حرب اللقاحات بدأت

02:37 صباحا
قراءة 4 دقائق
كتب: المحرر السياسي

منذ ظهور الملامح الأولية لانتشار فيروس «كورونا» المستجد؛ دخل العالم في حالة من الارتباك، تبعته الفوضى ثم الانقسام بدلاً من التنسيق وتوحيد الجهود؛ لمواجهة الوباء. ثم تطورت الفوضى إلى صراعات تحمل في خفاياها نذر حروب من نوع جديد، ليست كالحروب التي عهدناها؛ بل هي مختلفة عنها كلياً سواء من حيث التخطيط لها أو من حيث أسلحتها وعسكرها وحتى مفرداتها.
تركز الحروب البيولوجية الحديثة، كما في حالة «كورونا» الافتراضية، على السبق في تحقيق التفوق العلمي والبيولوجي، والقدرة الفائقة على سرعة اكتساب الزبائن، سواء كانوا شعوباً أو دولاً أو صنّاع قرار. وقد تابع العالم حرب الكمامات خلال الأشهر الماضية، وشهد دولاً ترعى قرصنة شحنها بالسفن.
وتطورت أدوات المواجهة في مرحلة لاحقة؛ لتطال ما هو أهم؛ باعتبار أن الكمامات من أدوات الوقاية؛ لندخل حرب اللقاحات، باعتبارها من وسائل العلاج، ليس فقط على الجبهة الصحية؛ بل على الصعيد الاقتصادي، بعد أن شل الوباء اقتصاد العالم، ولا تزال تقديرات الخسائر التي تسبب بها في تصاعد لا ينتهي.
ولعل من أبرز مظاهر هذه الحرب، أن تجد زعماء دول عظمى؛ مثل: (الولايات المتحدة والصين وروسيا) في مقدمة من يتحدث عن تطوير اللقاحات نيابة عن الأنظمة الصحية في كل دولة، ما يعكس حجم الرهانات السياسية على هذا الإنجاز وأهميته ليس فقط في تخليص اقتصاد العالم من الشلل؛ بل في الهيمنة على مفاتيح إدارته، والتحكم بمكوناته مستقبلاً.


سباق انطلق ولم يهدأ


ربما تكشف الأرقام والحقائق عن الأهمية التي توليها دول العالم لمشاريع إنتاج وتطويراللقاح؛ فإذا كان حجم الاستثمارات العالمية المعلن عنها لتطوير اللقاح حتى الآن زاد على 7.5 مليار دولار، فإن حجم المبيعات والأرباح المتوقعة من إنتاجه وتسويقه تراوح بين 80 إلى 100 مليار دولار خلال سنوات معدودة.
وهناك حتى الآن 31 لقاحاً محتملاً لفيروس «كورونا» المستجد، تخضع لتجارب سريرية على البشر، من أصل 164 من مشاريع البحث الحاصلة على موافقة منظمة الصحة العالمية. وقد بلغت 8 لقاحات المرحلة النهائية من ثلاث مراحل تجريبية يتم فيها اختبار مدى فاعلية اللقاح على نطاق واسع.
واللقاحات الثمانية هي تلك التي طورتها شركتا «بَيونتك» الألمانية، بالتعاون مع «فايزر» الأمريكية، والتي طورتها مختبرات شركة «مودرنا» الأمريكية، ومختبرات «سينوفارم»، و«سينوفاك» الصينية، وجامعة أكسفورد، بالتعاون مع شركة «أسترازينيكا» البريطانية.
لكن حمّى المنافسة الدولية لإنتاج أول لقاح، اشتدّت حينما أعلنت روسيا مؤخراً عن تطوير لقاح تم ترخيصه رسمياً للاستخدام الفعلي شاركت في تطويره مخابر وزارة الدفاع الروسية.
وأكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن اللقاح يعمل بشكل فعّال، ويشكل مناعة مستقرة، وأنه اجتاز الاختبارات، وأن إحدى بناته شاركت في الاختبارات التي أجريت على «سبوتنيك 5»، وهو اسم اللقاح.
وقد تصدّرت الولايات المتحدة دول العالم لجهة عدد جرعات اللقاح التي وقعت عقود شراء مع شركات متعددة؛ من أجل الحصول عليها، وكان مجموع الجرعات 1.3 مليار جرعة، تلاها الاتحاد الأوروبي الذي وقّع عقوداً؛ للحصول على 700 مليون جرعة، ثم اليابان بواقع 490 مليون جرعة.
ووقعت المملكة المتحدة عقوداً؛ للحصول على 340 مليون جرعة، وأمريكا اللاتينية 250 مليون جرعة، وأندونيسيا مئة مليون جرعة.
ويكشف هذا التنافس المحموم على توقيع عقود شراء لقاحات لا تزال قيد التجربة عن الآمال التي تعلقها الدول الكبرى على دور اللقاح في عودة الحياة الطبيعية إلى اقتصاد كل منها، وحجم الرهانات السياسية على سرعة «تطبيع» حياة الناس.
ويخشى من أن يتسبب الاستثمار السياسي والاقتصادي لمشاريع اللقاح وتبعات الوباء على الاقتصاد العالمي في استمرار الخسائر في أرواح البشر؛ بعد أن تجاوز عدد الإصابات على المستوى العالمي 20 مليون إصابة، واقترب عدد الوفيات من 800 ألف شخص.


احتكار اللقاح


وسط هذه الصورة غير المستقرة؛ تعالت الأصوات المحذرة من احتكار اللقاح، وما يترتب عليه من تزايد في عدد الضحايا، خاصة في الدول الفقيرة. وقال تيدروس أدهانوم غيبريسوس مدير عام منظمة الصحة العالمية في مداخلة بالفيديو أمام منتدى «آسبن» الأمني في الولايات المتحدة قبل أيام، إنه لكي يتعافى العالم يجب أن يتعالج بشكل كلي؛ لأنه بات من المعلوم في كافة جوانب أنشطته. وحذر من أن عجز بعض الدول عن تمويل علاجات شاملة؛ يهدد الملاذات الآمنة التي تعتقد الدول الغنية على أنها قادرة على توفيرها لشعوبها. وطالب غيبريسوس الذي كان قد حذر من «التوجهات الوطنية» في توزيع اللقاح، دول العالم بالانضمام لاتفاقية عالمية؛ لتبادل اللقاحات المأمولة مع الدول النامية في أقرب وقت ممكن.
من جانبه، دعا البابا فرنسيس إلى عدم احتكار أي لقاح قد يتم تطويره، وإلى تقديم مساعدات الإنقاذ للشركات الملتزمة بحماية البيئة، والتي تساعد الناس الأكثر حاجةً، وتعمل من أجل «المصلحة العامة».
وقال البابا: «سيكون من المحزن إعطاء الأولوية للأثرياء في ما يتعلق بلقاح كورونا، أو أن يصبح اللقاح ملكاً لهذه الدولة أو تلك، وليس متاحاً للجميع في العالم».
وتدعو أحزاب سياسية في الغرب إلى تخصيص مساعدات اجتماعية للمهمشين من فئات الشعب الأكثر تضرراً بتبعات الفيروس، وتعزيز قدرات الشركات الصغيرة والمتوسطة على استيعاب المزيد من قوة العمل؛ للمحافظة على التوازن الاقتصادي والاجتماعي.


دول خارج التغطية


إذا كان السباق بين الدول الكبرى على احتكار اللقاح قد بلغ حد النزاع العلني، فإن الدول الفقيرة ستكون في مقدمة المتضررين ليس فقط لعجزها عن تطوير لقاحها بنفسها؛ بل لأن فرصة حصولها على اللقاح المنتج خارج حدودها تبقى في الحد الأدنى؛ لضعف قدراتها المالية من جانب، ولدخول التحالفات السياسية وحرب المصالح بين القوى العظمى على خط تسويق اللقاحات من جانب آخر.
ولعل مسارعة روسيا للإعلان عن إنتاج لقاح؛ قد سلط بعض الضوء على شكل المنافسة المستقبلية على أسواقه. وقد كشفت الانتقادات التي تعرضت لها التجربة الروسية عن مدى قلق الشركات العابرة للقارات؛ وهي معظمها غربية، من احتمال فقدانها لأسواق مهمة لمبيعاتها. ويكفي القول إن متوسط سعر اللقاح يبلغ 100 دولار للجرعة لنعلم حجم تلك الخسائر.
أما الدول الفقيرة مثل المكسيك والهند بعدد سكانها الهائل فلن تتمكن من إنفاق أكثر من 4 دولارات على كل جرعة، وهو ما يكشف حجم التحدي الذي تواجهه تلك الدول التي تجد نفسها مضطرة للاختيار بين الإنفاق على اللقاح أو على دفن مواطنيها.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"