عادي
بطلته نالت جائزة «جولدن جلوب» لأفضل ممثلة

«أهتم كثيراً»..قضية إنسانية وشخصيات بلا قلب

23:01 مساء
قراءة 4 دقائق
1

مارلين سلوم

لا بد أن تحار في تصنيف هذا الفيلم. يشدّك ويعجبك لكنه يستفزك ويزعجك. هو كوميديا سوداء لكنها تخبّئ تحت عباءتها صنفين آخرين: «جريمة وأكشن». أعمار مشاهديه محددة بمن هم في سن 18، وما فوق، لكنك تخاف على الشباب حتى البالغين السن القانونية من مشاهدته لما فيه من مشاهد وعلاقات «غير طبيعية»، ولا مقبولة. «أي كير آلوت»، أو «أهتم كثيراً»، فيلم جريء جداً، يخرج عن المألوف بالترويج لمقولة «البقاء للأقوى»، وسيطرة الشر وانتصاره، لولا الطلقة الأخيرة.
ما يقرب من الساعتين تقضيهما وأنت مشدود للأحداث، بل للأفكار «الشيطانية» التي تعلّم المشاهد «فن السرقة» بدم بارد، ودهاء، وبطرق ملتوية و«شرعية» في آن، تحتمي فيها البطلة بالقانون الذي تستغله شر استغلال. هو من أفلام «نتفليكس» الأصلية، حاز على نسبة مشاهدة جيدة، كما نالت بطلته روزاموند بايك جائزة «جولدن جلوب» في دورته الأخيرة لأفضل ممثلة في فيلم كوميدي أو موسيقي، ومن شاهد الفيلم توقع لها الفوز لشدة إتقانها دور «الوصيّة الشرعية على المسنين»، أو كما تعرّف نفسها مارلا جرايسون «اللبؤة العنيدة».
الفيلم يبدأ بمارلا، وينتهي بها. تفتتح الأحداث بصوتها ساردة مبادئها في الحياة ونظريتها التي تختصرها بعبارات تُترجم أفعالاً طوال الفيلم، مثل «لا يوجد في العالم أشخاص صالحون»، «كنت مثلكم أعتقد أن العمل الجيد يؤدي إلى النجاح والسعادة»، «اللعب النظيف كذبة ابتكرها الأغنياء لإبقاء الفقراء فقراء»، «هناك من يستفيدون ومن يُستَغلون، أسود وكباش، فرسان وفرائس». وتؤكد أنها ماهرة تعرف جيداً كيف تصطاد الفريسة، وهي تطلق لقب «الفريسة» على المرضى المسنين الذين توقع بهم كي تتولى رعايتهم بحكم من المحكمة فتصبح الوصيّة عليهم، تودعهم دار الرعاية وتستولي على بيوتهم وممتلكاتهم، فتبيعها تحت شعار «من أجل مصلحة المريض وللاهتمام به كما يجب». طبعاً، تعرف مارلا كل ثغرات القانون، وكيف تستدر عطف القاضي الذي يقف دائماً بجانبها ويعتبرها «وصيّة محترمة ومحترفة وأمينة».
قسوة وبرود
يحاول أحدهم الادعاء على مارلا لأنها أودعت والدته دار المسنين رغماً عنها، وعنه، وباعت بيتها لحسابها الخاص، لكنها بمكرها ودهائها تقنع القاضي بأن تلك السيدة كانت مريضة ووحيدة في منزلها بلا أي رعاية، مضيفة «أنا أعتني بهؤلاء العجزة الذين يحتاجون إلى حماية من كل شيء حتى من أبنائهم». وبالفعل تخرج منتصرة بينما من ادعى عليها يتوعدها بالانتقام.
تتولى مارلا مسؤولية «رعاية» عدد لا بأس به من المسنين، ونكتشف كيف تدير عمليات النصب، أو السرقة تلك، حيث تتفق مع صديقتها الدكتورة أموس (أليسيا ويت)، وهي المعالجة لهؤلاء المرضى، على تقديم تقارير «ملفقة» ومبالغ فيها عن سوء حالتهم الصحية والعقلية، تعرضها في محكمة الأسرة أمام القاضي الذي يكلف مارلا بتولي رعايتهم بحكم المحكمة، فتأخذهم الأخيرة إلى دار للمسنين يديرها أحد المتواطئين معها، والمستفيدين أيضاً من سرقة أموال وبيوت كبار السن. مشهد تلقي مارلا خبر وفاة أحد الذين تتولى مسؤولية حمايتهم معبر جداً، حيث تتعامل مع الأمر بمنتهى القسوة والبرود واللاإنسانية، تحزن لضياع فرصة استغلال الرجل لسنوات أطول، ثم تنتزع صورته من على الجدار، حيث تضع صور كل هؤلاء المسنين، وترميها في سلة المهملات.
ومن سوء حظ مارلا أنها وقعت على «فريسة» كما تسمي المسنين (ضحاياها) اعتقدتها سهلة، وبلا زوج، أو أسرة، أو حتى أقرباء. ورغم أن جينيفر بيترسون بكامل قواها العقلية ونشاطها، تمكنت مارلا من خداع المحكمة والزج بفريستها في دار المسنين والاستيلاء على بيتها ومقتنياتها، وحتى قطع الألماس التي تخبئها في خزانة البنك. عملية بدت سهلة، لكنها فتحت أبواب جهنم على مارلا لارتباطها بخيوط أخرى، وزعيم مافيا روسي.
الكاتب والمخرج جاي بلاكسون يثير قضية إنسانية بشخصيات لاإنسانية، ويقدم نوعاً مختلفاً من السرقة غير المألوفة، لكنه يقدمها بكثير من التشويق يجبرك على المتابعة حتى النهاية، كي تعرف مصير هذه المرأة ومخططاتها الجهنمية. مؤسف أنه يسقط في مطبات اللامنطق أحياناً، ويبالغ في «البطولة الخارقة» للشخصية الرئيسية مارلا جرايسون (روزاموند بايك)، وصديقتها فران (إيزا جونزاليس). والغريب أن بلاكسون يمشي عكس ما درجت عليه السينما حول العالم، إذ يجعل كل أبطاله «شياطين» وفاسدين، يتصارعون ليكون البقاء للأقوى، ولا وجود لأي من الأخيار بجانب أو مقابل هؤلاء الأشرار. أما في الأداء، فيمكن القول إن روزاموند هي عصب الفيلم، متلونة كالحرباء، حتى ملامح وجهها تتبدل في ثوان بين مظهر الطيبة، والشراسة والخبث. تقابلها بنفس التلون والبراعة في الأداء الحركي عبر تغيير ملامح الوجه ونظرة العينين ديان ويست، التي تؤدي دور المرأة المسنة جينيفر بيترسون، وكل مشهد تقدمه بمنتهى الهدوء والثقة بالنفس. بيتر دينكلاج يتألق بدور رومان لونيوف زعيم عصابة روسي، متقلب المزاج، عصبي، قوي وضعيف في آن. كذلك يقدم كريس ميسينا مشهداً رائعاً كمحامي السيدة بيترسون، متحدثاً بسلاسة وحزم، مهدداً مارلا بنعومة وذكاء.
مشهد لا ينسى
«الغاية تبرر الوسيلة» هذا ما يروج له الفيلم بطريقة مباشرة وفجة، وإن كان في الختام يقدم مشهداً لن نذكره كي لا نحرقه، إنما الهدف منه إرضاء الجمهور وخلق نوع من التوازن والعدل. لكن هل تكفي العدالة حين تأتي متأخرة جداً بلحظة خاطفة وبصورة غير قانونية أيضاً؟ بلاكسون يحسم أمره بتقديم صورة ضعيفة عن القضاء والقانون في أمريكا، حيث يبدو القاضي مغفلاً مخدوعاً بامرأة، ولا يتعمق في دراسة قضايا المرضى ولا يستجوبهم بنفسه، أو يشك ولو للحظة بالحقائق التي يقدمها له أي شخص من طرف المسنين. ومن العبارات التي يكررها الكاتب والمخرج على لسان بطلته «استغلال المال كسلاح»، «تحقيق الثراء» بأي ثمن، «كي ينجح الإنسان في هذا البلد يجب أن يكون شجاعاً وغبياً وعديم الرحمة لأن اللعب النظيف لا يوصل إلى شيء». ويجمع ما بين «اللبؤة» الشرسة وزعيم المافيا ليخلقا «وحشاً»، أي شركة وسلسلة خاصة لدور الرعاية بالمسنين حول العالم.
هناك مشاهد في الفيلم مرفوضة أخلاقياً، تصر «نتفليكس» على الترويج لها في كثير من أفلامها، ولذلك تكثر على المنصة أفلام البالغين (18 وما فوق)، مع أنها مقززة وتبدو كمن يريد حشر هذه الأفكار في عقول الناس وتحويلها إلى أمر طبيعي ومنتشر. لذلك نحذر الأهل من عدم الالتزام بالحدود العمرية المسموحة للمشاهدة، بل الأفضل ألا يشاهدها الأبناء إلا من أصبحوا في مراحل «آمنة» وثابتة فكرياً وثقافياً وأخلاقياً وتربوياً.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"