المتسولة

03:11 صباحا
قراءة 3 دقائق

كتب: أمير السني

تجرعت (د. أ) آلام الغربة بعد أن فقدت زوجها الذي كان يلبي حاجياتها كافة، وحاجة طفلتهما الصغيرة التي أبصرت النور وهي في حضن والديها اللذين كانا يرعانها بحنان زائد، ويوفران لها الملابس والألعاب ويخرجان بها للتنزه، فكانت حياة الأسرة سهلة بسيطة وممتعة يساعد فيها الزوج زوجته ويعتنيان بطفلتهما، لكن بعد بلوغ العامين من عمرها توفي الوالد بعد معاناة من المرض ليترك الطفلة ووالدتها وحدهما يواجهان شظف العيش وضيق الحياة.
صارت (د. أ) تبحث عن لقمة عيش تسد حاجتها وحاجة طفلتها، وبدأت في البحث عن عمل وذهبت إلى عدد من رياض الأطفال والمدارس لتعمل في مجال الإشراف والرعاية، فهي لا تحمل شهادة جامعية؛ حيث تركت الدراسة منذ المرحلة الثانوية وهي في وطنها، ولم تكمل دراستها منتظرة نصيبها إلى أن التقت بشاب تقدم إليها وهي في العشرين من عمرها، فقد كانت صلة القربي هي التي جمعتهما مصادفة عند زيارته منزل أسرتها، وبعد الزواج أرادت (د. أ) أن تواصل دراستها، لكنها بسبب الحمل الذي لم ينجح لثلاث مرات عانت فيها الكثير بسبب ألم الإجهاض، قرر زوجها أخذها إلى الطبيب لمعالجتها، ثم سافر هو ليجد عملاً لتحسين وضع أسرته، فكان حضوره إلى الإمارات وحصوله على وظيفة جيدة ساعدته على تأسيس شقة وتوفير الأثاث ليجلب زوجته من بلدها، فاستخرج لها الإقامة وأرسل لها التذكرة واستقرت معه في شقتهما، وبعد أشهر حملت الزوجة ونجح الحمل هذه المرة ورزقا بطفلة زادت حياتهما سعادة، وبعد بلوغ الطفلة عامين من عمرها أصيب الزوج بمرض توفي بعدها تاركاً
(د. أ) وطفلتها في حيرة من أمرهما، لا تدري الأم ماذا تفعل بعد وفاة زوجها وكيف تستطيع رعاية ابنتها الصغيرة ودفع تكاليف المعيشة من إيجار وكهرباء وحاجيات الأكل والشرب، ومع أن بعض الأسر من جنسيتها المقيمة في الدولة ساعدتها حتى استطاعت أن تدفع ما عليها من متأخرات، ظلت ضغوط الحياة تواجهها فبدأت في البحث عن عمل وبعد صعوبة وجدت وظيفة عاملة في إحدى محال بيع الملابس، وهكذا اضطرت لوضع ابنتها في حضانة قريبة من المحل، واستمرت الحال كذلك أشهراً عدة، لكن تم الاستغناء عن عدد من الوظائف داخل المحل وكانت (د. أ) من ضمن الذين تم الاستغناء عنهم، وهكذا عادت مرة أخرى بلا وظيفة، ما زاد وضعها سوءاً وبدأت في البحث عن عمل آخر حتى وجدت بعد جهد وظيفة مشرفة في إحدى حافلات المدارس وكان راتبها أفضل فتحسنت حالها واستطاعت أن تسدد ماعليها من متأخرات الإيجار، لكنها في العام الدراسي الجديد فوجئت بالاستغناء عنها أيضاً من العمل، وعادت مرة ثالثة إلى دائرة البحث عن عمل علماً بأن متطلبات الحياة تزداد أمامها وشبح الفقر يواجهها هي وابنتها، ومكثت قرابة ستة أشهر لا تجد ما يسد حاجتها إلا القليل من المساعدات الإنسانية من هنا وهناك، وظلت تخرج يومياً للبحث عن عمل بلا جدوى، فكل الأبواب موصدة أمامها.
في غمرة هذه الظروف غلبتها الحياة فباتت تبحث عن طوق نجاة ينقذها من وضعها، ولجأت لبيع كراسات وأدوات مدرسية في إحدى الشوارع المكتظة بالمارة تحاول استعطاف الناس حتى يشتروا منها أو يساعدوها مادياً في حل مشاكلها، فكانت تخرج يومياً وتقف في ذلك الشارع منذ الصباح ومعها ابنتها حتى يرق لهما حال المارين أمامها ويساعدوها مادياً، ونبهها أحد المارة إلى أن ما تفعله يعتبر تسولاً وهو مخالف للقانون، لكنها واصلت تلك الطريقة إلى أن وقعت في أيدي الشرطة وتم فتح بلاغ جنائي في مواجهتها بتهمة التسول.
استمع قاضي الجنح إلى حجتها ووضعها السيئ الذي تعيشه فحكم عليها بالسجن لمدة شهر مع إيقاف التنفيذ على أن لا تعود لتلك الطريقة مرة أخرى.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"