مرور عابر

00:09 صباحا
قراءة دقيقتين

يرى بيرك في فيلم «يحدث الحب» أنه تجاوز صدمة موت زوجته في حادث اصطدام، وهي التي كانت من تقود السيارة، وساعده صديقه بنشر يومياته وخطواته للعلاج في كتاب، ليحصد بعدها شهرة واسعة، فيكون له برنامجه الخاص، يحظى بآلاف المتابعين له والمشاهدين الذين ينتظرونه، ويعتقدون أن في كلامه الكثير من الحكمة تساعدهم في اجتياز محنهم أياً كان نوعها.
يجوب البلاد شرقاً وغرباً شمالاً وجنوباً يساعد من أراد المساعدة، يتحدى المشاركين عبر جلسات ، وذلك بأن يعبروا الشارع أو يكونوا في أعلى البنايات أو يمروا من على ممر تحته جمر، وفي جلسة يتحدثون بما ألم بهم من مشاعر في تلك اللحظة المؤلمة ومشاعرهم الآن ، ويكون قاسياً عليهم ليخرجوا ما في جعبتهم ليتخلصوا منه، فيتلاشى الخوف لديهم ويرحل إلى غير عودة ، في حين إنه لم يكن كذلك ، فقد كان يستخدم الدرج حتى وإن كان يقطن في الدور العالية بدلاً من المصعد، لا يتحدث ولو   إلى نفسه ليستعيد تلك الذكريات المؤلمة ليتخلص منها،
وفي حين غفلة يلتقي ببائعة ورد هي كانت من تنسق الورد في القاعات التي يستخدمها لورشه، وفي ذلك اليوم أراد الخروج قليلاً من زحام العمل، ارتشف معها القهوة، وبعد ذلك العشاء، يسيران طويلاً ليصلا إلى مقبرة في آخر الطريق، ثم يبدأ في التحدث عن كيفية مرور موت زوجته واعتباره من المواقف العابرة ، وهو في حقيقة الأمر لا يكذب إلا على نفسه، فكشفت زيف قوله وذلك لخطأ ارتكبه في تحديد موسم ونوع الورد الذي قال إنه قدمه لها في عزاء زوجته، فكان يوهم نفسه برضى هو لم يحظ به لتنبش ما تراكم عليه وغطي به سنوات لتخفيف الألم، يضمد جراحه بمسكنات.
يرتبك ويصرخ، لأنه لم يكن صادقًا مع نفسه، وما يقوم به هو فقط يحتاج للمصداقية في قوله وحديثه، هي لم تبالغ   في الحديث، ولم تفش سره، ولا تعلم الكثير عنه لتحاسبه عليه، هي فقط نبهته إلى الأسرار المكنونة في داخله، وكأنها رفعت الغطاء عن جرح عميق لم ينظف جيداً.
بكى كثيراً وتألم وفزع في تلك الليلة لكي يعترف لنفسه بأنه كان سبباً في موت زوجته لأنه هو من كان يقود السيارة في وقت الحادث، وبأنه لم يحضر مراسم العزاء لتوديعها، وإلى الآن لم يتجاوز تأنيب الضمير له، ولم يرتح له بالٍ.. حالة الفزع لديه سببها عدم التقبل ورفض الماضي، فكان يلاحقه أينما رحل.
قد نقابل ناساً ونلتقي بغيرهم وهم يمرون مجرد مرور     في حياتنا مرورهم العابر، لكنهم يحملون لنا رسائل مخفية وعلامات مبطنة نستعيد عليها بعض شتاتنا ونرتب على أثرها أفكارنا ومواقفنا العابرة.
من لم يكن قانعاً بما يقوم به، وكان فارغاً يتألم من الداخل لن يستطيع أن يعطي ولو القليل.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"