينيا. وعزت «فيتش» هذا التصنيف إلى تدخل الدولة التركية بشكل كبير من أجل إنقاذ الليرة، وهو ما أحدث حالة من الشك في سياسة البلاد المالية.
وفي السياق نفسه، لوحظ هبوط معدلات العقار، وسط مخاوف من تفاقم الأزمة في البلاد. ولجأ بنك تركيا المركزي إلى احتياطي النقد الأجنبي، من أجل كبح خسائر الليرة التي تشهد هبوطاً مستمراً منذ سنوات. وقد حرص البنك المركزي التركي على بقاء إجراءات تؤدي إلى إغراق السوق بالديون، وذلك من خلال الإبقاء على نسب الفائدة في مستويات منخفضة وأقل من معدل التضخم.
وفي وقت سابق، نبّه متخصصون إلى أن البنك المركزي التركي يُواجه مأزقاً حقيقياً؛ لأنه مضطر لرفع نسب الفائدة حتى يكبح خسائر، لكنه غير قادر على مُخالفة رؤية أردوغان. ومن المتوقع أن ينكمش اقتصاد تركيا بنسبة أربعة في المئة خلال العام الحالي، بحسب دراسة ل«بلومبيرج» أجريت في يوليو/تموز الماضي.
وتراجع احتياطي النقد الأجنبي في تركيا إلى 45.5 مليار دولار في منتصف الشهر الجاري، بينما كان عند مستوى 81.2 مليار دولار في نهاية السنة الماضية.
وفي الأسبوع الماضي، قال زعيم حزب الشعب الجمهوري المعارض، كمال كليجدار أوغلو، إن تركيا تعيش أسوأ الأزمات في تاريخها، منتقداً ما وصفها بالسياسة الفاشلة للحكومة في إدارة الاقتصاد، وتبديدها أكثر من تريليوني دولار، مشيراً إلى أنه لا أحد يعرف أين أنفق هذا المبلغ الضخم، فيما تواجه تركيا أزمة ديون كبيرة جداً.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"