مناورات روسية في «المتوسط»

00:38 صباحا
قراءة دقيقتين

يونس السيد

بينما كانت كل الأنظار تتجه نحو أوكرانيا، وفي لحظة حرجة كان العالم يترقب فيها غزواً روسياً لهذا البلد، بعد أن تم تحديد ساعة الصفر، ووضع السيناريوهات المختلفة له، حتى أن البعض تحدث عن نتائجه الأولية، كان وزير الدفاع الروسي في دمشق للإشراف على مناورات بحرية في البحر الأبيض المتوسط، فما علاقة هذه المناورات بما يجري على الجبهة الأوكرانية؟

 من حيث المبدأ، كان يمكن اعتبار هذه المناورات مسألة عادية في إطار المناورات الشاملة التي أعلنت عنها موسكو لسفنها وأساطيلها الحربية في مختلف بحار ومحيطات العالم، لكن القيام بهذه المناورات في البحر المتوسط يقترن بمجموعة من الرسائل أرادت موسكو أن توجهها للغرب وإلى الولايات المتحدة تحديداً. 

الأولى: أن زيارة وزير الدفاع الروسي لدمشق يوم 15 فبراير/ شباط بالتزامن مع انسحاب جزء من القوات الروسية من الحدود الأوكرانية، يفند كل المزاعم التي حددت يوم 15 أو 16 فبراير (شباط) موعداً للاجتياح الروسي لأوكرانيا، إذ لا يعقل أن يكون وزير دفاع دولة متهمة بالتحضير لغزو بلد آخر غائباً عن ساحة المعركة في ليلة بدء عملياته العسكرية. كما أنه يضفي نوعاً من المصداقية على سحب بعض القطاعات الروسية من الحدود الأوكرانية ومن منطقة القرم، مهما اختلفت النوايا في تفسير هذا الانسحاب، ومدى تأثيره في القدرة على شن الحرب إن كان هنالك قرار قد اتخذ بشأنها.

 المسألة الثانية: هي أن روسيا، كما يبدو، لا تريد أن يظهر صراعها مع الغرب كأنه يقتصر فقط على الأزمة الأوكرانية وعدم توسع حلف «الناتو» في أوروبا الشرقية، وإعادة صياغة الأمن الأوروبي، وهي مطالب روسية معلنة، بقدر ما تريد إظهار أن صراعها الحقيقي هو مع الولايات المتحدة بالذات. 

ويمكن وضع المطالبة الروسية لواشنطن في مجلس الأمن قبل ذلك بأيام قليلة بسحب قواتها من سوريا في هذا الإطار. ناهيك عن أن التدريبات الروسية في البحر المتوسط بوجود حاملات طائرات أمريكية وأخرى غربية، واستخدامها الأسلحة الأكثر تطوراً، بما في ذلك الصواريخ فرط صوتية، توجه رسالة أخرى، بأنه فيما لو اندلعت الحرب، فإن الشرق الأوسط لم يعد بمنأى عن هذا الصراع، خصوصاً إذا ما قطعت طرق التجارة وتوقفت إمدادات الغاز الروسي لأوروبا، وبالتالي فإن الصين قد تدخل طرفاً في هذا الصراع لحماية مصالحها، ما يعني أن الصراع سيكون شاملاً وأسوأ بكثير من التقديرات الراهنة. 

 وبعيداً عن تفاصيل السيناريوهات التي لا تزال تطرح بشأن الاجتياح الروسي لأوكرانيا، وما إذا كان هذا الاجتياح سيكون شاملاً أو جزئياً، بات من الواضح أن الروس لديهم شعور بمحاولات لتوريطهم على غرار ما حدث إبان الاجتياح السوفييتي لأفغانستان، لكنهم أيضاً مستعدون للذهاب بعيداً لتحقيق أهدافهم، ليس في أوكرانيا فحسب، وإنما من أجل إعادة صياغة الأمن الأوروبي وعلى قاعدة أنهم جزء لا يتجزأ من هذا الأمن، وهو ما يقتضي تنازلات متبادلة تتيح الخروج من الأزمة الراهنة في نهاية المطاف.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"