عادي

في اليوم العالمي لمثلث برمودا.. رعب وأساطير مازال يكتنفها الغموض

16:40 مساء
قراءة 4 دقائق
مثلث برمودا

الشارقة: أوميد عبد الكريم إبراهيم

لطالما ملأ «مثلث برمودا» الدنيا وشغل الناس بالأساطير والقصص المرعبة التي تحوم حوله، من ابتلاع السفن والبواخر، وجذب وإسقاط الطائرات، ووحوش تقطن في قاع مياهه، وغيرها من الروايات التي وصلت بعضها إلى حد السذاجة، أو ربما الخيال العلمي، فكان مادة دسمة للإعلام على مستوى العالم أجمع، وموضوعاً للأبحاث والمقالات طوال عقود، خصوصاً في منتصف القرن المنصرم الذي شهد إيلاء اهتمام بالغ بهذه المنطقة المائية المثيرة للجدل.

ويقع مثلث برمودا ـ أو «مثلث الشيطان» كما يُعرف أيضاً، والذي يصادف يومه العالمي الخامس من ديسمبر/كانون الأول ـ شمال المحيط الأطلسي في الجهة المجاورة للساحل الجنوبي الشرقي لولاية فلوريدا الأمريكية، ويصل بين جزر برمودا التابعة للتاج الملكي البريطاني، وإقليم بورتوريكو التابع للولايات المتحدة، ومنطقة «فورت لودرديل» بولاية فلوريدا الأمريكية، وتتكون هذه المنطقة الجغرافية على شكل مثلث متساوي الأضلاع، يصل طول كل ضلع فيه إلى نحو 1500 كيلومتر، ويغطي مساحة هائلة تبلغ مليون كيلومتر مربع.

قوى غامضة

وأسهمت الأبحاث والمقالات المثيرة التي نُشرت بشكل مكثف منتصف القرن الماضي، في منح هذه الشهرة الواسعة لمثلث برمودا، وجميع الكتابات كانت تصب في اتجاه واحد، هو الحديث عن مخاطر مزعومة واختفاءات في ظروف غامضة في قلب هذا المثلث المائي، فانتشرت هذه الكتابات حول العالم انتشار النار في الهشيم، لا سيما بين تلك الشرائح التي تستهويها القصص الخيالية، والخرافات والأساطير التي تتحدث عن قوى هائلة وغامضة لا يستطيع أحد إيقاف جبروتها.

وكان وصول الرحالة الإيطالي الإسباني الذي اكتشف قارة أمريكا، كريستوفر كولومبوس، إلى تلك المنطقة عام 1492 بمثابة الحلقة الأولى من سلسلة حلقات «السيناريو التراجيدي الأسطوري» الذي يحكي قصة مثلث برمودا، فعندما أبحر كولومبوس في تلك المنطقة شاهد وهجاً كبيراً من النار «قد يكون نيزكاً» يصطدم بمياه البحر في إحدى الليالي، بحسب ما نُسب إلى كولومبوس في مذكراته التي يضيف فيها أن «ضوءاً مريباً» ظهر في المنطقة بعد بضعة أسابيع من تلك الحادثة، كما أفاد الرحالة الشهير بأن قراءات وحركة البوصلة التي كانت بحوزته، كانت مضطربة وغير منتظمة.

اختفاء «الرحلة 19»

البداية الحقيقية لسلسلة الأساطير والخرافات، والقصص الخيالية التي دارت أحداثها حول هذا الحيز الجغرافي الغامض، كانت في منتصف القرن المنصرم، وتحديداً في 5 ديسمبر عام 1945، حين اختفت خمس قاذفات قنابل تابعة للبحرية الأمريكية كانت في مهمة تدريبية اعتيادية تحت مسمى «الرحلة 19»، وكانت مكونة من 5 طائرات، كما اختفت بعد ذلك طائرة الإنقاذ التي أُرسلت للبحث عنها أيضاً، ليرتفع عدد الطائرات المختفية إلى 6، وعلى متنها 27 شخصاً. وقد تحولت تلك الحادثة الشهيرة إلى فيلم سينمائي عام 1979 بعنوان «The Bermuda Triangle».

وفي عام 1950 سُجِّل أول ادعاء بوقوع «حوادث اختفاء غير طبيعية» في مثلث برمودا من خلال مقال للكاتب إدوارد جونز في مجلة «أسوشييتد برس»، وبعدها بعامين كتب جورج ساند مقالاً بعنوان: «لغز في البحر عند بابنا الخلفي»، نُشر في مجلة «فيت». ويتحدث الكاتبان عن قصص اختفاء سفن وطائرات بطريقة غامضة بعد مرورها من تلك المنطقة، لتفرد مجلة «ليجيون» عام 1962 مساحة واسعة للحديث عن حادثة «الرحلة 19» آنفة الذكر، حيث نقلت المجلة عن قائد الرحلة قبل اختفائها، قوله: «نحن ندخل مياهاً بيضاء لا شيء يبدو جيداً. لا نعرف أين نحن، المياه أصبحت خضراء، لا بيضاء».

آفاق غير مرئية

ولم يخرج الكاتب فينست جاديس في مقاله المنشور في مجلة «أرجسوي» عام 1964 بعنوان «مثلث برمودا القاتل» عن نمط الإثارة والتشويق الذي اتبعه من سبقوه في الكتابة عن مثلث برمودا؛ إذ تحدث فيه عن «اختفاءات وأحداث غريبة في تلك المنطقة» قبل أن يتوسع في الموضوع ويؤلف عنه كتاباً بعنوان «آفاق غير مرئية» نُشر عام 1965.

وهناك من يذهب إلى أبعد من الإثارة والتشويق، ويروي قصصاً وحكايات أقرب إلى الأساطير والخرافات. ومن الروايات التي كثر تداولها بين الناس، أن «هذه المنطقة أضعف نقطة لاختراق الغلاف الجوي؛ لذلك تدخلها الكائنات الفضائية وتخرج منها طوال الوقت»، وأيضاً «مثلث برمودا يقع تحت سيطرة وحش على هيئة عنكبوت كبير»، وقيل: إن «قادة الرحلة 19 للطائرات الأمريكية أُرسلوا إلى المريخ».

أسطورة مصطنعة

أما الواقعيون الأكثر ميلاً إلى العلم والمنطق، فيقولون إن «أسطورة برمودا مُصطنعة أعدّها كتّاب أو أشخاص عاديون عمداً أو دون قصد، ولكنهم استخدموا مفاهيم خاطئة تستخدم أسلوب الإثارة، ولا تستند لأي دليل علمي». وفي بحث له نُشر عام 1975، يقول الباحث في جامعة «أريزونا» الأمريكية لورانس كوش، إن «ادعاءات كل من كتب بهذه الطريقة المبالغ فيها عن مثلث برمودا، مشكوك فيها، ولم يتم التحقق من أي منها، إلى جانب أنها تحتوي على كثير من التناقضات والمغالطات، كما أن أعداد الطائرات والسفن المفقودة في مثلث برمودا ليست أكبر من مثيلاتها التي فُقدت في مناطق أخرى».

وسبق أن أفادت دراسات عديدة بأن «الشمال الحقيقي يصطف مع الشمال المغناطيسي في نقاط قليلة على وجه الأرض، من ضمنها مثلث برمودا، خصوصاً في الماضي» دون أي إشارة إلى إمكانية أن يتسبب ذلك في الكوارث التي تُنسب إلى مثلث برمودا. وفي منتصف عام 2017 نقلت صحيفة «إندبندنت» البريطانية عن العالم الأسترالي كارل كروزلنسكي قوله، إن «حوادث اختفاء الطائرات والسفن في السابق تعود بكل بساطة إلى أخطاء بشرية في القيادة، لا سيما في ظل المناخ المتقلب في منطقة مثلث برمودا»، وأكد كروزلنسكي أن «ارتفاع نسبة الحوادث في تلك المنطقة سببها زيادة أعداد الطائرات والسفن والبواخر التي تمر منها، كما أن معدل اختفاء الطائرات والسفن فيها لا يزيد كثيراً على المناطق الأخرى، وعليه لا يوجد أي شيء غير طبيعي». 

وجاءت الإحصاءات التي نشرها خفر السواحل في الولايات المتحدة الأمريكية لتدعم هذا الاتجاه، حيث أفادت بأن «حالات اختفاء الطائرات والسفن في مثلث برمودا لا تزيد على مثيلاتها في مناطق أخرى من العالم». ومما يدعم هذا الاتجاه أيضاً أن كثيراً من وسائل الإعلام الرسمية حول العالم اعتذرت عن تقارير مثيرة نشرتها سابقاً عن مثلث برمودا، وتراجعت عنها بعد أن ثبت زيف روايات التشويق التي حيكت حول هذه المنطقة التي لا تزال مثاراً للجدل على الرغم من كل ما سبق.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"