عادي

الاستثمار في المواهب

00:59 صباحا
قراءة 5 دقائق
1

استطلاع: نجاة الفارس 

هل للثقافة مردود اقتصادي وكيف يتم ذلك؟ يؤكد عدد من الكتاب والنقاد أن الثقافة والأدب حليتان تزينان الجوهر والمظهر، لكنهما في هذا العصر تحديداً لا يطعمان خبزاً، وهذه هي حال الأدب في عصور الضعف والتخلف.

ويوضحون في استطلاع ل«الخليج»، من أجل تحقيق الاستثمار في الثقافة ينبغي قراءة الواقع، وتقديم نتاج حقيقي يبحث عنه الناس بشدّة، مع عدم التركيز على نوع محدد كما هو سائد في العصر الحالي، كما ينبغي على الأدباء والكتاب إنشاء تكتلات اقتصادية خاصة بهم تتولى إدارة أعمالهم، وبينوا أن الإمارات تعتبر نموذجاً يقتدى به ودليلاً حياً على الدور الاقتصادي المهم الذي تلعبه الثقافة.

ازدهار

يقول الشاعر ناصر البكر الزعابي: لا شك في أن قطاع الثقافة كسائر القطاعات يمتلك جميع المقومات الاقتصادية التي قد تسهم في تحقيق الريادة، خاصة إذا تمّ اتباع الأسس السليمة في سبيل تحقيق هذا الهدف، ولعل صناعة النشر التي ازدهرت كثيراً في السنوات الخمسين الأخيرة عالمياً، قد كانت أحد أبرز المكوّنات المهمة، فقد شكلت هذه الصناعة المتطورة عبر الزمن مرتعاً خصباً لحراك اقتصادي متواصل بشكلٍ يومي عبر عمل المكتبات ودور النشر ومعارض الكتب المختلفة على مدار العام في شتى أصقاع العالم، كما تعدّ الورش التدريبية التثقيفية الحقيقية مكوّناً آخر يدعم هذا الهدف، والذي أصبح ضرورياً خاصة مع اختلاف العصر والتحوّلات العالمية الكبيرة والطفرة التكنولوجية في العقد الأخير بالذات، وهذا ما يقودنا إلى مفهوم ( الاستثمار الثقافي) الذي ما زال في مراحل النمو والبدايات، فعملية الاستثمار الثقافي مبنية على خطة عمل شاملة، تستطيع أن تحوّل المواهب الصاعدة إلى نجوم لامعة في فضاءات الأدب شرط أن تكون ذات قدرات عالية ومتطوّرة وألا تكون تجارب مقتبسة ومستهلكة، وقد بدأ صناع النشر في التركيز على هذه النقطة في السنوات الأخيرة عبر تقديم نجوم صاعدة، ساهمت في دعم الفكرة الأساسية ولعل المردود الربحي دليل قاطع على أن الرهان على المواهب الحقيقية سيؤتي ثماره في المستقبل القريب، وطالما توفر رأس المال الثقافي ووضعت الخطط المدروسة بعناية وتمت الاستعانة بأصحاب الاختصاص من ذوي الكفاءة والخبرات سيكون الحصاد وفيراً لكنه بحاجة إلى صبر، لأن النتاج الأدبي ليس سلعة تجارية تقليدية، فمخاطبة العقول والقلوب ليست بالأمر الهيّن ونحن في عالمٍ ضاقت به الفجوات حيث أصبحنا نمتلك المعلومة في فترة زمنية قياسية مختلفة عن العقود السابقة.

 لا شك في أن الثقافة ذات قيمة اقتصادية عالية لكن من الظلم مقارنتها بقطاعات اقتصادية أخرى، لكنها بلا شك إحدى أهم الأولويات التي توليها شعوب العالم اهتماماً بالغاً خاصة في عصر المعرفة وزمن التحولات الثقافية العالمية، ومع تطور النظريات الفلسفية من جانب، والنمو الاقتصادي الذي تعيشه دول العالم، فإن فكرة الاستثمار الثقافي تبدو أكثر جدية من أي وقتٍ مضى، ومن أجل تحقيق هذا المردود الذي ربما يحتاج إلى سنوات، ينبغي قراءة الواقع الثقافي أولاً وتقديم نتاج حقيقي يبحث عنه الناس بشدّة وألا يتم التركيز على نوع محدد كما هو سائد في وقتنا الحالي.

تحديد المصطلح

 الدكتور محمد عيسى الحوراني، ناقد وأكاديمي، يقول: لا بد من إزالة اللبس عن مجموعة من المفاهيم والمصطلحات التي تختلط على كثير منا، كالثقافة والأدب والتعليم، ومع أن هناك تداخلاً في حدود هذه المفاهيم إلا أن لكل منها إطاره الخاص، فالثقافة حال شاملة ذات اتساع وتشعب، تتماهى مع مقولة ابن خلدون «الأخذ من كل علم بطرف» وهي تصقل شخصية حاملها تماماً كما كانت العرب تثقف رماحها وتصقلها لذا سمي الرمح مثقفاً، وهي بهذا ليست ذات مردود اقتصادي إلا بمقدار ما تسند المتصف بها في بناء شخصيته، أما الأدب فقد يكون شعبة من شعب الثقافة، فهو مجال من مجالاتها، وإن كان يغلب على الأديب أن يكون مثقفاً، والأدب بالتالي حال تجمع بين الفكر والوجدان عبر أنماط شعرية ونثرية تنتظمها لغة جمالية، وقد يكون ذا مردود اقتصادي إذا اتخذ مهنة، أو إذا اشتهر رائده لتحقق كتاباته مبيعات عالية، بيد أن المشهد العربي الراهن يشي بحركة تنافرية بين الأدب والاقتصاد، فلا مردود مادياً لمبيعات الكتب، ولا مكافآت مالية للأدباء، وما من مؤسسات أو وزارات تنفق على الأدب والأدباء.

التنظيم الإداري

 الروائي والكاتب نبيل الحريبي الكثيري، يقول: من الصعب أن تشكل الثقافة مردوداً اقتصادياً على الأديب أو الكاتب إلا في حالة وجود تنظيم إداري يتولى متابعة أعماله مع دور النشر والجهات الإعلامية والمحاكم في حال لزم الأمر برفع قضايا على المقتبسين ممن يتقنون فن النسخ واللزق، وما أكثرهم حيث نجدهم حولنا وفي كل مواقعنا الإلكترونية التي أصبحنا نعتمد عليها في إيصال رسالتنا.

 ويوضح بالنسبة للمردود المالي الكبير من الثقافة فهو يذهب دون أدنى شك لدور النشر ومراكز التوزيع التي تستحوذ مجتمعة على تسعة أعشار لأي مردود مالي من بيع الكتب أو خلافه، لذلك أتمنى على الأدباء والكتاب إنشاء تكتلات اقتصادية خاصة بهم تتولى إدارة أعمالهم حتى لا يسلموا الجمل بما حمل لدور النشر والتوزيع.

نموذج وقدوة

 الدكتور أحمد عبد المنعم عقيلي، ناقد وأكاديمي، يقول: هل يمكن أن تلعب الثقافة دوراً اقتصادياً في حياة الفرد والمجتمع؟ لا شك في أن هذا السؤال مهم جداً ومن الضرورة بمكان مناقشته والوقوف عليه، ولكن علينا أولاً الإشارة إلى دلالة المصطلح وماهيته، يستخدم مصطلح الثقافة للدلالة على النتاج الإبداعي والحضاري للمجتمعات الإنسانية على اختلافها، إضافة إلى أنّه يمثل أسلوب الحياة وطرقها التي تميّز كلّ فئة بشرية عن الأخرى، وهذه الثقافة قابلة للانتقال من جيل إلى آخر، فهي متوارثة ينقلها الأبناء عن الآباء والآباء عن الأجداد، أما أصل الثَّقافة في اللُّغة، فهو مأخوذ من الفعل الثلاثي: ثُقِف بضمِّ القاف وكسرها، وتُطلق في اللُّغة على العديد من المعاني، فهي تعني: الحذق، والفطنة، والذَّكاء، وسرعة التَّعلم، وتسوية الشَّيء، وإقامة اعوجاجه، والتَّأديب، والتَّهذيب، والعلم، والمعارف، والتَّعليم، والفنون، وينطوي مفهوم الثقافة على معنيين: الأول: ذاتي وهو ثقافة العقل، والثاني: موضوعي ويشير إلى مجموعة العادات الاجتماعية والآثار الفكرية بالإضافة إلى المنجزات العلمية والفنية، أي كل ما يتم تداوله بين الناس في حياتهم من معارف يحصلونها من خلال التعلم، والثقافة، وهي أيضاً مظهر مهم ورئيسي من مظاهر التقدم الفكري.

ويتابع: في الحقيقة لا توجد دراسات وافية تتناول الثقافة والاستثمار فيها، وكيفية الإفادة منها في القطاع الاقتصادي، ولكن يمكن للباحث والمهتم بالشأن الثقافي أن يناقش هذه القضية المهمة ويبدي رأيه فيها وهو ما سأحاول أن أضمنه هذه السطور في قراءة عجلى تلخص علاقة الثقافة والاستثمار الثقافي بمعالم التنمية الاقتصادية والأثر الذي يترتب على هذه العلاقة، لا شك في أن الثقافة تلعب دوراً مهماً في الحياة الاقتصادية خصوصاً في عصرنا الراهن، وذلك من خلال إحياء مهن ثقافية تراثية تستقطب السياحة الوافدة، ولعلنا نذكر في هذا المقام نماذج مختارة من أرض الثقافة والخير، من الإمارات، حيث المهرجانات الشعرية والمسرحية والأيام التراثية، وفعاليات القرية العالمية، ومهرجان دبي السينمائي، ومهرجان الظفرة، وغيرها الكثير من الفعاليات، وهو ما يحقق هدفين اثنين، الأول فكري ثقافي حضاري، والثاني اقتصادي، لأن مجمل هذه الفعاليات إضافة إلى أهميتها الثقافية يتيح مردوداً اقتصادياً من خلال خلق فرص عمل لشريحة كبيرة من الناس من جهة، وإحياء المهن والحرف التقليدية، وجذب الاستثمارات ورؤوس الأموال من جهة أخرى، أضف إلى ذلك الاستثمار الثقافي في مجال الكتب والنشر الورقي والإلكتروني، وإنتاج الأفلام والتسجيلات الموسيقية وتطوير البرمجيات، ولا يخفى على أحد ما لذلك كله من مردود مادي قادر على دعم الجانب الاقتصادي وتطويره، وتحقيق التنمية المستدامة فكرياً وثقافياً واقتصادياً.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"