على حافة الإعدام

02:33 صباحا
قراءة 3 دقائق
أبوظبي:آية الديب

تحفل ساحات المحاكم وحياة الأطراف التي تلتقي فيها بقصص تعكس في جانب منها الصراعات القديمة المتجددة بين الخير والشر، بين الطمع والقناعة، بين نفوس ترتوي بظلم الآخرين وأخرى تنفق شهوراً، وربما العمر كاملاً، بحثاً عن حق. في تفاصيل هذه الصراعات تحاول العدالة ما استطاعت أن تكون صاحبة الكلمة العليا لتستقيم الدنيا، وفي ثنايا المواجهات بين الأطراف المتخاصمة تتدفق المفاجآت والعبر.
منذ أن دخل محبسه وهو يتنحى جانباً يرفض التحدث إلى الجميع ويجلس وحيداً مطيلاً التفكير والغفوات، وكثيراً ما يبكي في صمت، وهو ينتظر زيارات ذويه من وقت لآخر آملاً الخروج، ويستمع إلى قصص من حوله ويشعر بأنه في كابوس يريد الاستيقاظ منه في أقرب وقت.
في البداية كان يظن زملاؤه في محبسه أنه يرفض التحدث إليهم لأنه يصغرهم سناً ولن يستطيع أي منهم فهمه، أو لأنه من طبقة اجتماعية عليا ولا يريد التحدث إلى أشخاص أقل منه، لكن بمرور الأيام ظنوا أن لديه مشكلة عضوية وهو غير قادر على التحدث، وبعد أن تبدلت ملابس حبسه من اللون الأزرق إلى الأحمر تمهيداً لتنفيذ الحكم عليه بالقتل قصاصاً، شعر بأن حياته انتهت وقرر فجأة التحدث إليهم لعل أحداً منهم ينتفع بقصته ويؤكد عليهم أهمية متابعة أبنائهم مهما كبروا سناً، وقال لهم: أنا قادر على التحدث وسينفذ بحقي حكم القتل قصاصاً لذا قررت أن أروي قصتي لكم.. أغمض عينيه متذكراً وبدأ بقوله: والدي كان يمنحني أنا وشقيقي مساحة كبيرة من الحرية منذ طفولتنا، لكن الحرية الممنوحة لنا كانت أكبر من اللازم وربما هي السبب وراء وجودي هنا.. لم يكن والدي يسألني عن دروسي وواجباتي، وكذلك أمي، كل منهما كان منشغلاً دائماً بعمله وأصدقائه، ولا أحد يسألني: إلى أين تخرج ومتى تعود أو حتى لماذا تأخرت؟ وذات يوم اصطحبت شقيقي متجهين إلى أصدقائنا للسهر معهم في أحد المقاهي، وكنت قد أقرضت أحدهم مبلغاً من المال لمساعدته، وحينما طلبت منه المبلغ في تلك الليلة أنكر أنه أخذ مني شيئاً، وبدأ حديثنا يتخذ قدراً من الحدة وارتفع صوتانا وبدأت مشاجرة بيننا، وكان صديقنا الذي مات هو البادئ بالتعدي على شقيقي، حيث أخرج من جيبه آلة حادة وأمسك بشعري وضربني وسبني، وحينها لم أتمالك نفسي وكان أمامي سكين أخذته بسرعة وجرحت صديقي الذي أتشاجر معه في صدره ولم أكن أنوي قتله بل تأديبه وإيقاف تعديه علي وعلى أخي، وبعدها سقط صديقي أرضاً واتصل أصدقاؤنا الموجودون بالمستشفى لإسعافه إلا أنه بعد دخوله المستشفى مات، وأكد الأطباء أن الطعنة في صدره هي السبب الذي أودى بحياته.
في التحقيقات اعترفت بضرب صديقي، وأثبت تقرير الطب الشرعي أن الوفاة تعزى إلى الإصابة بطعنة في الصدر أدت إلى جروح في جدار القلب نجم عنها نزيف دموي جسيم وفشل في عضلة القلب انتهى بحدوث الوفاة.
النيابة العامة أسندت لي قتله عمداً بطعنه بسكين، وقضت محكمة أول درجة بالإجماع بإدانتي ومعاقبتي بالقتل قصاصاً فاستأنفت الحكم ورفضت المحكمة الاستئناف، وحينها شعرت بأن حياتي انتهت، إلا أن زيارة والدي لي بعد حكم الاستئناف والتي اصطحب فيها أحد المحامين المعروفين أشعرتني بأن هناك أملاً في الخروج من هذه المحنة بأقل الخسائر، والعودة إلى حياتي مرة أخرى، وقد طمأنني المحامي قائلاً لي أنني أعتبر حدثاً وقت ارتكاب الجريمة، وأنه سيطلب إحالتي لمحكمة الأحداث، وسيدفع بأن المستشفى الذي نقل إليه صديقنا المتوفى ربما قصر في إسعافه، وبذلك لا أكون أنا المتسبب الرئيسي في الوفاة، فضلاً عن أن المجني عليه هو الذي بدأ التعدي علينا، الأمر الذي يتيح لي حقي في الدفاع الشرعي عن النفس، وأخبرني المحامي أنه طلب تعديل القيد في أوراق القضية من قتل عمد إلى ضرب أفضى إلى الموت لأنني ضربت المجني عليه ضربة واحدة على مسافة قريبة، وكأنني أقوم بوخزه دفاعاً عن نفسي، ومنذ زيارة والدي والمحامي تلك ازداد أملي في العودة إلى حياتي الطبيعية أو في معاقبتي عقوبة لا تصل إلى القتل قصاصاً، لكن المحكمة رفضت الطعن رغم كل ما قدمه المحامي، وأكدت المحكمة أن المسؤولية شرعاً هي البلوغ والعقل فإذا ثبت البلوغ بأمارة أو سن تثبت الأهلية الكاملة للإنسان فيكون مسؤولاً مسؤولية كاملة، وبما أنني كنت بالغاً وقت حدوث الواقعة ومتجاوزاً السابعة عشرة من عمري، فإن المسؤولية الجنائية تتحقق، وجاء في تقرير لجنة وزارة الصحة أنه تم اتخاذ الإجراءات اللازمة كافة لإنقاذ صديقي المتوفى إلا أن حالته لم تستجب.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"