عادي

موسكو وأنقرة.. استراتيجية «ترطيب الأجواء»

23:22 مساء
قراءة 4 دقائق
1

كتب- المحررالسياسي:

عند الحديث عن حوار استراتيجي تركي- روسي حول التعاون في سوريا، وليبيا، يتبادر إلى الأذهان غياب الدور العربي في حل مشاكل مفصلية يتوقف مصير شعوب المنطقة على الطريقة والنتائج التي تتمخض عنها الحلول، والتي على ما يبدو لن تكون سوى في مصلحة المتحاورين الذين بات القرار بيدهم على الأرض.

من الواضح من خلال متابعة تطورات الوضع العسكري ونتائج الحروب المفتوحة في هذين البلدين العربيين، أن من يرسم الخطط وينفذها لا بد أن يملك القوة على الأرض كي يكون قادراً على لجم عشرات الميليشيات التي تحارب هنا، وهناك، بأجندات لا يخدم الكثير منها سوى أعداء الأمة.

 فقد تناقلت وسائل الإعلام خبر لقاء وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، مع نظيره التركي مولود جاويش أوغلو، مؤخراً، في سوتشي في جولة محادثات جديدة ركزت على الوضع في سوريا، وليبيا، وملفات التعاون الثنائي بين البلدين. وقد اختتمت المباحثات في سوتشي بتوقيع اتفاق اللجنة المشتركة الاستراتيجية المعنية بتطوير العلاقات بين روسيا، وتركيا.

 وأشار مراقبون إلى أن المحادثات هي تمهيد للقمة الاستراتيجية التي ستجمع قادة البلدين في تركيا لاحقاً.

 وتتزامن المباحثات مع التوتر الذي تشهده مناطق عدة في شمال سوريا بين قوات سوريا الديمقراطية، وفصائل موالية لتركيا، وهو التوتر الذي أعلنت موسكو في أعقابه عن تعزيز وحدات الشرطة العسكرية التابعة لها.

 «تبويس لحى»

 وكان واضحاً من خلال المؤتمر الصحفي المشترك أن دبلوماسية «تبويس اللحى» هي السائدة حرصاً على تعزيز التعاون لضمان مصالح البلدين، حيث أشار لافروف وأوغلو إلى أن موسكو، وأنقرة «ترتبطان بعلاقات استراتيجية»، وتعملان على تنسيق المواقف، وتعزيز العمل المشترك. وقد أعرب لافروف عن ارتياحه للمستوى الذي وصلت إليه العلاقات الثنائية، قائلاً إن موسكو وأنقرة تتعاونان في معالجة كل الملفات.

 وعن الوضع في سوريا، شدد الوزير على التزام الطرفين بدفع العمل في إطار منصة آستانة التي وصفها بأنها الآلية الوحيدة الفعالة لتعزيز الوضع على الأرض. وقال إنه بحث مع نظيره التركي آليات مواصلة تنفيذ اتفاقات الرئيس بوتين والرئيس أردوغان حول الوضع في إدلب، مع التركيز على دعم المسار السياسي، وآليات دفع العملية لتسوية الوضع في سوريا، واهتمام الطرفين بدفع عمل اللجنة الدستورية في الجولة الخامسة للمفاوضات التي سوف تعقد قريباً.

 وتشير كل الوقائع إلى أن التنسيق بين موسكو وأنقرة فرضته عوامل عدة، لعل أبرزها خلو الساحة من القوى العالمية، خاصة الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي التي كانت تتولى حل العديد من النزاعات على المسرح العالمي. وتعمل كل من موسكو وأنقرة على دفع التنسيق في كل الملفات الإقليمية المتعلقة بالوضع في شرق المتوسط وشمال إفريقيا، خصوصاً في ليبيا، حيث تولي موسكو أهمية خاصة للحفاظ على وقف النار، وإطلاق العملية السياسية، مع الأخذ في الاعتبار مصالح وتمثيل المناطق الليبية الثلاث.

 ولا شك في أن اللقاء تناول بؤراً ساخنة أخرى منها منطقة القوقاز حيث تحرص موسكو على سد منافذ دخول المتشددين إلى تلك المنطقة.

 من جانبها، تحرص تركيا على ترطيب الأجواء مع روسيا لاستمرار حصولها على الدعم التقني العسكري بعد صفقة شرائها أنظمة الصواريخ الروسية «إس 400» التي أثارت حفيظة واشنطن، وتسببت بفرضها عقوبات على أنقرة وسط أجواء مشحونة تنذر بمزيد من التصعيد مع الولايات المتحدة الأمريكية.

 نقاط خلافية

 لكن هذا الجو الذي بدا حميمياً لا يخفي وجود بعض نقاط الاختلاف خاصة حول سوريا، حيث تجاهل أوغلو الحديث عن مؤتمر اللاجئين الذي عقد في دمشق مؤخراً، وتطرق إليه لافروف في معرض حديثه عن الحل في سوريا. كما أن أوغلو شدد على أن الوجود التركي في ليبيا مشروع ولا يمكن لأحد أن يطالب أنقرة بالخروج من ليبيا، وهذا موقف يتعارض مع التزامات موسكو المعلنة برفض التدخل الخارجي في الشأن الليبي.

 وإذا كان واقع الحال أجبر كلا الطرفين على السكوت عن بعض أولوياته، أو تأجيلها لجولة قادمة من جولات التفاوض والتنسيق، أو ربما الخلاف، فإن استمرار هذه العلاقة التي تبدو في ظاهرها طيبة بينما تخفي تناقضات استراتيجية ومبدئية لدى كل طرف، سوف يتوقف على مدى استعداد الولايات المتحدة في ظل إدارة بايدن، وربما قدرتها، على لم شمل حلفائها القدامى، ومنهم تركيا، في مواجهة تهديدات متصاعدة تقودها روسيا نفسها، والصين.

 تناقضات تاريخية 

 ومن الواضح أن التدخل الروسي التركي في الصراع الليبي يتقاطع مع السيناريو السوري في أوجه تشابه مثيرة للقلق، ويراهن على ضعف الدور الذي تقوم به قوى عالمية فاعلة منها الولايات المتحدة، وهو ما يؤكده الأداء الهزيل لبعثة الأمم المتحدة التي استقال رئيسها البلغاري، نيكولاي ملادينوف، بعد أسبوع من صدور قرار تعيينه.

 وقد سلط تقرير لصحيفة «لوموند» الفرنسية الضوء على تطورات المشهد الليبي بنهاية عام 2020،حيث يختلط ما هو سياسي مع ما هو عسكري، في ظل هدنة أكثر هشاشة من أي وقت مضى مع تجدد الاتهامات المتبادلة.

 وتوحي استقالة ملادينوف بوجود ضغوط مكثفة تمارسها دولة عضو في الأمم المتحدة تهدف إلى تحييد دور المنظمة في القضية الليبية، بحيث تنفرد كل من روسيا وتركيا في حل الخلافات على الأرض، من خلال فرض حدود الأمر الواقع بين المتحاربين، الأمر الذي بات مرجحاً بعد معركة طرابلس التي زادت التنسيق الروسي التركي. وبمجرد ترسيخ وجودهم العسكري على الأرض بحكم الأمر الواقع من خلال حلفائهم على الأرض، يمكن للروس والأتراك استباق الحل الدبلوماسي على حساب دول الغرب.

 صحيح أن التقارب الاستراتيجي الروسي التركي الذي يبدو في أحسن حال، قد يضمن فرض حلول في سوريا وليبيا، إلا أن تلك الحلول التي تستند إلى خرائط عسكرية غير مستقرة على الأرجح، غير قادرة على الصمود في ظل التناقضات التاريخية التي تحكم العلاقة بين أنقرة وموسكو، والتي يمكن أن تتطور في الاتجاه السلبي عندما تتغير تلك الخرائط.

 يبقى القول أن التقارب الروسي التركي استفاد من غياب دور أوروبي فاعل حتى الآن. وفي حال نجح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في تعزيز تماسك الحلف المعادي لتركيا، فلا شك في أن خلطاً جديداً للأوراق يعيد رسم التحالفات شرق المتوسط، لن يترك لأنقرة حيز مناورة كافياً للعب على أكثر من حبل.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"