عادي

الحشود تلهب البحر الأسود

00:01 صباحا
قراءة 4 دقائق
1

كتب: المحرر السياسي

طبول الحرب جاهزة، لكنها لم تقرع بعد في منطقة البحر الأسود؛ حيث تختلط التهديدات المتبادلة بين الروس والغرب بقيادة الولايات المتحدة، مع الحشود العسكرية اللافتة للطرفين وسط مؤشرات متناقضة، منها ما يوحي بالسعي للتهدئة ومنها ما ينذر بحرب وشيكة.

هناك تحركات متسارعة على كل صعيد يصب معظمها في إطار تمتين التحالفات تحسباً لتصعيد قد يفرض نفسه رغماً عن كل الأطراف، خاصة وأن الاشتباكات قائمة أصلاً شرق أوكرانيا بين قوات الحكومة التي يدعمها الغرب، والانفصاليين في إقليم دونباس الذين تدعمهم روسيا.

 فقد أجرى الرئيس الأوكراني فلودومير زيلينسكي نهاية الأسبوع الماضي في باريس محادثات مع نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، بشأن التوتر مع روسيا، في حين دعت موسكو كلاً من باريس وبرلين إلى وضع حد لما سمته استفزازات كييف في شرقي أوكرانيا.

 واستبق الرئيس الأوكراني زيارته للعاصمة الفرنسية بالمطالبة بتسريع ضم بلده إلى حلف شمال الأطلسي «الناتو» والاتحاد الأوروبي في ظل التهديد الروسي، وحث الأوروبيين على ترجمة أقوالهم إلى أفعال.

 في الوقت نفسه أعلنت بريطانيا عن إرسال سفن حربية إلى منطقة البحر الأسود الشهر المقبل، وسط تصاعد الأزمة الأوكرانية. وقالت صحيفة «صاندي تايمز» إن رسو السفن الحربية البريطانية قبالة سواحل أوكرانيا يهدف إلى إظهار التضامن مع كييف وحلفاء الناتو في المنطقة.

 حشود بحرية وبرية

 وكانت روسيا قد أرسلت 15 سفينة حربية خلال الأيام الماضية لتعزيز حشودها في مواجهة التصعيد الغربي. وقالت وزارة الدفاع الروسيّة إن طائرات ومروحيّات حربيّة وأنظمة دفاع جويّ ستشارك في المناورات البحريّة في البحر الأسود. وكان وزير الدفاع الروسي، سيرجي شويغو، قد أكد أن الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي ينقلان قوات إلى حدود الجزء الأوروبي من روسيا، مع التركيز على منطقتي البحر الأسود والبلطيق. وأوضح أن «الناتو» بصدد حشد 40 ألف جندي و15 ألف قطعة من الأسلحة والمعدات العسكرية.

 وتتصاعد المخاوف من اندلاع الحرب في شرقي أوكرانيا؛ بسبب الحشود الكبيرة للقوات الروسية على طول الحدود مع أوكرانيا وفي شبه جزيرة القرم، التي احتلتها روسيا في عام 2014، وتسبب النزاع في مقتل 14 ألف جندي من الطرفين حتى الآن.

 من جهة أخرى أعرب الكرملين عن أمله في أن تسهم المحادثات الثلاثية بين الرئيس الأوكراني والرئيس الفرنسي والمستشارة الألمانية في تطبيع الأوضاع جنوبي شرقي أوكرانيا. وطالب المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف الرئيس ماكرون والمستشارة ميركل باستخدام نفوذهما؛ لإقناع الجانب الأوكراني بالتوقف عن أي خطوات استفزازية.

 وفي سياق متصل، احتجت وزارة الخارجية الأوكرانية على إعلان روسيا إغلاق البحر الأسود أمام السفن الحربية وباقي السفن الأجنبية حتى تشرين الأول/ أكتوبر المقبل؛ وذلك في ظل توتر العلاقات بينهما.

 ويبدو أن الأوضاع في حوض البحر الأسود لا تزال تتجه نحو مزيد من التعقيد، في ظل عدم توصل كييف وموسكو إلى اتفاق يخفض حدة التوتر بين الطرفين، وذلك على الرغم من محاولات الوساطة والتفاوض التي يقودها قادة دول أجنبية.

 وفي سياق الأزمة بين روسيا وأوكرانيا، أعلنت جهات رسمية عن عبور مرتقَب لسفن أمريكية باتجاه البحر الأسود عبر مضيق البوسفور، وذلك وفق معاهدة مونترو، وأن السفن الأمريكية من المقرر أنها ستبقى في البحر الأسود إلى الرابع من مايو/ أيار المقبل، ويعتبر ذلك أكبر وجود أمريكي هناك منذ ثلاث سنوات.

وأفادت جهات رسمية روسية بأن حلف شمال الأطلسي «الناتو» زاد أنشطته العسكرية مؤخراً على حدودها؛ إذ أعلن مسؤولون في الأسطول السادس الشهر الماضي، أن سفناً من مجموعة «آيزنهاور كاريير سترايك» قامت بدورية في البحر الأسود مع طائرات أمريكية وقوات من حلف شمال الأطلسي، كما انضمت إلى الحشود مدمرة وطائرة استطلاع تابعة للبحرية الأمريكية في البحر الأسود في كانون الثاني/ يناير الماضي.

من جانبها عبّرت واشنطن عن تزايد قلقها بشأن الحشد المفاجئ للقوات الروسية على الحدود مع أوكرانيا، ودعا الرئيس الأمريكي جو بايدن نظيره الروسي فلاديمير بوتين إلى خفض التوترات، مشدداً على دعم أمريكا لسيادة أوكرانيا ووحدة أراضيها.

وبحث وزير الخارجية أنطوني بلينكين والأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ، يوم الاثنين، مسألة إنهاء روسيا حشد قواتها على طول الحدود الأوكرانية وشبه جزيرة القرم المحتلة.

 وقال المتحدث باسم البحرية الأمريكية كايل رينز، أن الانتشار في البحر الأسود هو تأكيد لأننا نقف مع حلفاء وشركاء الناتو للمحافظة على بيئة أوروبية آمنة ومزدهرة.

وفي خطوة مفاجئة نحو التهدئة قررت الولايات المتحدة الأمريكية إلغاء عبور السفينتين الحربيتين الأمريكيتين المضايق التركية باتجاه البحر الأسود يوم الخميس الماضي، في رسالة حسن نية قد تجعل الحل الدبلوماسي للأزمة أمراً ممكناً.

 وكان الرئيس جو بايدن قد اتصل بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين قبل ذلك بيومين، واقترح عليه عقد قمة في بلد محايد، ودعاه إلى «تهدئة التوترات». وبعد إلغاء الانتشار الأمريكي في البحر الأسود، فرضت واشنطن جولة جديدة من العقوبات الأمريكية ضد المسؤولين الروس.

 ويتحدث الروس عن احتمال هجوم بأسلحة غير تقليدية؛ حيث نشرت صحيفة «كرسنايا زفيزدا» العسكرية كلاماً لكبار الضباط في هيئة الأركان العامة للجيش الروسي، منهم الميجور جنرال أندريه ستيرلين والعقيد ألكسندر خريابين، يشير إلى أنهم يعدون أي هجوم صاروخي، بغض النظر عن طبيعة الرأس الذي يحمله الصاروخ، على أنه هجوم نووي.

 توجس روسي

 من جانب آخر، يبدو أن الروس باتوا متوجسين من تقلب السياسة التركية، ولعب أنقرة على أكثر من حبل، فقد أثار حديث الأتراك مجدداً عن شق قناة إسطنبول؛ لتخفيف الضغط على معبر البوسفور، إثارة مخاوف الروس؛ حيث اتصل الرئيس بوتين بأردوغان محذراً من أن أي خروج على اتفاقية مونترو لعام 1936، التي تنظم العبور من مضيقي البوسفور والدردنيل، قد يفتح الباب أمام الأمريكيين وغيرهم؛ لحشد المزيد من السفن في منطقة البحر الأسود. يذكر أن الأمريكيين يطالبون بشق هذه القناة منذ عام 2006.

 والخلاصة أن ما جرى من تطورات تجاوز حدود سياسة التهديد بالقوة؛ للحصول على مكاسب دبلوماسية، خاصة وأن الإدارة الأمريكية الجديدة تعمل على استعادة هيبة واشنطن وتعويم مفهوم قيادتها للعالم من جديد. ويبقى احتمال خروج الأمور عن السيطرة قائماً؛ نظراً لتناقض مصالح الأطراف وتعدد اللاعبين.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"