عادي

عذب الكلام

22:31 مساء
قراءة 3 دقائق

إعداد: فوّاز الشعّار

لُغَتنا العربيّةُ، يُسْرٌ لا عُسْرَ فيها، تتميّز بجمالياتٍ لا حدودَ لها ومُفرداتٍ عذبةٍ تخاطبُ العقل والوجدان، لتمتعَ القارئَ والمستمعَ، تحرّكُ الخيالَ لتحلّق به في سماء الفكر المفتوحة على فضاءاتٍ مرصّعةٍ بدرر الفكر والمعرفة. وإيماناً من «الخليج» بدورِ اللغةِ العربيةِ الرئيسِ في بناءِ ذائقةٍ ثقافيةٍ رفيعةٍ، ننشرُ زاويةً أسبوعيةً جديدة تضيءُ على بعضِ أسرارِ لغةِ الضادِ السّاحرة.

في رحاب أمّ اللّغات

الافْتِنانُ: هو الجمعُ بَيْنَ فنَّيْن مُخْتلِفَيْن: «كالغزل، والحماسة» و«المدح، والهجاء» و«التعزية والتهنئة»؛ قال عنترة يُخاطب عبلة:

وَلَقَدْ ذَكَرْتُكِ والرِّماحُ نَواهِلٌ

مِنّي وبِيضُ الهِندِ تَقطُرُ مِن دَمي

فَوَدَدتُ تَقبيلَ السُيوفِ لأَنَّها

لَمَعَت كَبارِقِ ثَغرِكِ المُتَبَسِّمِ

جمعَ بَيْنَ الحماسةِ والغزل.

وقال عبدالله بن طاهر:

أُحِبُّكِ يا ظَلومُ فَأَنتِ عِنْدي

مَكانَ الروحِ مِن جَسَدِ الجَبانِ

وَلَو أَنّي أَقولُ مَكانَ روحي

خَشيتُ عَلَيْكِ بادِرَةَ الطِعانِ

دُررُ النّظم والنّثْر

أَجَبتُ بِلَيلى

قيس بن الملوح (من الطويل)

أَجَبتُ بِلَيلى مَن دَعاني تَجَلُّداً

عَسى أَنَّ كَربي يَنجَلي فَأَعودُ

وَتَرجِعُ لي روحُ الحَياةِ فَإِنَّني

بِنَفسِيَ لَو عايَنتَني لَأَجودُ

سَقى حَيَّ لَيلى حينَ أَمسَت وَأَصبَحَت

مِنَ الأَرضِ مُنهَلُّ الغَمامِ رَعودُ

عَلى كُلِّ حالٍ إِن دَنَتْ أَو تَباعَدَتْ

أَنا كَلِفٌ صَبٌّ بِها وَعَميدُ

فَلا البُعْدُ يُسليني وَلا القُربُ نافِعي

وَلَيلي طَويلٌ وَالسُهادُ شَديدُ

يَقولُ لِيَ الواشونَ إِذ يَرْصُدونَني

وَمِنهُم عَلَينا أَعيُنٌ وَرُصودُ

سَلا كُلُّ صَبٍّ حِبَّهُ وَخَليلَهُ

وَأَنتَ لِلَيلى عاشِقٌ وَوَدودُ

فَدَعْني وَما أَلقاهُ مِن أَلَمِ الهَوى

بِنارٍ لَها بَينَ الضُلوعِ وَقودُ

أُعالِجُ مِن نَفسي بَقايا حُشاشَةٍ

عَلى رِمَّتي وَالرّوحُ فِيَّ تَجودُ

من أسرار العربية

في حِدَّةِ اللِّسَانِ والفَصَاحَةِ: الحَادُّ اللِّسانِ القادِر عَلَى الكَلاَم: ذَرِبُ اللّسانِ. الجَيِّدُ اللِّسانِ: لَسِن‏. الفَصِيحُ، البَيِّنَ اللَّهْجَةِ: حُذَاقِيّ.‏ البليغ مَعَ حِدَّةِ اللِسَانِ: مِسْلاق‏.‏ لا تَعتَرِضُ لِسَانَه عُقْدَة ولا يَتَحَيَّفُ بَيَانَهُ عُجْمَة: مِصْقَعٌ‏. ‏إذا كَانَ لِسَانَ القَوْمِ والمُتَكَلِّمَ عَنْهُمْ: مِدْرَه‏.

‏ في عُيُوبِ اللَسانِ والكَلامِ: الرُّتّةُ: حُبْسَة في اللِسَانِ وعَجَلَة في الكلامِ‏. ‏اللّكْنةُ والحُكلَة: عقْدَةٌ في اللِّسانِ وعُجْمَة في الكَلام‏. ‏الهَتْهَتَةُ والهَثْهَثَةُ: حِكايةُ صَوْتِ العَيِيِّ والألْكَنِ‏.‏ اللُّثْغَةُ: أنْ يُصَيِّرَ الرَّاءَ لاماً، والسِّينَ ثَاءً في كَلامِهِ‏. ‏الْفأْفَأَةُ: التردُّدَ في الفَاءِ‏. ‏التَّمْتَمَةُ: التردُّدَ في التَّاءِ‏. ‏اللَفَفُ: ثِقَلٌ في اللِّسانِ وانعِقاد‏. اللَّجْلَجَةُ: عِيّ وإِدخالُ بَعْضِ الكَلاَم في بَعْض‏.‏ الخَنْخَنَةُ: التَكَلُّمَ مِن لَدُنِ الأنْفِ.المَقْمَقَةُ: التَكَلُّمَ مِن أقْصَى الحَلْقِ‏.‏

هفوةٌ وتصويبٌ

تردُ كثيراً مثلُ هذه العبارة: «لَعِبَ المديرُ دَوراً مهمّاً في تَحسين أداءِ العاملينَ»، وهو أسلوبٌ منقولٌ عن اللّغات الأجنبية؛ والصّوابُ «أدّى المدير دوراً...» أو «أثّر المدير في..»؛ لأنّ اللّعبُ هو اللّهْو، وفي المَعاجم: اللَّعِبُ واللَّعْبُ: ضدُّ الجِدِّ، لَعِبَ يَلْعَبُ لَعِباً ولَعْباً، ولَعَّبَ، وتَلاعَبَ، وتَلَعَّبَ مَرَّة بعد أُخرى؛ قال امرؤُ القيس:

تَلَعَّبَ باعِثٌ بذِمَّةِ خالدٍ

وأَوْدى عِصامٌ في الخُطوبِ الأَوائل

ويقول بعضهم: «لمْ أفعلْ ذلكَ إطْلاقاً»، وهو خطأ، والصّوابُ: «لَمْ أفْعلْ ذلك قطًّ»، لأنّ الإطلاقَ ضدُّ القيد. وأَطْلَقَه إطلاقاً: سَرَّحَهُ. وأنشدَ ثعلب:

أطْلِقْ يديكَ تنفعاكَ يا رجُلْ

بالرَّيْثِ ما أرْوَيْتَها لا بالعَجَلْ

ويقول آخرون «قابَلْتُ فلاناً وَجْهاً لِوَجْهٍ»، وفيها حَشْوٌ، والصّوابُ «قَابلتُ فلاناً» وتعني لَقيتُهُ بوجههِ، وعبارة «وَجْهاً لِوجْه» حشو زائد. ورأيته قَبَلاً وقُبُلاً بالضمّ، أي مُقابَلَةً وعِياناً.

من أمثال العرب

وَعَيْنُ الرِّضا عَنْ كُلِّ عَيْبٍ كَليلَةٌ

ولَكِنَّ عَيْنَ السُخطِ تُبدي المَساوِيا

فَإِن تَدْنُ مِنّي تَدْنُ مِنكَ مَوَدَّتي

وإِنْ تَنْأَ عَنّي تَلْقَني عَنْكَ نائِيا

البَيْتان للشّافعي، يقولُ إنّ الرّأيَ الصّادرَ عنْ حالٍ نفسيّةٍ آنيّةٍ، غيرُ صائبٍ، لأنّه ناتجٌ عنِ انْفعال؛ ففي حالِ الرّضى عنِ الشّخْص، لا نَرى فيه إلّا مَحاسِنهُ، وفي حالِ السُّخْطِ والغَضَبِ منْه، لا نَرى سوى العُيوب، فلنكنْ مُتوازني الأحْكام، تَربُط بَيْننا المَوَدّةُ.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"