عادي

«أوميكرون».. متحور ضخّمه الرعب

23:14 مساء
قراءة 4 دقائق

كتب: بنيمين زرزور
لم يكد العالم يتنفس الصعداء بعد اتساع نطاق حملات التطعيم ضد كورونا وتزايد الآمال بالعودة إلى الحياة الطبيعية، حتى ظهرت سلالة جديدة من الفيروس بعد «ألفا» و«دلتا» تحمل اسم «أوميكرون»، لتعيد حسابات العالم إلى المربع الأول، حيث بدا في حالة ارتباك لمعرفة المزيد عنه والبحث عن لقاح لمواجهته.

منذ أن أعلنت سلطات جنوب إفريقيا عن اكتشاف متحور جديد من فيروس كورونا يحتوي على عدد كبير جداً من الطفرات، استنفرت دول العالم لوضع القيود على السفر وفرض التدابير الاحترازية الأخرى.

فقد تراجعت الأسهم في جميع أنحاء العالم، ما ينذر بعودة الانكماش الاقتصادي؛ أهم تبعات الجائحة حتى الآن، وفرض ما يصل إلى 70 دولة بما في ذلك الولايات المتحدة حظر سفر وقيوداً على عدة دول في جنوب إفريقيا.

وعلى الرغم من أنه لا يزال هناك الكثير مما نجهله حول هذا المتحور الذي أطلقت عليه منظمة الصحة العالمية اسم «أوميكرون»، يتابع الخبراء جهودهم لتحديد ماهية هذا الفيروس المرعب، في حين انتشر القلق بين الناس في الكثير من الدول، خاصة التي لا تزال تعاني وفيات كورونا وتغص مشافيها بالمصابين.

أسئلة تنتظر إجابات

وقال مسؤولو الصحة الهولنديون إن أوميكرون كان موجوداً في هولندا قبل أسبوع من وصول رحلتين من جنوب إفريقيا، حيث يعتقد أن الفيروس انتقل من ركاب رحلتين تحملان الفيروس. وقالت شانتال ريوسكين، عالمة الفيروسات في مختبر «آر أي في إم»، إنه يُعتقد أن واحدة على الأقل من الحالات قد تم العثور عليها في هولندا.

والحقيقة أن متحورات كورونا التي اكتشفها الخبراء بعد تفشيه كانت ذات خواص مختلفة نسبياً عن النسخة الأصلية. وهذا يثير عدداً من الأسئلة حول «أوميكرون»، فهل يهدد بالانتشار على نطاق أوسع؟ وهل انتشار عدواه أسرع من سابقاته بحيث يصبح السلالة المهيمنة، كما حصل مع متحور «دلتا؟» وإلى أي مدى ينبغي التشدد في إجراءات الوقاية والقيود الاحترازية المفروضة لحماية الناس.

لقد أثار معدل انتشار «أوميكرون» السريع تحفظات الأطباء والعلماء بعد اكتشافه في جنوب إفريقيا، والذي يبدو أنه يتفوق على متحور «دلتا» في السرعة. أما مسألة تفوّقه في الفتك بالأرواح فلا تزال بحاجة إلى مزيد من البحث والمتابعة. ولعل في هذا ما يهدئ روع المرضى، إلا أن العدد الكبير من طفرات هذا المتحور التي تزيد على 50 طفرة، يثير مخاوف حول مسألة «الإفلات المناعي»، سواء من اللقاحات أو العلاجات مثل الأجسام المضادة وحيدة النسيلة.

وفي الوقت الحالي يشكك الخبراء في قدرة هذا المتحور على الانتشار على نطاق أوسع من سابقيه، لكن هذا يحتاج إلى تأكيد علمي وعملي.

ولا تزال الدراسات تتابع ما إذا كانت الأجسام المضادة التي تُنتجها اللقاحات سيكون لها تأثير ضد «أوميكرون». ويقدر الدكتور أنتوني فوشي المستشار الصحي في الإدارة الأمريكية، أن هذه الدراسات ستستغرق نحو أسبوعين.

ولا شك في أن هناك حقائق أساسية أخرى سيتم الكشف عنها في الأيام والأسابيع القادمة. ويعتقد العديد من باحثي اللقاحات أن احتمالات إصابة أولئك الذين لم يتلقوا اللقاح المعزز، ستكون أعلى من اللذين حصلوا عليه.

إجراءات احترازية

واللافت أن دول العالم التي لا تزال مرارة التجربة عالقة في فمها، سارعت لاتخاذ مزيد من الإجراءات الاحترازية حتى قبل أن يتم تأكيد عدد من الأساسيات المتعلقة بالمتحور الجديد. فمن منظور السياسة تجد الحكومات نفسها بحاجة إلى الاستعداد لسيناريو أسوأ الحالات. وهذا يعني تنبيه الأطباء إلى إمكانية وجود «أوميكرون» لتسهيل عمليات البحث عنه، واتخاذ الاستعدادات في المستشفيات وتوفير سعة إضافية، وإرشاد المواطنين إلى ما يمكنهم فعله لحماية أنفسهم بشكل أفضل.

فقد حث الرئيس جو بايدن جميع الأمريكيين البالغين على الحصول على جرعات معززة، وغيرت المراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والوقاية منها، توصيتها بحيث فرضت الجرعة المعززة على كل من يبلغ من العمر 18 عاماً فما فوق.

وقد لا يجد الناس العاديون صعوبات في التعامل مع المتحور الجديد بعد أن طوروا، بالتجربة، أنماطاً من العلاجات المنزلية في مواجهة كورونا ومتحوّراته السابقة، لكن ذلك لا يعني أن تترك الأمور على عواهنها، ولا بد من الالتزام بقواعد التباعد الاجتماعي والعزل المنزلي وما تقتضيه المواجهة مع هذا الفيروس من إجراءات.

وتواجه حكومات أوروبية ورطة سياسية أشد، خاصة تلك التي كان تعاملها مع كورونا فاشلاً، وربما أسفر عن خسائر انتخابية. وهذا يزيد من احتمالات التوتر على الصعيد العام تحسباً لما قد يحمله الزائر الجديد «أوميكرون» من نذر شؤم سياسي على الأحزاب خاصة التقليدية في دول مثل إيطاليا وفرنسا.

أما فواتير المواجهة التي أرهقت معظم دول العالم حتى الآن، فتمثل تهديداً آخر في ظل انكماش اقتصادات الكثير من الدول حتى الغنية منها، وتعطل سلاسل التوريد والبحث عن مخارج مقبولة من الجمود الذي فرضته عمليات الإغلاق العام والتباعد الاجتماعي.

لا مبرر للذعر

وقد بدأت شركات الطيران وشركات السياحة في اتخاذ التدابير الوقائية التي تضمن على الأقل، استمرار نشاطها لدعم الانتعاش الجزئي الذي تحقق حتى الآن. وفي حال اقتضت الضرورة تشديد قيود السفر مجدداً، حيث فرضت دول منها الاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة، حظراً على دخول مواطني سبع دول إفريقية إلى أراضيها، فيعني ذلك دخول العالم بأسره في دوامة جمود جديد يهدد الانتعاش الاقتصادي ويُنذر بمزيد من المعاناة خاصة للدول الفقيرة.

وعلى الرغم من طمأنة منظمة الصحة العالمية بألا مبرر للذعر، وتأكيد شركات الأدوية إمكانية تطوير لقاحات لمواجهة المتحور الجديد استناداً إلى ما أنجزته في مواجهة سابقاته، فإن ذلك يبقى رهناً بعدد من التطورات على رأسها معرفة طبيعة «أوميكرون»، ومن ثم تطوير اللقاح المناسب له، شريطة توفر التمويل اللازم الذي هو لبّ المشكلة في عالم يعاني التوترات السياسية ويتاجر بأزمات الناس الصحية وغير الصحية لتحقيق مكاسب سياسية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"