العدل في زمن القوة

00:05 صباحا
قراءة دقيقتين

يفتح رأي محكمة العدل الدولية، الذي صدر قبل أيام عن أعلى هيئة قضائية في العالم، بشأن الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، الباب مشرعاً على أسئلة جوهرية، لعل أبرزها ما مصير هذا الاحتلال؟ وما الخطوة أو الخطوات اللاحقة التي يجب اتخاذها للاستفادة من هذا الرأي في المساعدة على إنهاء الاحتلال؟

في البدء، خلصت المحكمة الدولية إلى أن الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية «غير قانوني» ويجب أن ينتهي في «أسرع وقت ممكن»، ووصفت سياسات إسرائيل الاستيطانية واستغلالها للموارد الطبيعية في الأراضي الفلسطينية بأنه انتهاك للقانون الدولي، وخلصت إلى أن إسرائيل تمارس التمييز بصورة منهجية ضد الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، مضيفة أن ممارسات إسرائيل وسياساتها تنتهك حق الفلسطينيين في تقرير المصير.

من دون أدنى شك، إن هذا الرأي الاستشاري وغير الملزم، في حقيقة الأمر، والذي جاء بناء على طلب الجمعية العامة للأمم المتحدة، يمثل خطوة مهمة وتاريخية في سياق الصراع الفلسطيني الإسرائيلي الطويل، لكونه ينهي السردية الإسرائيلية المضللة التي استمرت لعقود والقائمة على أن فلسطين «أرض بلا شعب»، من جهة، ويشكّل، من جهة أخرى، مرجعية دائمة لتثبيت حق الشعب الفلسطيني في أرضه ووطنه وفي تقرير مصيره. بهذا المعنى، جاء الرأي الاستشاري للمحكمة الدولية ليمنح الحق الفلسطيني دفعة كبيرة وقوية في المحافل الدولية، ويوفر الأرضية اللازمة لكيفية تعامل المجتمع الدولي مع هذا الاحتلال.

المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة قال إن أنطونيو غوتيريش سيحيل رأي «العدل الدولية» بشأن الاحتلال الإسرائيلي إلى الجمعية العامة، والأمر متروك لها لتقرر الخطوة أو الخطوات التالية. لكن السؤال: ما الذي يمكن أن يضيفه أي قرار يصدر عن الجمعية العامة، ويرجح أن يكون مطالبة -بإجماع نحو 147 دولة تعترف بالدولة الفلسطينية- بإنهاء الاحتلال وخروج إسرائيل من الأراضي الفلسطينية، وإرساله إلى مجلس الأمن، حيث سيصطدم هناك ب«الفيتو» الأمريكي؟ إذ إن واشنطن قد سبق لها أن استخدمت «الفيتو» في مجلس الأمن ضد الاعتراف بالدولة الفلسطينية، رغم ادعاءاتها تبنّي «حل الدولتين»، بذريعة أن قيام هذه الدولة لا ينبغي أن يتم عبر المحافل الدولية، وإنما فقط عبر المفاوضات بين الضحية والجلاد. وها هي الآن تعارض، مرة أخرى، الرأي الاستشاري ل «العدل الدولية» بذريعة أنه ينبغي عدم إلزام إسرائيل قانوناً بالانسحاب من دون وضع «احتياجاتها الأمنية» في الاعتبار. بهذا المعني أيضاً فإن العدل الذي يقترن بالحق لن يجد سبيله إلى حيز التنفيذ بدون القوة اللازمة، والتي لا تزال مفاتيحها بيد القوى الغاشمة المهيمنة على النظام الدولي حتى الآن. ولكن بغض النظر عن الموقف الأمريكي، والإنكار الإسرائيلي، والتفسير المشوه للتاريخ، الذي أسقطه رأي محكمة العدل الدولية، فإن هذا الرأي الاستشاري وضع الأرضية الصحيحة لتوجيه المجتمع الدولي وكيفية تعامله مع القضية الفلسطينية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2jaw38sb

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"