براءة خادمة

03:11 صباحا
قراءة 3 دقائق
كتب: محمد ياسين

تحفل ساحات المحاكم وحياة الأطراف التي تلتقي فيها بقصص تعكس في جانب منها الصراعات القديمة المتجددة بين الخير والشر، بين الطمع والقناعة، بين نفوس ترتوي بظلم الآخرين وأخرى تنفق شهوراً، وربما العمر كاملاً، بحثاً عن حق. في تفاصيل هذه الصراعات تحاول العدالة ما استطاعت أن تكون صاحبة الكلمة العليا لتستقيم الدنيا، وفي ثنايا المواجهات بين الأطراف المتخاصمة تتدفق المفاجآت والعبر.
تختلف قصة اليوم عن كثير من القصص التي تنظرها المحاكم، لكنها تتشابه مع كثير من قصص الظلم والألم، فبطلة الواقعة التي ننشرها هذا الأسبوع فتاة تبلغ من العمر 25 عاماً من دولة آسيوية، حلمت بأن تساعد إخوتها الصغار بسبب ضيق ذات يد والدها الفلاح البسيط في مزارع الشاي في قرية نائية في بلادها، فقد كانت هي الأخت الكبرى لثلاث بنات وثلاثة أولاد وهم جميعاً في مراحل مختلفة من التعليم الأساسي.
كانت الفتاة تجتهد لمساعدة والديها من خلال صنع بعض المشغولات اليدوية وبيعها في أسواق القرية، لكن العائد لم يكن يكفي في مساعدة أسرتها، فبحثت عن طرق أفضل للقيام بدور فعال لكي تنعم الأسرة بحياة كريمة و ينال إخوانها فرصة في تعليم أفضل، وفي هذه الأثناء ظهرت إحدى صديقاتها بفكرة السفر والعمل حتى تتمكن من تحقيق حلمها ومساعدة عائلتها.
تمكنت الفتاة عن طريق أحد أقاربها من أن تتقدم لوظيفة خادمة بوساطة أحد مكاتب العمالة، وخلال أيام حصلت على الموافقة بالسفر، وبدأت قصة الفتاة بعد هبوط طائرة في مطار دبي كانت من ركابها، حيث استقبلها مندوب شركة التوظيف الذي سلمها لعائلة تعاقدت معها لتعمل عندها خادمة، وبالطبع عرفتها صاحبة المنزل بطبيعة عملها ودورها في تنظيف المنزل ومتابعة احتياجات الأطفال، وكانت مطيعة وتتعلم تلك الأمور بشكل سريع حرصاً منها على تأدية دورها والاجتهاد في العمل، ولكن يبدو أن صاحبة المنزل الحادة الطباع بدأت في تعنيفها وزميلتها في المنزل على أبسط الأمور، وبعد الشهر الأول الذي مر كدهر من الزمان لم تلتزم صاحبة المنزل بتسديد أجر الخادمة، ولم تمنحها إجازتها الأسبوعية أو راتبها الشهري، فانتظرت الخادمة الشهر التالي، لكن الأمر تكرر حتى أصبحت غير قادرة على الوفاء بالتزماتها تجاه أسرتها، وأصبح عملها مع تلك الأسرة أشبه بالجحيم، واستمرت معاناة الفتاة شهوراً كانت خلالها كل يوم تحاول الهرب من المنزل لكنها لا تتمكن من ذلك، وهنا قررت الفتاة التخلص من حياتها بابتلاع كمية كبيرة من العقاقير لتنهي مسلسل العذاب التي تتعرض له كل يوم، وحزنها لعدم قدرتها على مساعدة عائلتها وضياع مستقبل إخوانها في التعليم بسبب نقص الموارد المادية، وهكذا نفذت الفتاة خطتها لإزهاق روحها والتخلص من حياتها بالمنزل، فوجدت صاحبة المنزل الخادمة ملقاة على الأرض بين الحياة والموت فقامت وزوجها بنقل الفتاة إلى المستشفى لإنقاذها، وتبين أن حالة الخادمة هي الشروع في الانتحار وطلبت إدارة المستشفى أوراق ربة البيت ليتم فتح بلاغ لدى الشرطة، إلا أن خوف صاحبة المنزل من أي مساءلة قانونية قد تفضح أمرها في تحقيقات النيابة والخوف من الاتهام بدفع الفتاة إلى الانتحار بسبب التعنيف أوعدم دفع راتبها الشهري، جعلها تقرر تلفيق قضية للخادمة، فعاد زوجها إلى المنزل لإحضار جواز سفر الخادمة حيث قام بجمع هواتف وبعض الحلي فضلاً عن أغراض شخصية ووضعها في غرفة الخادمة، وقام بفتح بلاغ لدى الشرطة أفاد فيه بأنه وجد تلك الأغراض داخل غرفة الخادمة واتهمها بالسرقة، وأمام أقوال صاحبة المنزل وزوجها في تحقيقات النيابة أكدا أن تلك أغراضهما وأن جميعها اختفت بعد استقدام تلك الخادمة وعملها في المنزل، لكن الخادمة أنكرت كل تلك الادعاءات، وكانت المفأجاة في تقرير التحريات التي أثبت أن جميع الهواتف المفترض أنها مسروقة ومختفية من المنزل منذ أشهر كما ادعت الزوجة وزوجها، كانت تستخدم بشكل يومي حتى تاريخ البلاغ من قبل أفراد الأسرة وهكذا ثبتت براءة الخادمة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"