عادي

«برلين 2».. من ينفذ القرارات؟

23:26 مساء
قراءة 4 دقائق
1

د. محمد فراج أبو النور *

جاءت الدعوة لمؤتمر «برلين 2» حول ليبيا من جانب ألمانيا والأمم المتحدة، لتمثل محاولة جديدة للتغلب على العقبات التي تعوق تنفيذ خارطة الطريق للمرحلة الانتقالية في البلاد، والمقرر أن تنتهي بإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية (في 24 ديسمبر) وإقامة سلطة دائمة تمثل الشعب الليبي بكل مكوناته.

 تنص «الخارطة» على انسحاب جميع القوات الأجنبية والمرتزقة الأجانب، وحل الميليشيات الإرهابية والمناطقية والقبلية ونزع سلاحها، وتوحيد القوات المسلحة وقوات الأمن ومختلف مؤسسات الدولة باعتبار أن هذه الخطوة ضرورية لخلق مناخ الأمن والاستقرار اللازم لإجراء انتخابات شفافة ونزيهة.

 غير أنه بعد مرور أكثر من سبعة شهور على توقيع «اتفاق جنيف» لوقف إطلاق النار في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وثلاثة أشهر على تشكيل المجلس الرئاسي والحكومة الانتقالية «في 15 مارس/ آذار» وبدء ممارسة مهامها، وبالرغم من صدور قرار مجلس الأمن الدولي «رقم 2570» بالإجماع في إبريل/نيسان الماضي، مؤكداً على بنود خارطة الطريق وضرورة تنفيذها، فإن «الخارطة» لا تزال تتعثر، وترتسم بوضوح متزايد ملامح الانقسام بين الأطراف الليبية حول عدد من أهم بنودها، وخاصة حول ضرورة انسحاب «جميع» القوات الأجنبية والمرتزقة، ورئاسة الهيئات السيادية، وتوحيد القوات المسلحة والشرطة، وصلاحيات هيئات السلطة الحالية، و«القاعدة الدستورية» لإجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية.

 برلين 2.. وضرورته

 وإزاء هذا التعثر وهذه الخلافات الواسعة كان من الضروري أن تتحرك الدول الكبرى لحماية ما تم من إنجازات المرحلة الانتقالية، ولممارسة الضغط على القوى الإقليمية والليبية الفاعلة للالتزام بتنفيذ مقررات ومقتضيات تحقيق التسوية في ليبيا، حسبما ينص عليه اتفاق جنيف وخارطة الطريق وقرار مجلس الأمن (2570)..لذا التمثيل الرفيع في المؤتمر للدول المشاركة (وزراء خارجية أغلب الدول وفي مقدمتهم وزير الخارجية الأمريكي بلينكين، والألماني هايكوماس) الذي عكس مدى اهتمام الدول الكبرى بإعطاء قوة دفع جديدة لعملية التسوية السلمية في ليبيا، التي تتمتع بأهمية استراتيجية كبرى بحكم موقعها بالغ الحساسية وثرواتها الطبيعية الضخمة.

 مخرجات المؤتمر

 أكد البيان الختامي للمؤتمر على مسألتين رئيسيتين هما ضرورة الانسحاب العاجل «لجميع» القوات الأجنبية والمرتزقة من البلاد، وضرورة إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في موعدها «24 ديسمبر».. كما تعهدت الدول المشاركة بضمان سيادة ليبيا واستقلالها وأمن حدودها ومراقبة تسلل المجموعات المسلحة عبر الحدود.. ونص البيان بوضوح على ما يلي: «يجب سحب جميع القوات الأجنبية والمرتزقة من ليبيا دون تأخير، وإصلاح قطاع الأمن، ووضعه تحت إشراف قوي، وسلطة رقابية مدنية.. وضمان التخصيص العادل والشفاف للموارد في جميع أنحاء البلاد».

 كما جاء في البيان: «يجب إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الوطنية في 24 ديسمبر على النحو المتفق عليه في خارطة الطريق التي اعتمدها منتدى الحوار السياسي الليبي في تونس في نوفمبر 2020.. ويجب على الجميع قبول نتائجها».

 كما أكد البيان التزام الدول المشاركة عن التزامها بدعم مجلس النواب ومجلس الرئاسة المؤقت والحكومة الانتقالية، ودعا هذه السلطات لاتخاذ مزيد من الخطوات لإعادة توحيد البلاد.

 عقبات جدية

 بيان مؤتمر برلين 2 واضح وقوي، كما أنه مفصل بما فيه الكفاية، وهو يعكس بدقة المناقشات التي شهدها المؤتمر، كما أصبحت الولايات المتحدة في ظل إدارة بايدن تتبنى نفس المواقف، وهو ما ينعكس بوضوح تصريحات بلينكين ومساعديه ومسؤولين أمريكيين آخرين، وينبئ باستعداد الولايات المتحدة لممارسة ضغوط في اتجاه تنفيذ مخرجات المؤتمر، سواء بمفردها أو بالمشاركة مع دول أخرى، غير أن المهمة تبدو صعبة ومعقدة، وتحتاج إلى ضغوط كبيرة.

 وتتعرض وزيرة الخارجية الليبية نجلاء المنقوش لهجوم عنيف ومستمر من جانب «الإخوان» بسبب تكرار مطالبتها بخروج القوات الأجنبية والمرتزقة من البلاد، بل ويطالبون بطردها من الحكومة.

 ومن ناحية أخرى، لم يتم حتى الآن اتخاذ خطوة واحدة في اتجاه حل الميليشيات الموجودة في الغرب بما فيها «داعش» و«القاعدة» بل يطالب «الإخوان» بحل الجيش الوطني الليبي أولاً، باعتباره «ميليشيا» واشتعل غضبهم حينما تحركت قوات «حفتر» لمواجهة العصابات الإرهابية في جونب وغرب ليبيا مؤخراً.

 ولم يتم اتخاذ خطوة واحدة نحو حل أي ميليشيا في «الغرب» فكيف يمكن توحيد قوات الجيش أو الشرطة في ظل أوضاع كهذه؟

 تعيير قيادات المؤسسات السيادية – وفي مقدمتها المصرف المركزي – معطل هو الآخر.. مما دفع البرلمان لرفض اعتماد الموازنة العامة حتى لا تقع في يد المحافظ. وهو ما ينتقده رئيس الحكومة باستمرار، حتى أمام مؤتمر برلين2، الأمر الذي يؤدي إلى توتر في العلاقة بين البرلمان والحكومة.

 وبدأ «الإخوان» مؤخراً يطالبون بالفصل بين الانتخابات الرئاسية والبرلمانية – بخلاف نص خارطة الطريق – وانتخابات البرلمان أولاً، ليقوم بانتخاب رئيس ذي صلاحيات هامشية في ظل حكم برلماني، والاستفتاء على مشروع دستور «2017» الإخواني، أو اعتماده كما هو لدورة برلمانية واحدة. وهدد أحد قيادييهم (خالد المشري) باللجوء إلى القوة إذا تم انتخاب رئيس وفق «خارطة الطريق»-.. وهو ما يضع خارطة الطريق في مهب الريح إذا لم يتراجع «الإخوان» عن تهديداتهم.

 وإذا لم تمارس الولايات المتحدة والدول الكبرى ضغوطاً شديدة على الأطراف التي تعرقل تنفيذ «خارطة الطريق» فإن العملية السلمية كلها ستكون مهددة بالفشل، بما لذلك من آثار كارثية.

*كاتب مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"