انتظام الإمدادات بين الوقود الأحفوري والطاقات المتجددة

00:22 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. محمد الصياد *
كثيراً ما يردد أرباب صناعة النفط والفحم والغاز، أن وقودهم الأحفوري، أكثر اعتمادية وسلاسة، لجهة الانتظام المستقر لإمداداته. وهم يقصدون بطبيعة الحال عقد مقارنة مع مصادر الطاقة المتجددة، لاسيما الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. وحتى حين راحت أسعار الكهرباء الناتجة عن ضوء الشمس وعن طاقة الرياح، تنخفض باستمرار على مدى السنوات القليلة الماضية، بقي بعض أوساط صناعة الوقود الأحفوري مصراً على أن مشكلة الطاقة الشمسية وطاقة الرياح هي أنها متقطعة وغير قادرة على تلبية احتياجات المجتمعات بصورة فعّالة، كما ذهب إلى ذلك مؤخراً، رون شتاين، على سبيل المثال، في Natural Gas Now (نشرة على الإنترنت يملكها ويديرها لوبي الغاز الطبيعي في الولايات المتحدة).
وقد كان هؤلاء على حق إلى حد ما، فالشمس تشرق لساعات محددة في اليوم، ويمكن أن تكون هناك أيام غائمة؛ وكذلك الحال بالنسبة للرياح التي لا تهب دائماً بسرعات كافية لتشغيل التوربينات. وهم لذلك يصرون على أن ما يحتاج إليه العالم فعلاً، هو الفحم والنفط والغاز الطبيعي.
لكن فجأة، صارت الحجة القائلة بأن الوقود الأحفوري أكثر أماناً واستدامة، لناحية الإمدادات، من مصادر الطاقة المتجددة، عرضة للشك يوم 7 مايو 2021، حين تعرضت أنابيب نقل النفط إلى منطقة الساحل الشرقي للولايات المتحدة، التي تشغلها شركة «كولونيال بايبلان» إلى هجوم إلكتروني، أدى لإغلاق 8850 كيلومتراً من أنابيب الشركة التي تنقل عادة ما يقرب من نصف الغازولين المباع على شركات التوزيع في الساحل الشرقي للولايات المتحدة. وقد أدى ذلك إلى إعلان البيت الأبيض حالة الطوارئ في 17 ولاية أمريكية هي فرجينيا، وماريلاند، وديلاوير، وأركنساس، وفلوريدا، وجورجيا، وكنتاكي، ولويزيانا، وميسيسيبي، ونيوجيرسي، ونيويورك، وكارولينا الشمالية، وبنسلفانيا، وكارولينا الجنوبية، وتينيسي، وتكساس، وألاباما؛ ما اضطر الشركة لنقل الوقود براً بالشاحنات. ويعد هذا الخط من أكبر الخطوط الناقلة للمشتقات النفطية من بنزين السيارات وبنزين الطائرات والديزل، إذ يمد الساحل الشرقي للولايات المتحدة ب 45% من احتياجاته، بواقع 2.5 مليون برميل يومياً.
وبشكل مبدئي، رجح مسؤول أمريكي سابق وثلاثة مصادر، أن يكون المتسللون ينتمون إلى مجموعة إجرامية إلكترونية محترفة تطلق على نفسها اسم «دارك سايد». في حين نقلت وكالة أنباء «رويترز» البريطانية عن أحد الأشخاص ذوي الصلة بالحادث قوله إن المتسللين استولوا على أكثر من 100 جيجا بايت من البيانات.
ثم إن الأيام الغائمة وتقطع هبوب الرياح صارا من الماضي، فالموجة الثالثة من تكنولوجيا البطاريات تتقدم بصورة أسرع من الشكوك التقليدية المثارة حول انتظام إمدادات الطاقة الكهربائية المتولدة من أحد مصادر الطاقات المتجددة. فقد أصبحت سعة تخزين هذه البطاريات كبيرة، وهي في تحسن دائم في تأمين توليد الطاقة وتوصيل الكهرباء، بما في ذلك إلى المنازل باستخدام بطارية منزلية. ثم إن الوقود الأحفوري نفسه ليس بعيداً عن الأخطار التي يمكن أن تهدد انتظام إمداداته بسبب سلاسل التوريد الطويلة وغير الموثوقة دائماً بسبب احتمال تعرضها لحوادث أو هجمات على خطوط الأنابيب ووسائل النقل الأخرى، كما حدث مع جنوح سفينة «إيفر جيفن» في 23 مارس 2021 في قناة السويس، الممر الملاحي العالمي الذي تمر عبره نحو 10% من حركة التجارة العالمية، ويعد شرياناً رئيسياً لحركتها بين الجنوب والشمال؛ وكذلك احتمال تعرض أجهزة ومعدات الحفر للتخريب وللأعطال المفاجئة؛ إضافة إلى النزاعات العمالية والحروب وإجراءات الحظر أو الحصار الاقتصادي وغيرها من الأسباب الموجبة للتحوط.
إلى ذلك، هنالك أيضاً الشكوى الدائمة من جانب أقطاب وأوساط صناعة الوقود الأحفوري، من المعاملة غير العادلة التي تحظى بها مصادر الطاقة المتجددة من لدن الحكومات، من حيث تمتعها بالدعم (Subsidies)، الذي يعطيها ميزة أفضلية على الوقود الأحفوري. وواقعاً، فإن شركات استخراج وإنتاج الوقود الأحفوري، هي ذاتها ظلت لعقود - ومازالت - تحظى بمعاملات تفضيلية متنوعة، بدءاً من منحها امتيازات تخصيص الأراضي العمومية لتمكينها من إنشاء شبكة أنابيبها لنقل منتجاتها من النفط والغاز، وتسخير القوات المسلحة، لاسيما القوات البحرية، لتأمين مسارات ناقلات النفط والغاز، أو استخدام القوة العسكرية لصالح هذه الشركات في «تحييد» المنافسين وإخراجهم من أسواق التصريف.
* كاتب بحريني

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"