المهلّلون و«المفرفشون»

23:59 مساء
قراءة دقيقتين

مـارلين سلـوم

كل شيء إلى انحدار.. قبل سنوات قليلة كان لكل فرد حدود وضوابط تمنعه من التصرف بحرية مطلقة خارج جدران بيته، ورادعه الأول العيب والأخلاق والذوق العام. يخجل من نفسه إذا خرج عن الأدب في لحظة غضب، أو نطق بلفظ جارح، ويخجل إذا عيّب الناس على تصرفاته وهندامه وسلوكاته، ولا علاقة للمستوى الاجتماعي أو الثقافي بالتزام الشخص بالذوق العام، فالحدود كانت معروفة للجميع، والفن كان خير مرآة لها، يلتزم بها ويقدم أفضل صورة عن المجتمع، والبلد الذي يمثله سواء في الداخل، أو الخارج.

كل أفلام زمان وأغاني زمان حملت الأدب والرّقي، وتناولت كل القضايا الاجتماعية والحياتية والإنسانية، من أجملها إلى أكثرها قسوة ومرارة، من دون الحاجة إلى الابتذال والإسفاف وتشويه كل القيم. كل الأغاني الشعبية كانت «خفيفة»، أو بتعبير اليوم «لايت»، لكنها لم تكن «رخيصة»، ولا تنحدر بالذوق العام.

أين هو الذوق العام اليوم، ومن يعرف معناه ويطبّقه؟ كثيرة هي الطفرات التي تطلع كل يوم من تحت عباءة «المهرجانات»، وتتستر خلف مبدأ «الفرفشة»، والحاجة إلى البهجة في الغناء، فتنحرف عن كل ما له علاقة بالذوق، ويمشي خلفها المطبّلون والمهلّلون «والمفرفشون». مرة جديدة نقولها، ليست المشكلة في الأغاني الشعبية والأغاني التي تهز الوسط، وهي فارغة من أي مضمون ذي قيمة، إنما المشكلة الحقيقية في الانحدار بمستوى الأغنية ومن يغنيها إلى الحضيض، وأدنى.

كيف نتقبل «مهرجان شيماء» ومن يغنّيها، بكل مستواه وشكله وملبسه وهو يتصرف في «الكليب» كمن تعاطى كل أنواع المخدرات والكحول؟ كيف نترك الموجة تعلو وتجرف معها الشباب ونحن نهلل ونصفق لها ولمبتدعيها كي نكون «عالموضة»، ولا نزعج أحداً باعتراضنا وبتمسكنا بالرقي والذوق والأخلاق؟

سوسته، ومهرجان شيماء، جرّ خلفه مظهراً آخر لا يختلف عنه تخلفاً وسوقية، حيث قرر شابان لا علاقة لهما بالفن، من قريب أو بعيد، تصوير أغنية ونشرها على مواقع التواصل الاجتماعي لتحقيق نسب مشاهدة عالية، من خلال إثارة الضجة لا من خلال الفن، والهدف طبعاً الكسب المادي.

ما الطريقة الأمثل للفت الأنظار في رأي الشابين؟ وضع سرير في وسط الشارع، بمدينة السنبلاوين، في محافظة الدقهلية بمصر، وعلى بُعد خطوات من الإدارة التعليمية، أحدهما يغني وهو ممدد على السرير الخشبي، والثاني يقوم بمهمة «التصوير والإخراج».

أي فن وغناء هذا؟ كل من يحسب نفسه «مبدعاً ومبتكراً وعبقري زمنه يخرج علينا ببدعة، ولا يخجل من تنفيذها فوراً في أي مكان، وبأي طريقة، «واللي مش عاجبُه يتفلق». كأن الشارع هو الحمام الذي يجرب فيه أي شخص صوته، والوسط الفني صار ساحة لهز الوسط.

[email protected]

 

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتبة وناقدة سينمائية. حاصلة على إجازة في الإعلام من كلية الإعلام والتوثيق في الجامعة اللبنانية. ساهمت في إصدار ملحق "دنيا" لجريدة الاتحاد ومن ثم توليت مسؤولية إصدار ملحق "فضائيات وفنون" لصحيفة الخليج عام 2002 فضلا عن كتابتها النقدية الاجتماعية والثقافية والفنية. وشاركت كعضو لجنة تحكيم في مهرجان العين السينمائي في دورته الأولى عام ٢٠١٩

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"