التعليم الهجين.. عبور للغد بتحديات متوقعة

المسؤولية مشتركة في نجاحه واستدامته
04:32 صباحا
قراءة 8 دقائق

تحقيق: جيهان شعيب ومحمد ياسين

لا شك أن التعليم الهجين هو النقلة الحقيقية لغد علمي متطور، وهو استشراف لمستقبل ناهض تدريسياً، فبرغم أن جائحة «كورونا» أثرت سلباً على معظم المناحي الحياتية، فإنها ساهمت في وضع خطط، لم تكن متوقعة أو مسبوقة، واتخاذ قرارات، والعمل بنظم بديلة على مستوى التعليم، والعمل، والصحة، تسهم في تواصل سير العجلة الحياتية، دونما توقف أو انقطاع، وبصورة لا تواكب الأزمة فقط، بل وتنتصر عليها، ومن ذلك سماح أبوظبي ودبي والشارقة وعدد من الإمارات، بتطبيق سياسة عمل مرنة في دوائر وهيئات ومؤسسات الحكومة بخصوص الموظفات الأمهات اللاتي يقمن بمتابعة أبنائهن أثناء تلقيهم التعليم عن بُعد، وأولياء الأمور الذين لايتوفر لديهم من يرعى الأبناء.

رغم أن التعليم الهجين من أبرز النظم التعليمية التي سيعمل بها خلال العام الدراسي الذي انطلق اليوم الأحد، فهناك بعض تحديات قد تواجه الأسر في البداية، منها وجوب تفرغ أحد الأبوين لمتابعة تدريس الأبناء منزلياً في شق التعلم عن بُعد، والشق الثاني من «هجين» التعليم المتعلق بذهابهم للمدارس بعض أيام الأسبوع، فهنا هاجس الخوف الذي سيعتري نفوس أولياء أمورهم طوال العام الدراسي، من ركوبهم الحافلة المدرسية ذهاباً وإياباً، في ضوء احتمالية أن يكون من الطلبة من هو مصاب بالفيروس، دونما وعي أو انتباه منه وأسرته بما قد يؤدي إلى نقله عدوى المرض إلى زملائه، فضلاً عن اضطراب الساعة البيولوجية لدى الأبناء، لاختلاف مواعيد نومهم، واستيقاظهم للمداومة في المدارس والعكس.
ومع ما سبق ذكره من تحديات وغيرها، فالتعليم الهجين وإن كان اليوم مؤقتاً في ظل وجود النازلة، فإن استدامته قائمة، حال أثبت فاعليته وجدواه خلال الفترة المقبلة، وعن ذلك جاءت الآراء:
التحلي بالصبر
بداية قال المهندس جاسم المازمي، رئيس مجلس أولياء الطلبة والطالبات في الشارقة، عضو المجلس الاستشاري لإمارة الشارقة: لا يخفى على أحد بأن جائحة «كورونا»، ما زالت تلقي بظلالها على مجتمع دولة الإمارات، رغم الجهود الحثيثة التي يقوم بها خط دفاعنا الأول في السيطرة عليها، للوصول لأدنى مستوياتها من التأثير السلبي، ولكي تعود الحياة الطبيعية في المجتمع.
ومع بداية العام الدراسي الجديد ٢٠٢٠-٢٠٢١، باشرت الهيئات والمؤسسات التعليمية الاستعدادات اللازمة لاستقبال الطلبة والطالبات، سواء من خلال الدراسة في المدارس، أو عن طريق البرامج الافتراضية المعتمدة عن بعد، حسب القرارات التي صدرت عن وزارة التربية والتعليم، والهيئات التعليمية المحلية وتخدم المصلحة العامة في الواقع؛ بينما هناك بعض الصعوبات التي قد يواجهها الطلبة والطالبات وأولياء أمورهم في المرحلة المقبلة من التعليم، لاسيما أن الجميع يعلم بأن عودة الطلبة إلى المدارس أو تلقيهم التعليم عن بعد، ستؤدي إلى بروز تحديات جديدة، في حاجة إلى جهد مضاعف من قبل أولياء الأمور وأبنائهم الطلبة حتى ينهلوا من العلم، ويحصلوا على أكبر استفادة ممكنة من التعليم.
ومن أبرز التحديات المتوقع ظهورها حال بقاء الطلبة في المنازل والتعلم عن بعد، ومع خروج الوالدين للعمل، معاناة تلاميذ المراحل الدراسية الأولى كرياض الأطفال والحلقة الأولى، من الحاجة لوجود ولي الأمر إلى جانبهم في المنازل؛ لمساعدتهم على الدراسة ودخول الحصص عبر التطبيق الافتراضي، ومتابعتهم خلال الدروس، وهذا التحدي بجميع تفرعاته لم يكن موجوداً خلال اشتداد جائحة «كورونا» في الفصل الأخير من العام الدراسي المنصرم؛ لمكوث أغلب أولياء الأمور في منازلهم أثناء الجائحة، واستمرار أعمالهم عن بُعد، فكانت متابعة الطلبة في تلك المرحلة أقل وطأة من الوضع الحالي والمتوقع، بينما الفراغ من عدم وجود الوالدين بالمنزل قد يتسبب في ضياع جزء كبير من المعلومات خلال الحصة التي ستشرح للطلبة عن بُعد، بسبب عدم توافر الظروف المناسبة، وعدم وجود أولياء الأمور المؤهلين لمتابعة أبنائهم وبناتهم.
ومن ناحية أخرى، نحن على ثقة بأن وزارة التربية والتعليم والمؤسسات التعليمية سوف تتخذ كل الإجراءات والتدابير الاحترازية والوقائية في حال عودة الطلبة والطالبات إلى المدارس، إلا أن ركوب الطلبة الحافلة وذهابهم إلى المدارس قد يتسببان في نقل عدوى المرض من طالب مهمل واحد إلى بقية الطلبة، ومن ثم إلى بيوتهم، في حين سيظل هاجس انتقال المرض للأبناء في المدارس مستمراً عند أولياء الأمور، إلى أن تنتهي الجائحة أوإيجاد حل جذري لها؛ لذا فالتحديات ستبقى موجودة، ولكن يجب علينا نحن أولياء الأمور أن نتحلى بالصبر، ونتكاتف مع المؤسسات التعليمية، ومع التربويين، وإدارات المدارس، حتى يصل الجميع إلى بر الأمان.
تضافر الجهود
أما الدكتور محمد مراد عبد الله، مستشار نائب رئيس الشرطة والأمن العام في دبي، فقال: في ظل غموض الوضع بشأن ما تؤول إليه جائحة «كورونا» في الأشهر المقبلة، ونظراً لبداية العام الدراسي الجديد، فإن القرار سيكون صعباً على أولياء الأمور في اختيار الأنسب لتعليم الأبناء، سواء الهجين، أو الذكي عن بُعد، الذي سوف يتطلب من الأسرة جهداً إضافياً لمتابعة تعليم الأبناء؛ حيث ستضطر بعض الأمهات لترك وظائفهن للتفرغ لتعليم الأبناء.
وأضاف: لا شك في أن الجائحة ستترك آثاراً نفسية في الأبناء نتيجة العزلة، وبعيداً عن زملاء الدراسة، ومع ذلك فالسؤال المطروح هنا هو: هل العودة إلى المدارس ستكون آمنة لهم؟ وهل ستكون الإجراءات الاحترازية في الصفوف الدراسية كافية لعدم انتقال العدوى؟ في ذلك يجب تضافر الجهود بين أولياء الأمور، والهيئات التدريسية لتحقيق الأهداف التعليمية، وضمان عدم تدنّي مستوى الطلبة، وتطوير المحتوى التعليمي ليواكب متطلبات التعليم الذكي؛ حيث من الصعب التكهن بما سيكون عليه التعليم في المرحلة المقبلة، فيما المرونة في طرق مواصلة التعليم في هذه الظروف الاستثنائية ستُسهم في تقديم الحلول حسب المستجدات.
نظرة إيجابية
فيما يرى الدكتور السيد بخيت، أستاذ الإعلام بجامعة زايد، أنه بالرغم من الضغوط التي يفرضها فيروس «كورونا» على الأسر في العالم أجمع، واضطرار دول كثيرة إلى تطبيق نظم تعليمية متوافقة معها، وابتكار وسائل جديدة، سواء التعليم الكامل عن بُعد، أو التعليم الهجين أو غيرها، واضطرار الكثير من الأسر إلى تغيير نظم حياتها للتوافق مع هذه الضغوط، وهي أمور ليست بالسهولة على الكثيرين، وخاصة مع ضرورة تفرغ العديد من أولياء الأمور لمتابعة دروس أبنائهم، سواء كان الأمر يتعلق بضرورة البقاء في البيت أو الاستذكار مع أبنائهم، وتحمل مسؤولية التعلم معاً، وهي أمور كان يتحملها من قبل المدرسون أو الأبناء أنفسهم- فإن كل هذه الأمور مؤقتة، وستعود الحياة عامة والتعلم أو التعليم لمساره الطبيعي في الشهور المقبلة، ومن المؤكد أن للتجربة جوانب إيجابية من بينها زيادة التقارب داخل الأسر، وقيام بعض أولياء الأمور بأمور تربوية وتعليمية كانت غائبة إلى حد ما، مع حرص الجميع على التزود بمهارات تكنولوجية جديدة لمواكبة هذه التحديات، وتعريف أولياء الأمور بمصادر تعليمية إلكترونية كثيرة يمكن أن تزيد خبرتهم ومعلوماتهم، وهو أمر أساسي في العملية التعليمية التي لا تقف على المدرس وحده، بل تعتمد على الطلاب وأولياء أمورهم أيضاً، باعتبارهم شركاء في العملية التعليمية؛ لذا يجب التعامل بنظرة إيجابية مع هذه الظروف غير الاعتيادية، التي ساهمت في اطلاع الجميع على مفاهيم تعليمية ومهارات جديدة، ونبهتهم لضرورة الاعتماد على النفس أكثر، وزادت إدراكهم بأهمية التكنولوجيا في التعليم، وغير ذلك.
تحديات حياتية
وأكد الدكتور سيف درويش، رئيس قسم الإعلام والعلاقات العامة في مؤسسة دبي لخدمات الإسعاف، أن الظروف الراهنة أفرزت الكثير من التحديات الحياتية، ومن ضمنها طرق التعليم، وتفرغ الأسر لتدريس الأبناء باستخدام تقنيات حديثة، قائلاً: مع بداية العام الدراسي الجديد، وانتظام الموظفين للعمل في مقارّ عملهم، ظهر تحدٍّ جديد لكثير من الأسر التي يعمل فيها الآباء والأمهات؛ حيث أضيف إلى برنامج حياتهم مهمة إبقاء أبنائهم للتعليم عن بُعد، أو الاختيار الثاني وهو التعليم الهجين الذي يتطلب حضور الطالب للمدرسة أياماً محددة أسبوعياً، والبقاء في المنزل أياماً أخرى، وفي الحالين سيتطلب الأمر تنازل أحد الأبوين عن مصدر رزقه، بترك عمله، أو الاستعانة بخادمة، لتبقى مع الأبناء في المنزل، لمتابعتهم والاهتمام بهم، دون تركهم بمفردهم.
خبرات ومعارف
ومن جانب أولياء الأمور قال محمد عبد الرحمن، موظف إن لديه ثلاثة أبناء، اثنين منهم في مرحلتي تعليم مختلفتين، ومع اختيار التعليم الهجين أصبح لدى كليهما مواعيده الدراسية المختلفة، من حيث الذهاب للمدرسة أياماً، والتعليم عن بُعد في أخرى، الأمر الذي سيتطلب تفرغ الأم لهما، بترك وظيفتها.
فيما قال المهندس أحمد سعيد، إنه قد يضطر إلى الاستغناء عن عمل زوجته بسبب التعليم الهجين، الذي يمثل تحدياً للأبناء؛ حيث سيؤدي إلى اضطرب ساعاتهم البيولوجية، على مدار العام، من اختلاف مواعيد استيقاظهم أياماً للذهاب للمدرسة، وأخرى حال بقائهم في البيوت، مؤكداً أن الأزمة الحالية لفيروس «كورونا» أثرت سلباً في مناحي الحياة كافة.
الحل الأمثل
قال د. حميد الزعابي، رئيس لجنة التربية والتعليم في المجلس الاستشاري لإمارة الشارقة: يبدو أن التعليم الهجين أصبح الشغل الشاغل عند الكثير من الأسر في الدولة، خاصة أن هذا النمط من التعليم فرض حضوره، وبات الأكثر حظاً في الاختيار؛ لأنه يأتي ضمن ظروف آمنة، تضمن السلامة البدنية، والنفسية، والذهنية لجميع عناصر العملية التعليمية، ويوفر فرصة التعلم للجميع.
إن تقليل الكثافة الطلابية، وتوفير بيئة وقائية احترازية وصولاً إلى استمرار التحصيل العلمي، هي سياسة إمساك العصا من الوسط، فلا نغامر بصحة طلابنا، ولا يحرمون من التعلم، كما أن هذا النمط التعليمي سيكون بديلاً في فترة التحديات والأزمات، ومن المحتمل استدامته نظراً لتوفر البيئة الخصبة في دولة الإمارات، لاحتياجات هذا النمط من التعليم، هذا فضلاً عن أن الأثر هنا سيكون واضحاً في بناء جيل مهني احترافي، قادر على تحصيل العلم في جميع الظروف.
العودة إلى المدارس خطوة مهمة بلا شك ستكون متسقة مع الاستجابة الصحية العامة لفيروس «كورونا»؛ لضمان العودة الآمنة للطلبة، وأنا أجد التعلم الهجين هو الحل الأمثل في ظل توفر كل متطلبات التعليم، سواء على مستوى القيادة المدرسية وأولياء الأمور، بالرغم من أن التحدي الأكبر لهذا النظام هو عدم اللقاء، والتفاعل المباشر بين المعلم والطالب، ما يتيح فرصة للطالب المتهاون في الانشغال بأشياء أخرى، قد لا يراها المعلم، وذلك في غياب متابعة الأسرة، وهنا نقول إن المسؤولية مشتركة بين الجميع في نجاح التعلم الهجين.
عودة آمنة
عن دور مجالس أولياء الأمور في نشر الوعي التربوي للعودة الآمنة للطلبة لمدارسهم، في ضوء التعليم الهجين، تحدث محمد الحمودي، في ورقة عمل عن مستقبل التعليم الذي يسهم في تغيير نظرتنا له، في ظل الظروف الاستثنائية الحالية الناجمة عن جائحة «كورونا»، وفي إعادة الطريقة التي نتعلم فيها في مدارسنا، والتي يجب أن تتضافر فيها الجهود لرسم مستقبل وطن لن يزدهر إلا باستجابة الجميع للتغيير، وبالجاهزية للمساهمة في صنعه، مؤكداً أنه في الوقت نفسه يجب على القيادات التربوية أن تشارك أولياء الأمور في المتغيرات التي تحدث في التعليم، أولاً بأول ليكونوا مهيئين له.
وتحدث عن التهيئة النفسية الواجبة للأبناء لاستقبال العام الدراسي الجديد، قائلاً: مشاعر القلق أمر طبيعي، ولكن يجب ألّا ننقلها مباشرة للأطفال، ويجب مساعدتهم على الالتزام بالروتين اليومي؛ لجعل التعلم مرحاً لهم من خلال دمجهم في الأنشطة اليومية، سواء في وقت القراءة العائلية، أو ممارسة الألعاب اليومية في المنزل وغيرها، وزيارة معارض العودة للمدارس معهم، مع أخذ الأمور الاحترازية المتبعة، حتى يشعر الطفل بأهمية المدرسة بشراء الأدوات المدرسية، وإشراكه في أخذ رأيه فيها، إلى جانب ضرورة تهيئة الأبناء بأن الدراسة مستمرة سواء عن بعد، أو بالتعلم المباشر وعدم التأفف من ذلك أمام الأبناء، ولا بدّ أن يحاول الأهل قدر المستطاع تأمين كل ما يلزم للطفل من أدوات مدرسية، وتنظيم وقت الطفل، والاهتمام بصحته اليومية والنفسية، وتخصيص وقت للترفيه، وقضاء وقت مع العائلة، وعدم الإسراف في الخوف على الأطفال، وإعطائهم الطفل المعلومات التي يمكن استيعابها دون التهويل الذي يزيد القلق ويؤدي للخوف والتوتر، مع ضرورة توعية الأطفال والمراهقين بفيروس «كورونا»، وبأن المرض قد يصيب أي شخص مهما كان، وتعزيز السلوكات الإيجابية النافعة للأبناء مثل الألعاب الجماعية، والرسم، وحفظ القرآن، وقراءة القصص، ومشاهدة الأفلام الهادفة والمفيدة وخلافه.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"