توضيـح ما عجــز البشــر عــن فهمــه

وما ينطق عن الهوى
02:59 صباحا
قراءة 4 دقائق

‮ ‬أخرج البيهقي‮ ‬عن مالك قال‮: ‬قال ربيعة‮: ‬«أنزل الله كتابه على نبيه صلى الله عليه وسلم وترك فيه موضعاً‮ ‬لسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، ‮ ‬وسن رسول الله صلى الله عليه وسلم سنناً‮ ‬وترك فيها موضعاً‮ ‬للرأي‮». ‬وأخرج عن مسروق قال‮: ‬«قال عمر رضي‮ ‬الله عنه‮: ‬ترد الناس من الجهالات إلى السنة»‮.‬
‮ ‬يقول أحمد بن حجر آل بوطامي‮ ‬البنعلي‮ ‬في‮ ‬كتابه‮ «‬سبيل الجنة بالتمسك بالقرآن والسنة‮»: ‬«إن كتاب الله - عز وجل- ‬في‮ ‬حاجة إلى السنة لتوضيح ما صعب فهمه وما عجز البشر عن الوصول إلى أحكامه ومن ذلك ما أخرج الشيخان عن‮ ‬يعلي‮ ‬بن أمية قال‮: ‬قلت لعمر بن الخطاب‮: «‬ليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن‮ ‬يفتنكم الذين كفروا‮» ‬وقد أمن الناس، ‮ ‬فقال عمر‮: ‬عجبت مما عجبت منه، ‮ ‬فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‮: (‬صدقة تصدق بها الله عليكم فاقبلوا صدقته‮). ‬وقال العلماء‮: ‬«فهموا من الآية أنه إذا عدم الخوف كان الأمر في‮ ‬القصر بخلافه حتى أخبرهم النبي‮ ‬صلى الله عليه وسلم بالرخصة في‮ ‬الحالين معاً‮».‬
أخرج البيهقي‮ ‬عن أمية بن عبد الله بن خالد أنه قال لعبد الله بن عمر‮: ‬إنا نجد صلاة الحضر وصلاة الخوف في‮ ‬القرآن، ‮ ‬ولا نجد صلاة السفر في‮ ‬القرآن، ‮ ‬فقال ابن عمر‮: ‬يا ابن أخي، ‮ ‬إن الله بعث إلينا محمداً‮ ‬صلى الله عليه وسلم ولا نعلم شيئاً، ‮ ‬فإنما نفعل كما رأينا محمداً صلى الله عليه وسلم‮ ‬يفعل‮. ‬وأخرج عن مكحول قال‮: «‬القرآن أحوج إلى السنة من السنة إلى القرآن‮»‬، ‮(أخرجه سعيد بن منصور‮).
وقال البيهقي‮: «إن السنة مع الكتاب، ‮ ‬أقيمت مقام البيان عن الله، ‮ ‬كما قال الله تعالى‮: ‬وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم»، ‮ ‬لا أن شيئاً‮ ‬من السنن‮ ‬يخالف الكتاب‮. ‬قلت‮: ‬«والحاصل أن معنى احتياج القرآن إلى السنة أنها مبينة له ومفصلة لمجملاته، ‮ ‬لأن فيه كنوزاً نحتاج إلى من‮ ‬يعرف خفايا خباياها فيبرزها، ‮ ‬وذلك هو المنزل عليه صلى الله عليه وسلم، ‮ ‬وليس القرآن مبيناً للسنة، ‮ ‬لأنها بينة بنفسها، ‮ ‬إذ لم تصل إلى حد القرآن في‮ ‬الإعجاز والإيجاز، ‮ ‬لأنها شرح له وشأن الشرح أن‮ ‬يكون أوضح وأبين وأبسط من المشروح والله أعلم‮».‬

الثقفي وعمر

‮وأخرج البيهقي‮ ‬عن هشام بن‮ ‬يحيى المخزومي‮ ‬أن رجلاً من ثقيف أتى عمر بن الخطاب فسأله عن امرأة حاضت وقد كانت زارت البيت، ‮ ‬ألها أن تنفر قبل أن تطهر؟ فقال‮: ‬لا، ‮ ‬فقال له الثقفي‮: ‬إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفتاني‮ ‬في‮ ‬مثل هذه المرأة بغير ما أفتيت، ‮ ‬فقام إليه عمر فضربه بالدرة ويقول‮: ‬لمَ تستفتوني‮ ‬في‮ ‬شيء أفتى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم‮؟. ‬وأخرج عن ابن خزيمة قال‮: ‬ليس لأحد قول مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صح الخبر‮. ‬وأخرج عن‮ ‬يحيى بن آدم قال‮: ‬لا‮ ‬يحتاج مع قول النبي‮ ‬صلى الله عليه وسلم إلى قول أحد، ‮ ‬وإنما كان‮ ‬يقال سنة النبي‮ ‬صلى الله عليه وسلم وأبي‮ ‬بكر وعمر ليعلم أن النبي‮ ‬صلى الله عليه وسلم مات وهما عليها‮. ‬وأخرج عن مجاهد قال‮: ‬ليس أحد إلا‮ ‬يؤخذ من قوله ويترك من قوله إلا النبي‮ ‬صلى الله عليه وسلم‮.‬

تعاضد لا تنافر

‮ويروي‮ ‬الإمام الحافظ جلال الدين السيوطي‮ ‬في‮ ‬كتاب‮ «‬مفتاح الجنة في‮ ‬الاحتجاج بالسنة‮»، ‮ ‬أن السنة الثابتة ليست منافرة للقرآن، ‮ ‬بل معاضدة له‮. ‬وإن لم‮ ‬يكن فيه نص صريح بلفظها فإن النبي‮ ‬صلى الله عليه وسلم‮ ‬يفهم من القرآن ما لا‮ ‬يفهمه‮ ‬غيره‮. ‬
وقال ابن مسعود ‮«فيما أخرجه ابن أبي‮ ‬حاتم‮ -: (‬ما من شيء إلا بين لنا في‮ ‬القرآن، ‮ ‬ولكن فهمنا‮ ‬يقصر عن إدراكه‮). ‬فلذلك قال تعالى‮: «‬لتبين للناس ما نزل إليهم» (‬النحل:‮٤٤) ‬فانظر هذا الكلام من ابن مسعود أحد أجلاء الصحابة وأقدمهم إسلاما‮ً.‬
‮ ‬وقال بعضهم‮: (‬السنة شرح للقرآن‮). ‬وقد ألف ابن برجان كتاباً‮ ‬في‮ ‬معاضدة السنة للقرآن‮. ‬وأخرج الشافعي‮ ‬والبيهقي‮ ‬من طريق طاووس‮ (‬أن النبي‮ «‬صلى الله عليه وسلم‮» ‬قال‮: (‬إني‮ ‬لا أحل إلا ما أحل الله في‮ ‬كتابه، ‮ ‬ولا أحرم إلا ما حرم الله في‮ ‬كتابه‮)، ‮ ‬وكذلك صنع صلى الله عليه وسلم وبذلك أمر‮. ‬وافترض عليه أن‮ ‬يتبع ما أوحي‮ ‬إليه‮. ‬ونشهد أن قد اتبعه، ‮ ‬وما لم‮ ‬يكن فيه وحي‮ ‬فقد فرض الله في‮ ‬الوحي‮ ‬اتباع سنته، ‮ ‬فمن قبل عنه فإنما قبل بفرض الله‮، ‬قال الله تعالى‮: ‬«وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا»‮ (‬الحشر:‮٧).

ميراث الجدة

وقال البيهقي‮: (‬باب فيما ورد عن الخلفاء الراشدين وغيرهم من الصحابة من الرجوع إلى خبره‮) ‬أخرج فيه عن قبيصة بن ذؤيب قال‮: (‬جاءت الجدة إلى أبي‮ ‬بكر الصديق‮ «‬رضي‮ ‬الله عنه‮» ‬لتسأله ميراثها؟ فقال أبو بكر‮: (‬ما لك في‮ ‬كتاب الله شيء، ‮ ‬وما أعلم في‮ ‬سنة نبي‮ ‬الله صلى الله عليه وسلم شيئاً، ‮ ‬فارجعي‮ ‬حتى أسأل الناس‮) ‬فسأل الناس‮. ‬فقال له المغيرة بن شعبة‮: (‬حضرت رسول الله‮ «‬صلى الله عليه وسلم‮» ‬أعطاها السدس‮) ‬فقال أبو بكر‮: (‬هل معك‮ ‬غيرك؟ فقام محمد بن مسلمة الأنصاري‮ ‬فقال مثل ما قال، ‮ ‬فأنفذه لها أبو بكر‮). ‬وأخرج عن ابن المسيب أن عمر بن الخطاب‮ «‬رضي‮ ‬الله عنه‮» ‬كان‮ ‬يقول‮: «‬الدية للعاقلة ولا ترث المرأة من دية زوجها شيئاً‮» ‬حتى أخبره الضحاك بن سفيان أن رسول الله‮ «‬صلى الله عليه وسلم‮» ‬كتب إليه أن‮ ‬يورث امرأة أشيم الضبابي‮ ‬من ديته فرجع إليه عمر‮) ‬، ‬وأخرج عن طاووس أن عمر قال‮: (‬اذكر الله امرأ سمع من النبي‮ «‬صلى الله عليه وسلم‮» ‬في‮ ‬الجنين شيئا‮) ‬فقام حمل بن مالك بن النابغة فقال‮: (‬كنت بين جاريتين لي‮ «‬يعني‮ ‬ضرتين‮» ‬فضربت إحداهما الأخرى بمسطح، ‮ ‬فألقت جنيناً ميتاً، ‮ ‬فقضى فيه رسول الله‮ «‬صلى الله عليه وسلم‮» ‬بغرة‮). ‬فقال عمر‮: (‬لو لم نسمع هذا لقضينا فيه بغير هذا‮. ‬إن كدنا نقضي‮ ‬فيه برأينا‮).‬

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"