عادي
إعجاز القرآن والسنة

الانفجار العظيـم ونشـأة الكـون

23:22 مساء
قراءة 5 دقائق
1

كان عدماً مطلقا‮ً.. ‬لم‮ ‬يكن هناك شيء‮.. ‬وفجأة‮.. ‬انفجر شيء ما‮.. ‬انفجاراً عظيماً‮ ‬فبزغ‮ ‬الزمان والمكان وخلقت الطاقة ثم المادة‮. ‬لقد خرج الوجود إلى الوجود‮.. ‬ثم ظهرت شظية الأرض‮ ‬المستعرة‮.. ‬وأخذ الكوكب الوليد في التبرد‮.. ‬وفجأة تحرك جنين الحياة في أحشاء أمنا الأرض‮.. ‬ثم انهمر سيل الكائنات‮ ‬الحية من رحم الحياة.. ‬حتى جاء الإنسان‮.. ‬ثم جئنا أنا وأنت‮.‬

‮هذا ما يقوله د. عبد الباسط الجمل‮ ‬في كتابه‮ «‬موسوعة الإشارات الكونية‮» ويضيف: تشير الأدلة العلمية إلى أن الكون كان في‮ ‬البداية كتلة واحدة عالية الطاقة وكان لابد أن‮ ‬يحدث توزيع لهذه الطاقة فائقة التصور من خلال حدث كوني‮ ‬يفتت الكتلة الكونية إلى أجزاء عديدة ذات طاقة أقل، وقد حدث ذلك من خلال الانفجار الكوني‮ ‬الهائل الذي‮ ‬تكونت على أثره المجرات والشموس والنجوم والأقمار وقد تم توزيع الطاقة على نواتج الانفجار بنظام دقيق‮ ‬.
‮ يضمن لهذه العمارة الكونية الاستمرار إلى أجل مسمى، وأكدت أبحاث العالم الاسكتلندي‮ «‬مايك هوكنز‮» ‬عام ‮٤٩٩١ نظرية الأصل الواحد للكون وقد أشار القرآن الكريم إلى هذه النشأة ذات الأصل الواحد وذلك في‮ ‬سورة الأنبياء في‮ ‬قوله تعالى‮: «‬أَوَلَمْ‮ ‬يَرَ‮ ‬الَّذِينَ‮ ‬كَفَرُوا أَنَّ‮ ‬السَّمَاوَاتِ‮ ‬وَالْأَرْضَ‮ ‬كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا‮»، (الأنبياء: ٠٣).
‮‬والتعبير بالسماوات والأرض إنما هو رمز لعموم العمارة الكونية، وذلك لارتباطنا الشديد بالأرض لحياتنا عليها وارتباطنا بالسماء بتطلعنا إليها وانتظارنا منها المطر الضروري‮ ‬للنبات والتعبير‮ «‬بالرتق‮» ‬يعني‮ ‬الاندماج الكامل المكثف، والتعبير‮ «‬بالفتق‮» ‬يعني‮ ‬فك هذا الاندماج بتفجير الكتلة الكونية عالية الطاقة‮ ‬غير المتزنة طاقيا وتفتيتها إلى كتل صغيرة متزنة طاقيا، والآية الكريمة تخبرنا بأهمية البحث العلمي‮ ‬الذي‮ ‬يكشف الحقيقة ويجعل الإنسان‮ ‬يعيش مع الحقيقة كما لو أنه شاهدها لحظة وقوعها وهذا ما عبر عنه سبحانه وتعالى بقوله‮: «‬ألم تر‮» ‬والإنسان لم‮ ‬ير بالطبع بعينيه الانفجار الكوني‮ ولكن ‬يمكنه بأدوات العلم أن‮ ‬يكتشف حقيقة الحدث وكأنه عاش لحظة وقوعه‮.‬
اتساع الكون‮
‮‬وبعد استقرار الرأي‮ ‬العلمي‮ ‬في‮ ‬موضوع نشأة الكون شغل فكر العلماء سؤال: هل الكون ثابت الأبعاد أم متغير؟ وقد أجريت العديد من القياسات للعديد من الكواكب، والسحب الكونية الغازية وأثبتت جميع القياسات بأجهزة الرصد والقياس الفضائي‮ ‬من خلال أقمار الفضاء الصناعية أن هناك ميلاً كبيراً لهذه الكتلة الكونية نحو الاتساع والتمدد وأن معدل حدوثة يختلف من كتلة لأخرى، ‬وقد أشار القرآن إلى هذه الحقيقة بأسلوب‮ ‬يسير‮ ‬يخاطب الجميع حيث‮ ‬يقول تعالى‮: «‬وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ‮ ‬وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ‮»، (الذاريات‮: ٧٤).‬
سباحة بلا خلل
‮وإذا بحثنا في‮ ‬ثنايا بحور القرآن الكريم نجده قد تحدث عن المسارات وعن هذا التقنين الحركي‮ ‬للأجرام السماوية في‮ قوله تعالى‮: «‬لَا الشَّمْسُ‮ ‬يَنبَغِي‮ ‬لَهَا أَن تُدْرِكَ‮ ‬الْقَمَرَ‮ ‬وَلَا اللَّيْلُ‮ ‬سَابِقُ‮ ‬النَّهَارِ‮ ‬وَكُلٌّ‮ ‬فِي‮ ‬فَلَكٍ‮ ‬يَسْبَحُون‮»، (يس: ٠٤).
‮‬ومن هنا نجد الحق‮ ‬يؤكد عدم إدراك الشمس للقمر وعدم سبق الليل للنهار، أي أن الليل لم‮ ‬يسبق النهار وأن النهار لم‮ ‬يسبق الليل والحدثان المراد الإخبار عنهما معطوفان.
‮‬إذن المراد من ذلك أن الشمس لا تدرك القمر وأن القمر لا‮ ‬يدرك الشمس وأن الليل لم‮ ‬يسبق النهار وأن النهار لم‮ ‬يسبق الليل ولكل مساره الذي‮ ‬يسلكه من دون حدوث خلل بمسار رفيقه الآخر‮. ‬وجانب الإعجاز الآخر في‮ ‬الآية الكريمة هو التعبير عن حركة الأجرام السماوية في‮ ‬أفلاكها بالسباحة في‮ ‬قوله‮: «‬وكل في‮ ‬فلك‮ ‬يسبحون‮» ‬ولأن السباحة تحتاج لبذل مجهود لتمكن السباح من الطفو فوق الماء في‮ ‬حالة اتزان مع القوى المحيطة به من قوة الأمواج وقوة الجاذبية فإن حركة الجرم السماوي‮ ‬في‮ ‬المنظومة الكونية نجدها شبيهة تماما بالسباحة فلابد للجرم السماوي‮ لكي يبقى في ‬مساره من بذل جهد ضد القوى الجاذبة له من الأجرام الأخرى.
النشأة المتعاقبة
‮‬لم تتكون أجرام المنظومة الكونية بعد الانفجار مرة واحدة، بل حدث هذا التكوين على مراحل‮ ‬وكما أثبتت الدراسات والأبحاث العلمية فإن الانفجار العظيم أدى إلى تكون المجرات ثم تلا ذلك انفجار جزئي‮ ‬للمجرات فتكونت الشموس ثم انفصلت الكواكب عن الشموس وانفصلت الأقمار عن الكواكب، فهناك ترتيب زمني‮ ‬لأحداث التكوين الكوني‮ ‬يثبت الدقة المتناهية لهذا التكوين وعدم‮ خضوعه للأحداث العشوائية.
‮وقد أشار القرآن الكريم إلى هذه النشأة المتعاقبة في‮ ‬سورة الشمس في‮ ‬قوله‮: «‬والشمس وضحاها والقمر إذا تلاها‮». (١-٢) ‬فالآية تخبر أن القمر قد تلا الشمس أي‮ ‬جاء بعدها وهذا‮ ‬يتوافق مع ما‮ ‬‮ ‬أثبتته الدراسات من انفصال الأرض من الشمس ثم انفصال القمر من الأرض.
وليس كل ما نراه هو الموجود فقط ولكن ما نراه هو مقياس لقدرتنا البصرية ولذلك فما لا نستطيع رؤيته هو دليل قصور قدرتنا‮، ولكي‮ ‬نرى الموجودات الكونية فلابد أن تكون موجودة في‮ ‬إطار مكاني‮ ‬يسمح لنا برؤيتها أي‮ ‬وجودها على مسافة مناسبة وأن‮ ‬يكون لها حجم مناسب لرؤيتها فلا‮ ‬‮ ‬يمكننا رؤية الإلكترون أو البروتون في‮ ‬الذرة‮..‬ ‮ ‬ومع تقدم العلم استطعنا التغلب على تلك المشاكل.
تمهيد الأرض
‮والمقصود بالتمهيد هو إعداد الشيء ليكون صالحاً للاستخدام من خلال العديد من العمليات الأولية والثانوية، والتعبير عن الشيء (بالمهاد‮) ‬يعني‮ ‬صلاحيته التامة للاستخدام ‬وقد احتاجت الأرض للوصول إلى مرحلة‮ ‬المهاد إلى سلسلة من الأحداث الجيولوجية التي اقتضت برود الأرض أولا ثم استقرار درجة حرارتها واتخاذها شكلها البيضاوي‮ ‬النهائي‮ ‬وحدوث العديد من التفاعلات الكيماوية لتكوين صخور القشرة الأرضية التي تنبت فيها النباتات لتمدها بالعناصر اللازمة لحياتها ونموها فالأرض للنبات مهاد وتلك الحقيقة لخصها القرآن الكريم في‮ ‬‮ ‬لفظ شامل جامع،‮ ‬يقول تعالى: «أَلَمْ‮ ‬نَجْعَلِ‮ ‬الْأَرْضَ‮ ‬مِهَادًا‮»، (‬النبأ: ٦‬).
وتتم حركة الأرض وسائر الكواكب سواء حول نفسها أو حول الأجرام السماوية الأكبر طبقا لقوانين كونية محددة ولا تحدث عشوائيا فالمنظومة الكونية تربط بينها قوى تجاذب وتنافر وتنتشر فيها وبينها العديد من المجالات الكهربية والمغناطيسية، وقد أشار القرآن الكريم إلى حركة الأرض وعدم ثبتها في‮ ‬أكثر من موضع فيقول سبحانه وتعالى في‮ ‬سورة النمل‮: «‬وترى الجبال تحسبها جامدة وهي‮ ‬تمر مر السحاب‮»‬، وتشير الآية إلى الاعتقاد الخاطئ بثبات الجبال وتؤكد أنها متحركة وتشبه حركتها حركة السحاب، وهو ربط دقيق المعنى حيث‮ ‬يكون المراد ليس حركة الجبال لذاتها ولكن حركة المحدث لحركة الجبال‮ (وهي‮ ‬الأرض‮)‬، فكما أن الهواء يحرك السحاب فإن الأرض تحرك الجبال وتحملها‮.‬
«أولم يرَ الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقاً ففتقناهما»(الأنبياء: ٣٠)

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"