أخرج البيهقي عن مالك قال: قال ربيعة: «أنزل الله كتابه على نبيه صلى الله عليه وسلم وترك فيه موضعاً لسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وسن رسول الله صلى الله عليه وسلم سنناً وترك فيها موضعاً للرأي». وأخرج عن مسروق قال: «قال عمر رضي الله عنه: ترد الناس من الجهالات إلى السنة».
يقول أحمد بن حجر آل بوطامي البنعلي في كتابه «سبيل الجنة بالتمسك بالقرآن والسنة»: «إن كتاب الله - عز وجل- في حاجة إلى السنة لتوضيح ما صعب فهمه وما عجز البشر عن الوصول إلى أحكامه ومن ذلك ما أخرج الشيخان عن يعلي بن أمية قال: قلت لعمر بن الخطاب: «ليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا» وقد أمن الناس، فقال عمر: عجبت مما عجبت منه، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (صدقة تصدق بها الله عليكم فاقبلوا صدقته). وقال العلماء: «فهموا من الآية أنه إذا عدم الخوف كان الأمر في القصر بخلافه حتى أخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالرخصة في الحالين معاً».
أخرج البيهقي عن أمية بن عبد الله بن خالد أنه قال لعبد الله بن عمر: إنا نجد صلاة الحضر وصلاة الخوف في القرآن، ولا نجد صلاة السفر في القرآن، فقال ابن عمر: يا ابن أخي، إن الله بعث إلينا محمداً صلى الله عليه وسلم ولا نعلم شيئاً، فإنما نفعل كما رأينا محمداً صلى الله عليه وسلم يفعل. وأخرج عن مكحول قال: «القرآن أحوج إلى السنة من السنة إلى القرآن»، (أخرجه سعيد بن منصور).
وقال البيهقي: «إن السنة مع الكتاب، أقيمت مقام البيان عن الله، كما قال الله تعالى: وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم»، لا أن شيئاً من السنن يخالف الكتاب. قلت: «والحاصل أن معنى احتياج القرآن إلى السنة أنها مبينة له ومفصلة لمجملاته، لأن فيه كنوزاً نحتاج إلى من يعرف خفايا خباياها فيبرزها، وذلك هو المنزل عليه صلى الله عليه وسلم، وليس القرآن مبيناً للسنة، لأنها بينة بنفسها، إذ لم تصل إلى حد القرآن في الإعجاز والإيجاز، لأنها شرح له وشأن الشرح أن يكون أوضح وأبين وأبسط من المشروح والله أعلم».
الثقفي وعمر
وأخرج البيهقي عن هشام بن يحيى المخزومي أن رجلاً من ثقيف أتى عمر بن الخطاب فسأله عن امرأة حاضت وقد كانت زارت البيت، ألها أن تنفر قبل أن تطهر؟ فقال: لا، فقال له الثقفي: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفتاني في مثل هذه المرأة بغير ما أفتيت، فقام إليه عمر فضربه بالدرة ويقول: لمَ تستفتوني في شيء أفتى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟. وأخرج عن ابن خزيمة قال: ليس لأحد قول مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صح الخبر. وأخرج عن يحيى بن آدم قال: لا يحتاج مع قول النبي صلى الله عليه وسلم إلى قول أحد، وإنما كان يقال سنة النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر ليعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم مات وهما عليها. وأخرج عن مجاهد قال: ليس أحد إلا يؤخذ من قوله ويترك من قوله إلا النبي صلى الله عليه وسلم.
تعاضد لا تنافر
ويروي الإمام الحافظ جلال الدين السيوطي في كتاب «مفتاح الجنة في الاحتجاج بالسنة»، أن السنة الثابتة ليست منافرة للقرآن، بل معاضدة له. وإن لم يكن فيه نص صريح بلفظها فإن النبي صلى الله عليه وسلم يفهم من القرآن ما لا يفهمه غيره.
وقال ابن مسعود «فيما أخرجه ابن أبي حاتم -: (ما من شيء إلا بين لنا في القرآن، ولكن فهمنا يقصر عن إدراكه). فلذلك قال تعالى: «لتبين للناس ما نزل إليهم» (النحل:٤٤) فانظر هذا الكلام من ابن مسعود أحد أجلاء الصحابة وأقدمهم إسلاماً.
وقال بعضهم: (السنة شرح للقرآن). وقد ألف ابن برجان كتاباً في معاضدة السنة للقرآن. وأخرج الشافعي والبيهقي من طريق طاووس (أن النبي «صلى الله عليه وسلم» قال: (إني لا أحل إلا ما أحل الله في كتابه، ولا أحرم إلا ما حرم الله في كتابه)، وكذلك صنع صلى الله عليه وسلم وبذلك أمر. وافترض عليه أن يتبع ما أوحي إليه. ونشهد أن قد اتبعه، وما لم يكن فيه وحي فقد فرض الله في الوحي اتباع سنته، فمن قبل عنه فإنما قبل بفرض الله، قال الله تعالى: «وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا» (الحشر:٧).
ميراث الجدة
وقال البيهقي: (باب فيما ورد عن الخلفاء الراشدين وغيرهم من الصحابة من الرجوع إلى خبره) أخرج فيه عن قبيصة بن ذؤيب قال: (جاءت الجدة إلى أبي بكر الصديق «رضي الله عنه» لتسأله ميراثها؟ فقال أبو بكر: (ما لك في كتاب الله شيء، وما أعلم في سنة نبي الله صلى الله عليه وسلم شيئاً، فارجعي حتى أسأل الناس) فسأل الناس. فقال له المغيرة بن شعبة: (حضرت رسول الله «صلى الله عليه وسلم» أعطاها السدس) فقال أبو بكر: (هل معك غيرك؟ فقام محمد بن مسلمة الأنصاري فقال مثل ما قال، فأنفذه لها أبو بكر). وأخرج عن ابن المسيب أن عمر بن الخطاب «رضي الله عنه» كان يقول: «الدية للعاقلة ولا ترث المرأة من دية زوجها شيئاً» حتى أخبره الضحاك بن سفيان أن رسول الله «صلى الله عليه وسلم» كتب إليه أن يورث امرأة أشيم الضبابي من ديته فرجع إليه عمر) ، وأخرج عن طاووس أن عمر قال: (اذكر الله امرأ سمع من النبي «صلى الله عليه وسلم» في الجنين شيئا) فقام حمل بن مالك بن النابغة فقال: (كنت بين جاريتين لي «يعني ضرتين» فضربت إحداهما الأخرى بمسطح، فألقت جنيناً ميتاً، فقضى فيه رسول الله «صلى الله عليه وسلم» بغرة). فقال عمر: (لو لم نسمع هذا لقضينا فيه بغير هذا. إن كدنا نقضي فيه برأينا).