انقلاب مالي.. التوقيت الحرج

02:34 صباحا
قراءة 4 دقائق
إعداد: بنيمين زرزور

تتصدر إفريقيا، وتحديداً منطقة غرب الصحراء اهتمام العالم؛ حيث باتت مصدراً للصداع العالمي وسط تصاعد حملات الحرب على الإرهاب، وكل تطور سياسي في أي دولة من دولها الضعيفة؛ ستكون له ترددات قد يشمل صداها القارة بأكملها. والانقلاب الأخير الذي شهدته جمهورية مالي؛ يمثل أحدث تطور سياسي على هذا الصعيد.
صحيح أن مالي كغيرها من دول القارة شهدت أكثر من تغيير سياسي كان آخرها انقلاب عام 2012 ضد حامادو توماني توري؛ لكن تركيز الجماعات «الجهادية» نشاطها في المناطق القريبة؛ يضع البلاد على صفيح ساخن، ناهيك عن تحولها إلى بؤرة تركيز الجهود الدولية؛ لضمان كبح انتشار تلك الحركات.
ويأتي الانقلاب الأخير الذي وقع يوم 18 أغسطس/آب الماضي، في نهاية مرحلة متدرجة من الانفلات الأمني والتناقضات السياسية، عكست بشكل متزايد فشل منظومة الحكم السياسي، وغياب العنصر القيادي القادر على التأثير الميداني؛ لخلق بيئة حوار مدني سليم، يمهد للسلم الاجتماعي المفقود.
وادعى منفذو الانقلاب الأخير الذي قادة العقيد مالك دياو- نائب قائد معسكر كاتي- والجنرال ساديو كامارا، حرصهما على سيادة القانون، وحماية الدستور، وإجراء انتخابات سياسية. وقال العقيد إسماعيل واغو، المتحدث باسم الجماعة العسكرية التي نفذت الانقلاب: «نحن حريصون على استقرار البلاد، الذي سيتيح لنا تنظيم انتخابات عامة؛ لإفساح المجال أمام مالي؛ لكي تجهز نفسها بمؤسسات قوية ضمن مهلة زمنية معقولة». ويتهم الرئيس المالي المطاح به إبراهيم أبو بكر كيتا، الذي وصل إلى السلطة عبر الانتخابات في عام 2013، بأنه تباطأ في تنفيذ اتفاق السلام لعام 2015. وينظر إليه من قبل العديد من الماليين على أنه جعل المناصب الحكومية حكراً على أفراد قبيلته، ويستفيد شخصياً من المساعدات المالية الخارجية التي تصل إلى البلاد. وجاء في بيان العسكر أن مالي «تغرق في الفوضى وانعدام الأمن في الأغلب؛ بسبب خطأ المسؤولين عن مصيرها». وقد فاز كيتا بفترة رئاسية ثانية في الانتخابات التي أجريت في 2018، لكن الفساد وسوء إدارة الاقتصاد والخلافات حول الانتخابات التشريعية؛ صعّدت من مشاعر الغضب ضده، وتسببت في اندلاع احتجاجات واسعة في الأشهر الأخيرة.ويشعر العسكريون الذين يخوضون حربا ضارية مع الجماعات «الجهادية» بالغبن؛ لضعف مرتباتهم، وصعوبات المواجهة، وما ينتج عنها من كوارث.


ردود الفعل المباشرة


دانت الكثير من دول العالم الانقلاب، ودعت منظمة الأمم المتحدة لإطلاق سراح المحتجزين. وقررت مجموعة دول التجمع الاقتصادي لدول غرب إفريقيا (إكواس)، وعددها 15 دولة، إغلاق حدودها مع مالي، وتعليق كافة عمليات دخول الأموال إلى البلاد، وطرد مالي من جميع هيئات صنع القرار في إكواس. ولعبت «إكواس» دور الوسيط بين حكومة كيتا وجماعات المعارضة خلال الأشهر التي سبقت الانقلاب.
وسارعت فرنسا لإدانة احتجاز الرئيس، ودعا وزير الخارجية الفرنسي، جان إيف لودريان، الجنود إلى العودة إلى ثكناتهم. وتعد مالي قاعدة أساسية للجنود الفرنسيين الذين يحاربون المتمردين الإسلاميين في منطقة الساحل الإفريقي برمتها.
وسارع عضو بارز في حركة «إم فايف» المعارضة التي يقودها محمود ديكو، وهو عالم مسلم يحظى بحضور شعبي واسع، وتنظم جماعته احتجاجات ضد الحكومة، للترحيب باستقالة الرئيس كيتا. ورأى محللون مختصون أن الاستقالة ربما تحظى بارتياح كبير في أوساط الشعب المالي.


لماذا مالي؟


تنبع أهمية جمهورية مالي من كون الأقسام الصحرواية منها الواقعة في الشمال تعد ملاذاً لعدد من الجماعات المسلحة، والتي وسعت أنشطتها؛ لتشمل النيجر وبوركينا فاسو وتشاد وموريتانيا. كما أن البلد تعد مقراً للقوات الفرنسية التي تعمل مع قوة إقليمية تعرف باسم «جي5 ساحل»، ومع قوة من الأمم المتحدة لحفظ السلام، وقوامها 10 آلاف جندي، على الحد من توسيع أنشطة الجماعات المسلحة. ويخشى المراقبون من أن تؤدي جولة أخرى من عدم الاستقرار في البلاد إلى زعزعة الأمن وخلط الأوراق في المنطقة كلها.


من يقف وراء الانقلاب؟


قد يوفر الكشف عن الجهة الخارجية التي تدعم الانقلاب مفتاحاً لفهم مستقبل مالي في ظل الوضع الجديد. وعلى الرغم من أن المعلومات المؤكدة حول من يساند العسكريين غير متاحة فإن مجلة «فورين بوليسي» الأمريكية زعمت أن الذين نظموا الانقلاب تلقوا تدريبات على أيدي الجيش الأمريكي. وقالت: إن الانقلاب قد يشكل انتكاسة في المعركة الإقليمية ضد الإرهاب والتطرف؛ لكن حكومة الولايات المتحدة سارعت إلى التنديد بالانقلاب، وأوقفت كل المساعدات الأمنية والتدريب الذي كانت تقدمه للقوات المالية.
وقال المبعوث الأمريكي الخاص إلى منطقة الساحل وغرب إفريقيا، بيتر فام: «من الواضح أن العديد من المشاركين في التمرد تلقوا تدريبات أو مساعدات أمريكية».
وكشفت وزارة الدفاع الألمانية، أنه من المحتمل أن تكون وحدات الجيش المالي، التي نفذت انقلاباً عسكرياً، قد تلقت تدريباً من قبل بعثة الاتحاد الأوروبي في مالي. ووفقاً للوزارة، هناك حالياً 69 جندياً ألمانياً يشاركون في هذه المهمة.


التداعيات الأمنية


لا شك أن الأزمة السياسية ستؤدي في حال طال أمدها، إلى تفاقم الأوضاع الأمنية في مالي، وقد تتسبب في توسيع دائرة النزاعات في دول الساحل الإفريقي، خاصة وأن بعض القبائل ومن بينهم الطوارق، والجماعات المتطرفة، سوف تعمل على تشديد قبضتها على المدن الرئيسية، والتحرك جنوباً نحو باماكو كما حصل بعد انقلاب عام 2013؛ حيث تدخلت القوات الفرنسية؛ لوقف الزحف نحو العاصمة. وهذا سيكون له تأثير سلبي على جهود مكافحة الإرهاب في المنطقة.
وعلى الرغم من أن المجلس العسكري أكد دعمه لاتفاق سلام عام 2015، الموقع برعاية جزائرية، فإن الاستيلاء على السلطة والأزمة الناتجة عنه قد يضعفان الالتزام بالاتفاق، والذي يمثل أولوية استراتيجية لبعثة الأمم المتحدة لحفظ السلام.
ويمكن أن تؤثر الأزمة السياسية في مالي بشكل أكبر في جيرانها؛ بوركينا فاسو والنيجر، وحتى على البلدان الساحلية؛ مثل: بنين وساحل العاج. وقد انتشر التمرد في شمال مالي في السنوات الماضية إلى المناطق الوسطى من البلاد، وإلى النيجر وبوركينا فاسو، التي أصبحت بؤرة العنف؛ منذ بداية عام 2020.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"