تونس.. حكومة الخوف من حل البرلمان

02:42 صباحا
قراءة 4 دقائق
د. محمد عزالعرب *

تحاشت الأحزاب التونسية الدخول في صراع مع الرئاسة على خلفية تكليف هشام المشيشي تشكيل حكومة جديدة خوفا من الدعوة إلى انتخابات مبكرة غير مستعدة لها وتخشى من نتائجها ، وخصوصا «حركة النهضة» التي فقدت الكثير من شعبيتها. فكان أن منحتها الثقة بأغلبية 134 صوتا في البرلمان، لذلك يمكن تسميتها بحكومة الخوف من حل البرلمان. . لكن كيف كانت الصورة عشية التصويت على الثقة؟
تبعاً للمسار الأخير، أكد رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات «نبيل بوفون» في تصريحات للشروق التونسية بتاريخ 29 أغسطس الماضي استعداد الهيئة للانتخابات المقبلة في حال تم حل البرلمان، معلناً استعداده للتعامل مع أي مستجد.
ينطلق السيناريو الأول، منح الثقة لحكومة المشيشي، من أن معظم الأحزاب السياسية التي تمثل الأغلبية داخل مجلس نواب الشعب التونسي لا تريد فقد المقاعد التي حصلت عليها في الانتخابات البرلمانية خلال العام الماضي، بل تسعى إلى الحفاظ عليها بشتى السبل تجنباً لإجراء انتخابات جديدة قد تكون مخرجاتها مغايرة بحكم التغير في توجهات الرأي العام التونسي، وضعف أداء معظم تلك الأحزاب.
هنا، يسود التخوف الرئيسي لدى حركة النهضة بعد تصاعد الغضب داخل البرلمان، وفي أوساط قطاع من الرأي العام بسبب ممارساتها، بحيث تميل إلى التهدئة مع الرئيس قيس سعيد، ولا سيما في ظل منازعتها لاختصاصاته، خاصة في مجال السياسة الخارجية، على نحو ما عكسه موقف راشد الغنوشي زعيم الحركة ورئيس البرلمان من الأزمة الليبية، فضلاً عن رغبة «النهضة» في إبداء مؤشرات حسن النوايا للتعاون مع الأحزاب، وتقليص مساحات الخلاف مع الأطراف السياسية لتمرير حكومة المشيشي، وإيجاد نقاط التقاء بين الفرقاء السياسيين حول قواسم مشتركة، وتقديم مصلحة الوطن.


«النهضة» و«قلب تونس» و«تحيا تونس»


وفي هذا السياق، رجح رئيس مجلس النواب، راشد الغنوشي، وفقاً لما نشرته صحيفة «الشروق» التونسية، احتمالية نيل المشيشي ثقة البرلمان، تغليباً لما وصفه ب«منطق الضرورة»، مشيراً إلى أن «النهضة عامل استقرار في البلاد، وليست مختصة في إسقاط الحكومة.. والأمر موكول لمجلس الشورى الذي سيحدد موقف الحركة الرسمي من حكومة المشيشي».
وكذلك الحال بالنسبة إلى حزب «قلب تونس»، إذ أعلن رئيس كتلة حزب قلب تونس «أسامة الخليفي» في تصريح بتاريخ 25 أغسطس/ آب، أن هناك ثقة متبادلة بين «قلب تونس» والمكلف بتشكيل الحكومة «هشام المشيشي».
كما أن بعض الأحزاب الأخرى بدأ خطابها يشير إلى أن المهمة الرئيسية في المرحلة المقبلة لا تتعلق بماهية تركيبة أعضاء الحكومة بقدر ما يتعلق بطريقة أداء هذه الحكومة، وتعاملها مع المشكلات الملحة، خاصة على الصعيدين الاقتصادي والأمني. وهنا، دعا رئيس حركة «تحيا تونس» يوسف الشاهد الأحزاب السياسية إلى خلق صيغ توافقية جديدة، من بينها دعم الحكومة من دون المشاركة فيها، كما أكد أن «(تحيا تونس) سيدعم الحكومة المقبلة، حيث إنه ليس من مصلحة البلاد الذهاب لانتخابات سابقة لأوانها مجدداً».


لا محاصصة


فضلاً عن أن تشكيل حكومة كفاءات، وليست حكومة حزبية يؤدي إلى غياب مطلب المحاصصة الذي قد يطلبه كل حزب، بل حقائب وزارية بعينها، سواء كانت سيادية، أو خدمية، فضلاً عن الاستجابة لمواقف بعض الأحزاب التي كانت تطالب منذ التشكيل الأولي للحكومة باستبعاد النهضة. إذ أعلن الحزب الدستوري الحر تمسكه بعدم المشاركة في حكومة تضم «النهضة».
كما تتفق مع هذه الرؤية الكتلة الديمقراطية، إذ أعلن رئيسها «هشام العجبوني»، أن كتلته طلبت من رئيس الوزراء المكلف «هشام المشيشي» تشكيل حكومة دون حركة النهضة، واصفاً البرلمان بقيادة «راشد الغنوشي» بأنه يشبه السيرك. .


إعاقة التمرير


في حين يستند السيناريو الثاني، عدم تمرير حكومة المشيشي: إلى رفض تشكيل كفاءات، وأن الخيار الملائم للبلاد هو تشكيل حكومة سياسية معبرة عن الأحزاب التي فازت في الانتخابات البرلمانية الماضية، حتى يكون لتلك الحكومة ظهير سياسي داعم لها لتمرير القوانين التي تقترحها، بخلاف الخلافات داخل النهضة حول تشكيلة حكومة المشيشي، حيث أكد رئيس مجلس شورى الحركة «عبد الكريم الهاروني» في تصريحه لصحيفة «الجريدة التونسية» على «إن شرط نجاح الحكومة الجديدة هو أن تكون سياسية تحترم إرادة الناخبين ودور الأحزاب والتوازنات في مجلس نواب الشعب».
وكذلك الحال بالنسبة إلى حزب «قلب تونس»، إذ صرح رئيسه «نبيل القروي» بأن حزبه «يدعم خيار تشكيل حكومة توافقية بكفاءات حزبية أو مستقلة تحظى بحزام سياسي موسع».
وكذلك الحال بالنسبة لكتل برلمانية أخرى، حيث صرح القيادي في ائتلاف الكرامة «سيف الدين مخلوف» لموقع «تونس الرقمية» بأن «قرار رئيس الحكومة المكلف هشام المشيشي بتشكيل حكومة مستقلة يؤكد انعدام الرغبة في إنجاح الحكومة الجديدة».
من استعراض السيناريوهين السابق الحديث عنهما يمكن القول: إن السيناريو الأول هو الأكثر ترجيحاً، لأنه لا توجد أغلبية سياسية قادرة على الحكم بمفردها، وأن المشهد البرلماني مشتت، ما يجعل المخرج هو القبول بتشكيل حكومة كفاءات للحد من التجاذبات بين الأحزاب، وهو ما دعا البعض إلى إطلاق مسمى عليها هو «حكومة الخوف من حل البرلمان»، لأن نظام الحكم في تونس، وفقاً لحكومة المشيشي، ومحورية دور الرئيس قيس سعيد، يجعله أقرب إلى النظام الرئاسي، عبر حكومة مستقلة لا دخل للأحزاب بها. ويظل تمرير الحكومة بأغلبية مريحة غير قائم.

* رئيس وحدة الدراسات العربية والإقليمية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية


التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"