مرئيات الدول الناميـة لإصـلاح النظام الضريبي العالمي

22:56 مساء
قراءة 4 دقائق

د. محمد الصياد *
لدى مجموعة من الدول النامية تحفظات على مقاربة مسار منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD)، التفاوضي الذي أنتج اتفاق الدول السبع الكبرى؛ (الولايات المتحدة الأمريكية، ألمانيا، بريطانيا، فرنسا، كندا، إيطاليا، واليابان)، على فرض ضريبة نسبتها 15% على 100 من كبريات الشركات العالمية. هذه التحفظات لم تأخذ نصيبها من الاهتمام من جانب الدول المتقدمة الأعضاء في (OECD)، كما لم تحظَ بما تستحقه من تغطية في وسائل الإعلام، لاسيما الإعلام الاقتصادي. فلا غرو، والحال هذه، أن يكون لعدة دول نامية كبيرة مسار آخر، هو مسار الأمم المتحدة الذي تشارك في أعماله لتطوير نظام ضريبي دولي، منافس لمسار باريس للدول الغنية الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.
هو مسار فتحته الأمم المتحدة في عام 2017، عبر إنشاء «لجنة الخبراء المعنية بالتعاون الدولي في المسائل الضريبية»؛ (Committee of Experts on International Cooperation in Tax Matters)، والتي شكلت بدورها لجنة فرعية (تحت مظلة الأمم المتحدة بطبيعة الحال)، معنية بالإشكالات الضريبية المتعلقة برقمنة الاقتصاد؛ لمواجهة التحديات الضريبية في الاقتصاد الرقمي. وتُعنى هذه اللجنة الفرعية، بصورة أساسية، بتحديد الصعوبات والفرص التي تهم بشكل خاص مختلف الوكالات المتضررة من البلدان النامية؛ واقتراح التدابير وصياغة الأحكام المتعلقة برقمنة الاقتصاد فيما خص ضرائب الدخل على الشركات. فيما يستهدف مسار الأمم المتحدة من مفاوضات النظام الضريبي العالمي، على وجه التحديد، شركات الخدمات الرقمية؛ وهو مدفوع بالخلاف حول المبالغ الضريبية الصغيرة التي يدفعها عمالقة التكنولوجيا الأمريكيون في العديد من البلدان؛ حيث يحققون فيها أرباحاً ضخمة. 
هذا المسار سيمنح البلدان الحق في فرض ضرائب على عائدات الشركات الرقمية، بناءً على مكان تحقيق إيراداتها، بدلاً من المكان الذي تقيم فيه الشركة فقط. وقد طبقت كل من الأرجنتين والهند وكينيا ونيجيريا ضرائب على الشركات الرقمية مؤخراً، فيما تفكر عدة دول إفريقية أخرى في ذلك. وبحسب «منتدى إدارة الضرائب الإفريقي»؛ (African Tax Administration Forum - ATAF)، فقد تمت الموافقة على اقتراح الأمم المتحدة، الذي أيدته الهند والأرجنتين، بفارق ضئيل من قبل لجنة الضرائب التابعة للأمم المتحدة الشهر الماضي؛ وأيدته دول نامية أخرى؛ مثل: الإكوادور وغانا وليبيريا ونيجيريا وفيتنام وزامبيا. النموذج غير ملزم ولا يمكن تفعيله إلا في الاتفاقات الثنائية إذا وقعت عليه الدول المشاركة؛ لكن التوقيت مزعج بالتأكيد بالنسبة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.
بهذا المعنى، نكون أمام منافسة كامنة، لكنها واقعة وجارية فعلاً، بين الأمم المتحدة ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. هذا ما أقرت به توف ماريا رايدينج، مديرة السياسة والمناصرة في الشبكة الأوروبية للديون والتنمية «European Network on Debt and Development - Eurodad»؛ (شبكة تضم 54 منظمة غير حكومية من 25 دولة أوروبية، تُعنى بالبحث والعمل على القضايا المتعلقة بالديون وتمويل التنمية والحد من الفقر)؛ إذ قالت: إنه في حين تبحث الأمم المتحدة عن كيفية تطوير ضرائب الخدمات الرقمية، فإن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية تحاول التخلص منها لمصلحة نظام يمكن تطبيقه على جميع الصناعات؛ ورأت أن أفقر دول العالم تتعرض مرة أخرى لخطر الخسارة حين سيتم تقاسم «فطيرة» الضرائب العالمية (بحسب ما قررته مقاربة الدول السبع لكبرى)، على الرغم من حقيقة أن الدول النامية الفقيرة بحاجة إلى الدخل الضريبي أكثر من أية دولة أخرى. 
كما أنه لم يؤخذ بمقترحات الدول النامية التي قدمتها من أجل إصلاحات أكثر شمولاً يمكن أن تُبَسِّط النظام أيضاً، وآخرها ما قدمه «منتدى إدارة الضرائب الإفريقي» باسم البلدان الإفريقية، والذي تضمن ما يلي: بما أن المقاربة المقرة لن تقدم الكثير للدول النامية، فقد اقترح المنتدى أن يتم احتساب الربح الذي سيتم إعادة تخصيصه كجزء من إجمالي أرباح الشركات المتعددة الجنسية بدل احتسابه من أرباحها الزائدة فقط. 
وتتمثل الطريقة التي اقترحتها الدول النامية في تطبيق العائد المطلوب على إيرادات المبيعات المحلية بناءً على هامش التشغيل العالمي لكل شركة متعددة الجنسية، مع معدل عائد أعلى على الشركات ذات الهوامش الربحية العالمية الأعلى. وتؤكد الدول النامية بأن إدارة هذه المقاربة ستكون أسهل بكثير من تلك التي اقترحتها (OECD)؛ لذلك يمكن تطبيقها على الشركات متعددة الجنسية التي يزيد حجم مبيعاتها على 250 مليون يورو بدلاً من 750 مليون يورو. 
هذا هو جوهر المقترح الذي قدمته مجموعة G24 (مجموعة تضم أكثر البلدان النامية نفوذاً في البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، ومنها دول مجموعة العشرين مثل الهند والأرجنتين والبرازيل والمكسيك وجنوب إفريقيا، وكذلك مصر ونيجيريا، إضافة إلى عدد من الدول الأخرى) في عام 2019؛ لذا تأمل البلدان النامية في التوصل إلى اتفاق عادل في يوليو/ تموز المقبل في الاجتماع الكامل للإطار الشامل، وتدعيمه باتفاق أخير في اجتماع أكتوبر/ تشرين الأول المقبل لوزراء مالية مجموعة العشرين. علماً بأن تنفيذ أي اتفاق سيتطلب من الدول المشاركة مراجعة قوانينها المحلية والقواعد الدولية؛ إذ تشتمل أجندة أكتوبر على معاهدة متعددة الأطراف لم يتم التوصل إليها من قبل. كما يتطلب التصديق على المعاهدة في معظم البلدان موافقة برلماناتها، وهذا يستغرق وقتاً وتصميماً سياسياً؛ لذا سيكون هذا الأمر على الأرجح مشكلة، خاصة بالنسبة للولايات المتحدة؛ حيث يلزم تصويت الثلثين في مجلس الشيوخ؛ لتمرير المعاهدات الدولية.
* كاتب بحريني

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"