مصير التنقيب عن النفط والغاز في القطب الشمالي

00:18 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. محمد الصياد *

في ضوء الأمر التنفيذي الذي وقّعه الرئيس جو بايدن، الأربعاء 20 يناير 2021؛ أي بعد ساعات من حفل تنصيبه رئيساً للولايات المتحدة خلفاً لسلفه دونالد ترامب، الذي قضى بفرض وقف مؤقت لجميع أنشطة تأجير الأراضي الفيدرالية لأغراض الاستثمار النفطي والغازي في محمية الحياة البرية الوطنية في القطب الشمالي، والذي عزاه إلى أوجه القصور القانونية التي شابت مصادقة سلفه في لحظات ولايته الأخيرة على 9 عقود لتأجير بعض أراضي الجزء الشمالي من محمية السهل الساحلي، كانت قد أبرمتها هيئة ألاسكا للتنمية الصناعية والتصدير، وهي هيئة فيدرالية حكومية، مع شركتين نفطيتين صغيرتين، لمدة 10 سنوات، إضافة إلى عدم كفاية المراجعة لدراسة الآثار البيئية المتصلة بأنشطة التنقيب في المنطقة. في ضوء ذلك يمكن القول إن إدارة بايدن، كما هو واضح، على الأقل من توجهاتها الأولية المعلنة، قد وضعت قضية تحويل قطاع الطاقة  رداً على تحدي تغير المناخ  على رأس جدول أولوياتها على صعيد السياسة الاقتصادية الكلية الداخلية والسياسة الاقتصادية الخارجية.

لكن السؤال: هل قرار تعليق الأنشطة النفطية في المنطقة، يعكس حقيقة الموقف الاستراتيجي الذي لا رجعة عنه، للإدارة الأمريكية الجديدة، من صناعة النفط؟ أم إنه موقف تكتيكي لن يلبث أن يتغير تحت ضغط عدم قدرة الموازنة الأمريكية التي ما فتئت تُثقل كاهل الدين الحكومي بعجوزاتها المتراكمة، على تحمل أثقال جديدة، متمثلة في أهم مصدر من مصادر إيراداتها وهو ضرائب شركات إنتاج النفط والغاز التي تُقتطع  لصالح الموازنة العامة  من أرباح هذه الشركات، مثلما أنه موقف تكتيكي لامتصاص حماس لوبيات المناخ في الداخل؟

قرار فرض حظر على التأجير الفيدرالي للأراضي لأغراض الاستكشاف النفطي والغازي، أثار ردود أفعال غاضبة في ولايات الجنوب والغرب النفطية، منها على سبيل المثال، تهويل أوساط قطاعات الأعمال في ولاية وايومنج بأن القرار سيدمر اقتصاد الولاية ويقوض طريقة حياة قاطنيها.

الأمر يتعلق برؤيتين مختلفتين لمستقبل الاقتصاد الأمريكي في ضوء المآل الذي انتهى إليه نموذج الاقتصاد الأمريكي، باستمرائه في العقدين الأخيرين، الاستدانة لتمويل عملية إعادة إنتاجه اليومية، حتى أضحى الدين العام يتخطى إجمالي الناتج المحلي (بحسب فرع مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي في مدينة سانت لويس بولاية ميسوري، فقد بلغت نسبة الدين العام إلى إجمالي الناتج المحلي في الولايات المتحدة في الربع الثالث من عام 2020، 127.3%). 

فالحزب الجمهوري له مقاربته في حل هذه الأزمة. وهي مقاربة تعتمد على استثمار نظام الامتيازات والهيمنة الذي تتمتع به الولايات المتحدة في العلاقات الدولية لخلق مصدر جديد لمراكمة الثروة، إضافة إلى الاستثمار الخاطف للثروات الطبيعية، ومن ضمنها ثروات القطب الشمالي النفطية، من أجل حل عقدة المأزق التنموي الذي يجتازه النموذج الاقتصادي الأمريكي القائم على القطاعين المصرفي والمالي، بينما تتجه مقاربة الحزب الديمقراطي بقوة، نحو إعادة تثوير الاقتصاد من خلال العودة إلى الأساسيات الاقتصادية؛ أي إلى الاقتصاد الحقيقي، وخصوصاً نحو فتح آفاق واسعة أمام النمو للاقتصاد عبر بوابة مصادر الطاقات المتجددة، من دون التفريط في استثمار ورقة الامتيازات إياها. ولهذا، فإن الولايات الجنوبية، مثل ولاية تكساس النفطية، والولايات الغربية مثل ولاية وايومنج، التي تعتمد، إضافة إلى السياحة، على إنتاج النفط والغاز والفحم، هي ولايات موالية تاريخياً للحزب الجمهوري، وتدعم الهيكل الحالي للاقتصاد، على عكس ولايات الشرق مثل كاليفورنيا التي تدعم السياسات الاقتصادية الجديدة للحزب الديمقراطي، ومنها مشروع الصفقة الخضراء الجديدة.

ولذلك، فإن الاعتقاد السائد، هو أن موضوع إعادة فتح الأراضي البكر، بما فيها المحميات الطبيعية في ألاسكا محل النزاع حالياً، سيتأجل البت فيه إلى حين عودة الجمهوريين إلى السلطة. ولكن هل يستطيع رأس مال الصناعة النفطية عظيم النفوذ، انتظار 4 سنوات؟

* كاتب بحريني

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"