عادي
سيف بن زايد يشهد المحاضرة الرمضانية الثانية في مجلس محمد بن زايد:

فيديو| أنور قرقاش: الهيمنة الغربية على النظام الدولي في أيامها الأخيرة

19:00 مساء
قراءة 9 دقائق
قرقاش

أبوظبي: سلام أبوشهاب
أكد الدكتور أنور قرقاش، المستشار الدبلوماسي لصاحب السموّ رئيس الدولة، أن مجلس محمد بن زايد، يحمل اسم قائد طموح ورجل وطني حريص على تطورالإمارات ونهضتها، وزعيم مُهتم بفتح مسارات تبادل الرؤى والأفكار والمعرفة في مختلف القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ومجلس محمد بن زايد ورشة عصف ذهني ومنارة للبحث والنقاش في القضايا المعاصرة التي يشهدها العالم، وأحد أهم مكونات نجاح مسيرتنا في دولة الإمارات، القيادة المخلصة والحكيمة والطموحة، وصاحب السموّ الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، امتداد لسيرة والده المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه، وسيرة أسرته الكريمة.
وقال في المحاضرة الرمضانية الثانية في «مجلس محمد بن زايد» في أبوظبي، وشهدها الفريق سموّ الشيخ سيف بن زايد آل نهيان، نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير الداخلية، بعنوان «الأمن والاستقرار في عالمنا المتغير من منظور دولة الإمارات»، إن موضوع الأمن والاستقرار في منطقة مثل منطقتنا يمثل تحدياً رئيسياً يفرض علينا الكثير من المسؤوليات تجاه الوطن، وضمان مسيرته في هذه المرحلة الصعبة، لذلك لا بُدّ من قراءة التحولات والتغيرات في المشهد العالمي قراءة دقيقة، مع الأخذ في الحسبان، أن المصلحة الوطنية هي الأولوية.

  • تحصين الوطن

وأضاف أن سياسة دولة الإمارات، للتعامل مع الفرص والتحديات في العقود المقبلة، تقوم أساساً على البناء الداخلي وتحصين الوطن، بوجود مؤسسة عسكرية كفية ومهنية، وتتمتع بقدرات احترافية، وبناء علاقات وشراكات ذات صدقية، والتركيز على التنمية الاقتصادية، وسياستنا الخارجية ستركز على بناء الجسور وإدارة الخلافات وبناء الشراكات على أساس إمارات مزدهرة في إقليم مستقر.
وأضاف قبل أشهر قليلة احتفلنا باليوم الوطني الخمسين للدولة، والإمارات أثبتت أن الإطار الزمني ليس عاملاً مهماً لتطور الدول وتنميتها، إذ تمكنا خلال هذه المدة من بناء دولة راسخة اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً، ولا شك أن نموذجنا التنموي بات يُحتذى. وسأذكر هنا رقماً واحداً لتبيان قصة النجاح هذه؛ فالإمارات التي كان حجم اقتصادها عام 1975 نحو 15 مليار دولار، وصل اليوم إلى نحو 430 ملياراً، ولعل سر نجاح الإمارات يكمن في قدرتها على قراءة التحديات جيداً، وتحويلها إلى فرص والتعامل معها بواقعية وعقلانية، بعيداً عن الانغلاق والتموضع السلبي.

  • تحديات

وأوضح، أنه مع هذا نواجه في منطقتنا تحديات كثيرة، ولعل الهجمات الإرهابية التي تعرضنا لها في 17 يناير، هذا العام مثال على ذلك، والعبرة أن الوطن يأتي أولاً ومصلحة الإمارات هي فوق أي حساب آخر، وأمن الإمارات خط أحمر، ولا نقبل أي نوع من المرونة، فالأزمات كما أنها مؤشر على القدرات، فهي كذلك مفصلية في قرارنا وتوجهنا، والبوصلة دائماً هي المصلحة الوطنية الصرفة.
وأضاف: كما استطعنا أن نواجه هذه الهجمات الإرهابية بقدارتنا الوطنية، استلزم الأمر مراجعة طبيعة علاقتنا وتحالفاتنا وتحديد صدقية هذه الارتباطات، في ظل حقائق كنا ندركها، وهي أن المنطقة صعبة، وأصبحت أكثر تعقيداً في ظل ظواهر جديدة، مثل انتشار المليشيات، وتحولات في العتاد العسكري، مع تزايد خطر الصواريخ والمسيّرات واستمرار الاحتقان والتصعيد الإقليمي، ومن هنا نعود للثنائية الضرورية للأمن والازدهار نحمي ونبني، وكل ذلك ضمن رؤية لا تتهاون في تقديم المصلحة الوطنية الإماراتية فوق كل حساب.

  • الأمن والاستقرار

وقال: التغيير صفة أساسية في عالمنا، الذي يفرض نفسه على الأمن والاستقرار، ولا تنمية بلا أمن واستقرار، ولا بُدّ لنا في دولة الإمارات من رصد حثيث ودقيق لتحولات الأساسية في النظام الدولي وانعكاساته على النظام الإقليمي، الذي تمثله الدول الخليجية والعربية، ودول الجوار، مثل إيران وتركيا والباكستان والهند. وبات من المتعارف عليه أن النظام الدولي، نظام متعدد القطبية في المرحلة المقبلة، بمعنى أنه نظام لا يتحكم به بلد بعينه، ومن المتوقع أن يستمر هذا التوجه مستقبلاً، بحسب القراءات الكثيرة للنظام السياسي العالمي.

  • 6 ملاحظات

وقال الدكتور قرقاش: هناك 6 ملاحظات رئيسة عن النظام الدولي والتحولات المرتبطة به، الأولى: الأزمة الأوكرانية التي تهدد بالتصعيد الأفقي والعمودي، أزمة رئيسية سيكون لها تداعياتها الخطرة على النظام الدولي، وسيكون عالمنا أكثر اضطراباً وأقل استقراراً، وندعو جميعاً لوقف إطلاق النار والوصول إلى حل سياسي سريع، وهذه الأزمة لن تكون الأخيرة في نظام دولي تعوّد الأزمات، فنحن ما زلنا نتعايش مع أزمة الجائحة الصحية، ومن ثم فإن طبيعة النظام الدولي المأزومة مستمرة معنا، وعليه فإن حسن الإدارة ضروري وتحصين الوطن والمنطقة من الأزمات جزء رئيس من المشهد الحالي والمقبل.
الثانية: التغيير هو القاعدة في النظام الدولي، وهذه التحولات والمتغيرات مترابطة، ونشهدها حالياً في مرحلة المخاض العالمي نحو نظام متعدد الأقطاب، بعيداً من حالة التفرد والزعامة الأحادية، ومن هذه الأمثلة:
ـ الهيمنة الأمريكية على النظام الدولي ظاهرة تاريخية حديثة نسبياً، وهي اليوم تمر في حالة أشبه ما تكون بالاختبار، في ظل بروز قوة أخرى طامحة لمنافسة الزعامة الأمريكية، وهي ليست منافسة سياسة أو عسكرية بل في شق كبير منها اقتصادية وعلمية، فالكثير من الدول تسعى لتغيير لهذا الواقع.
ـ التحولات في الثورة الصناعية، ونشهد الثورة الرقمية المستندة إلى العلوم والتكنولوجيا الرقمية والذكاء الاصطناعي والروبوتات، ومن الطبيعي انعكاس ذلك على طبيعة النظام الدولي.
ـ الصعود الصيني، إذ تمثل الصين اليوم قوة صاعدة وعملاقاً اقتصادياً من الصعب كبح جماحه، ولديها من القدرات والإمكانات ما يؤهلها لأن تكون قطباً عالمياً ومنافساً لمبدأ الهيمنة الأمريكية، وبرغم أن التوجه السياسي الصيني في النظام الدولي ليس واضحاً تماماً، فإن الثقل الاقتصادي والعلمي يشير إلى الدور الصيني المتنامي في العالم.
الثالثة: النظام الدولي مجموعة متوازية ومتشابكة من العلاقات والارتباطات، ونعود إلى الوراء لنرى أن بناء نظام ما بعد الحرب العالمية الثانية ارتبط ببناء نظام اقتصادي مالي عُرف باتفاقية «بريتون وودز» عام 1944، وأفرزت في هذا الجانب هيمنة الدولار. كما نرى أن ثورة النفط في منتصف السبعينات أدت دوراً في تحول النظام الدولي، وصعود نمور آسيا، أدّى دوراً محورياً في تغيير التوازن الاقتصادي الدولي، والجائحة الصحية الحالية «كورونا»، سيكون لها تأثير في التحولات، ومن ثم يجب ألا تقتصر الرؤية على البعد السياسي للنظام الدولي.
الرابعة: من الواضح أن النظام الدولي أصبح أقل غربياً مما كان عليه في العقود الماضية، وأن الهيمنة الغربية على النظام الدولي في أيامها الأخيرة، وإذا عدنا إلى الفواصل التاريخية في صياغة النظام الدولي، فسنجد أنها تعكس خططاً غربية أعادت صياغة النظام الدولي، والنظام الدولي خلال القرنين الماضيين كان نظاماً غربياً صرفاً، أما اليوم فنرى أن عالمنا أصبح أقل غربياً بفعل كثير من التطورات السياسية والاقتصادية والعلمية من حركات التحرر الوطني إلى نهضة آسيا الاقتصادية إلى ثورة الطاقة، فنحن نشهد نهضة دول كانت ضعيفة أو مستعمرة مثل الصين والهند والآن أصبحت في صلب النظام الدولي، وصياغة النظام الدولي الجديد الذي نعيش فترة مخاضه حالياً.
الخامسة: هناك محاولة من كثير من السياسيين الغربيين لتأطير عالمنا المعاصر أيديولوجياً بأنه ثنائي ومنقسم بين أنظمة ديموقراطية وأخر ى استبدادية، وهذه المقاربة مرفوضة، وتمثل جزءاً من الدعاية الغربية ومحاولة للتمسك بنظام دولي غربي التوجه، ورافض للحقائق المحيطة، فالتنوع الكبير في عالمنا والتجارب التاريخية المتباينة ترفض هذا المنطق فما يصلح لدولة ما ليس بالضرورة أن يصلح لدولة أخرى، فلكل دولة أطرها وثقافتها وإمكانياتها وقدراتها، بحيث تبني نموذجها بناء على واقعها بعيداً من الاستنساخ الذي أثبت أن ضرره أكثر بكثير من نفعه، ولا يخفى أن محاولة فرض هذه الرؤية خلال ما عُرف بالربيع العربي كانت كارثية على العرب وأوطانهم وجاءت التجربة ممزقة للدولة الوطنية أو هزيلة لا يعتدّ بها، وفي هذا التنوع يبرز موضوع الحوكمة الذي يشمل فاعلية المؤسسات والعدالة والاستقرار، وهنا نرى دولة الإمارات وفي إطار تعزيز موقعها الإقليمي والدولي حريصة على الحوكمة، سواء في تعزيز دولة القانون والشفافية والتصدي للفساد وتبنّي قيم التسامح وتعزيزها، وما نراه من ثقة الناس بقيادتهم وحكومتهم ما هو إلّا انعكاس لذلك.
السادسة: تقليدياً كانت محاور النظام الدولي سياسية في الأغلب واقتصادية إلى حد ما، ولكننا نرى اليوم أن الهموم والتحديات غير السياسية تؤدي دوراً رئيسياً في تحديد شكل النظام الدولي، وملف التغيّر المناخي والطاقة المستدامة والصحة العالمية ما هي إلا دليل على ذلك، وفي هذا الجانب نرى أداءً إماراتياً جيداً في هذه الملفات واستعداداً مبكراً وريادة إقليمية، وأشير هنا إلى استعدادنا إلى استضافة مؤتمر المناخ الدولي 2023.

  • تغليب الدبلوماسية

وقال قرقاش: النظام الدولي يضم أنظمة إقليمية تؤدي دورها في بلورة وتحولات النظام الدولي، وواقع الإمارات أنها تعمل وتتحرك ضمن دائرة النظام الإقليمي الشرق أوسطي، وهو من ضمن أكثر الأنظمة الإقليمية اضطراباً، وجميع المؤشرات تشير إلى أن النظام الشرق أوسطي سيستمر في مثل هذا الاضطراب، ومن ثم فإن إدارة مصالحنا الوطنية تتطلب الحكمة وتغليب الدبلوماسية.
وأضاف: هذه الملاحظات تجعل من الضروري والمهم للإمارات كونها دولة متوسطة الحجم وأحد أكبر اقتصادات الشرق الأوسط أن تتابع هذه التغيرات في النظام الدولي، وأن تُكيف سياستها وتتكيف مع التحولات العالمية، والإمارات دولة عربية مسلمة، ذات تقاليد راسخة ولكنها في الوقت نفسه، استفادت استفادة كبيرة من التطورات التي تحققت نتيجة عولمة النظام الدولي، عبر تبنيها نموذجاً يمزج بين الثوابت والقيم، والانفتاح، دون تبنّي نموذج على حساب آخر، ومن الضروري الاستمرار في هذا الاتجاه الذي حقق نجاحاً لافتاً.
وقال: الإمارات عبر الثلاثين سنة الماضية، تمكنت من إرساء المعايير الاقتصادية والتنموية المتقدمة في المنطقة، وكانت من أوائل الدول النفطية التي بدأت عملية تنويع مصادر الدخل والابتعاد عن نموذج الدولة الريعية، وهي مستمرة في ريادتها، وما المشاريع الاستراتيجية النووية والفضائية إلا دليل على ذلك.

  • التحرك الجماعي

وأضاف أن الأمن والاستقرار مرتبط بشكل وثيق بالتغير الحاصل في العالم، ولضمان قوة تأثيرنا وتعظيم استفادتنا من التغيير والتحولات المرافقة له، لا بُدّ لنا من إدراك أهمية التكتل والعمل والتحرك الجماعيين، سواء الكتلة الخليجية أو العربية؛ فالواقع السياسي الدولي يؤكد أن التحرك الجماعي هو الأقدر على التأثير الإيجابي وتقليل الآثار السلبية.

  • الحكمة والعقلانية

وقال: لا بُدّ لنا في ظل التطورات الحاصلة في المنطقة من إدارة الأمور بحكمة وعقلانية مع الدول التي لديها سياسات ووجهات نظر مختلفة، عبر البناء على المشتركات وتقويتها، دون التركيز على نقاط الاختلاف كونها حاجزاً يمنع الحوار والتعاون في النقاط المتفق عليها، فنحن نرى إيران جارة لذلك نسعى إلى بناء أفضل العلاقات معها، كما نرى تركيا شريك في بحثنا المشترك عن الازدهار، ومستمرون في دعم آفاق الاتفاق الإبراهيمي، ولن تكون الإمارات طرفاً أو شريكاً في الإضرار بأي من جيرانها وأخص بالذكر إيران حيث سنلجأ دائماً إلى الدبلوماسية والحوار والتعاون الاقتصادي.
وأضاف: لا بُدّ لنا من ترسيخ مفاهيم تسهم في استقرار النظام الإقليمي وعلى رأسها احترام سيادة الدول والرفض المطلق لاستخدام القوة في العلاقات الإقليمية ورفض دور المليشيات المسلحة خارج إطار الدولة الوطنية والتعاون الإقليمي، لتعزيز الاستقرار والازدهار المشترك وبناء منصات إقليمية لتعزيز الحوار والتعاون الإقليمي الاقتصادي والاستثماري المتعدد الأطراف، بحيث تكون مصلحتنا الوطنية وضمان الأمن والاستقرار في المنطقة هي البوصلة التي تحدد خياراتنا وتوجهاتنا، لنتمكن من الموازنة بين الشرق والغرب وبناء صداقات وشراكات أخرى، بعيداً عن سياسة التموضع والمحاور.
وقال: على صعيد البناء الداخلي، فإن الحفاظ على تنافسيتنا الاقتصادية يبقى خياراً رئيسياً، وضامناً مهماً لمواصلة نموذجنا التنموي.

  • فرص وآفاق

واكد إن التحولات والتغيرات التي يشهدها العالم تحمل فرصاً وآفاقاً أوسع للتطور والتنمية، لذلك فإن المصلحة الوطنية ستبقى هي الموجّه الرئيسي لتعاملنا مع هذا المشهد العالمي، بحيث نعزز مكانة الدولة وثقلها السياسي والاقتصادي في المنطقة والعالم، وأن نكون جزءاً من صناعة الحدث.
وقال في الوقت الذي يشهد فيه العالم تغيرات جوهرية فإن منطقتنا كذلك تشهد تغيرات وتطورات مهمة في مقدمتها السعي نحو تعزيز فرص السلام والاستقرار، وبناء نموذجنا الإقليمي الخاص بنا، ورغم التطورات التكنولوجية الهائلة والراسخة في القرن 21 إلا أنه وللأسف أن العالم والنظام الدولي الحالي ما زال يدار بعقلية القرن التاسع عشر وايديولوجياته وهذا هو ما نراه في العديد من فصول التنافس والصراع.

  • المحاضر في سطور

الدكتور أنور قرقاش، المستشار الدبلوماسي لصاحب السموّ الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة حفظه الله، حاصل على الدكتوراه من «كينغز كوليدج» بجامعة كامبريدج البريطانية، وعلى البكالوريوس والماجستير في العلوم السياسية من جامعة «جورج واشنطن» الأمريكية، والتحق بالحكومة الاتحادية سنة 2006 وزير دولة لشؤون المجلس الوطني الاتحادي. وفي فبراير 2008 عيّن وزير دولة للشؤون الخارجية ووزير دولة لشؤون المجلس الوطني الاتحادي. وشغل منصب رئيس اللجنة الوطنية للانتخابات، وأشرف على الانتخابات في الإمارات في الأعوام 2006 و2011 و 2015، وعمل محاضراً في جامعة الإمارات من 1990 إلى 1995. كما عمل في القطاع الخاص من 1995 إلى 2006.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"