الموظف الحرباء

00:15 صباحا
قراءة دقيقتين

تعد الحرباء من المخلوقات التي تستطيع تغيير لونها لتتماهى مع البيئة المحيطة بها، ويرجع ذلك إلى ما تمر به تلك الحيوانات الزاحفة من شعور بالخوف أو الغضب أو الاسترخاء، أو تبدل درجات حرارة الطقس ما بين حار وبارد. 
وما أشبه بعض موظفي المؤسسات والشركات بذلك المخلوق العجيب، فلا غرابة أن تجد موظفاً يمتلك القدرة على التلوّن وتبديل أنماط سلوكه وشخصيته، حسب الموقف الذي يواجهه، ولا شك في أننا كبشر نحوز جميعاً القدرة على التماهي مع الظروف والمواقف بدرجات متفاوتة. 
لكن الأسوياء من الموظفين يتماشى سلوكهم مع المواقف والتحديات الوظيفية، في حين يعمد البعض الآخر إلى التلاعب بزملائهم وخداعهم بقصد تحقيق مصالحهم الشخصية، والوصول إلى مبتغاهم وغاياتهم الدفينة. 
إن الموظف الحرباء لا يتحرك في الحقيقة إلا بدافع من أنانيته وأهوائه وغاياته المبطنة، لذلك فهو كما يقولون «يسير مع التيار» ويواكب مسار هبوب الرياح، فيتبدل ويتلون حسب الظروف والأحداث ومتطلبات الحالة اللحظية التي تُملي عليه تصرفاته، وآليات تفاعله وتعاطيه مع الآخرين؛ لذلك يشعر الأسوياء بأنه صاحب ألف وجه، لا وجهة معروفة له ولا قيم ولا حتى مبادئ، على الرغم من أنه يدعي نبل الأخلاق ومحبة الغير، والعمل بإخلاص وأمانة، غير أنه في حقيقة أمره خلاف ذلك تماماً. 
وربما يزيد احتمال التلاقي مع أمثال هؤلاء الموظفين كلما ارتقينا في السلم الوظيفي، فلا شك في أن من يعمل بمبدأ «الغاية تبرر الوسيلة»، من المرجح أن يصل إلى منصب عالٍ في كثير من الحالات، بعد أن يخدع من هم أعلى منه مرتبة بتمثيلياته المحبوكة بعناية، فالكذب الذي يتخذه ملح حياته وكل تعاملاته، يصير مع الوقت جزءاً لا يتجزأ من شخصيته، حتى يكاد يصدق نفسه عندما يكذب، ولا يشك للحظة واحدة في أنه عكس ما يدعي ويوهم الآخرين، فيصدقه الكثيرون ويحسنون الظن به، مستغلاً طيبتهم من خلال اللعب على أوتار العاطفة الإنسانية عندهم. 
لكن مهما بلغ هذا الموظف من شأن فسيبقى دائماً وأبداً خطراً يهدد كيان أي شركة أو مؤسسة يعمل فيها؛ لأنه مهما امتلك من خبرات فمآل تلك الخبرات إلى حسابه الخاص ومصلحته الشخصية، حيث لا هم له ولا غاية سوى تحقيق مآربه، وعلى الدنيا السلام. 
لذلك على القادة والإداريين في أي مؤسسة أن يتنبهوا إلى أمثال هؤلاء، ويحاولوا كشف زيفهم والاستغناء عن خدماتهم قبل فوات الأوان؛ لأنهم وباء لا يمتد أثره ليطال آليات العمل فحسب؛ بل يتفشى ليؤذي جميع العاملين من حوله ضمن المؤسسة ذاتها.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"