عقوبات على الصين؟

22:07 مساء
قراءة 3 دقائق

د. لويس حبيقة

ما هدف العقوبات؟ معاقبة الأنظمة أم الشعوب؟ يضع الغرب عقوبات قاسية على روسيا لهجومها على أوكرانيا. الوقائع والمشاهد تشير إلى وقوع الكثير من الخراب والضحايا. صور مؤلمة مستمرة والخسائر البشرية الأوكرانية كبيرة. إذا كان هدفها معاقبة الشعب الروسي، فربما نجحت وهنالك وقائع معيشية سلبية واضحة. إذا كانت أهداف العقوبات وقف الحرب الروسية على أوكرانيا، فلا شك أنها فشلت. هنالك أيضاً دول عدة لا تشارك في العقوبات على روسيا منها الصين والهند والبرازيل وإفريقيا الجنوبية وبالتالي فرص النجاح محدودة. من الممكن أن تكون هنالك أهداف أخرى سرية للعقوبات منها تغيير الإدارة أو ضرب الصادرات أو تخفيف القوة الاقتصادية.

العقوبات على روسيا وأن تؤثر فيها، لم تغير بعد مسار الحرب. من الأسباب المعلنة لاستمرار الحرب قوة الدفاع الأوكرانية وحسن التخاطب مع العالم من قبل الإدارة الأوكرانية وخصوصاً الرئيس زيلينسكي الذي يملك قدرات إعلامية كبيرة. من الأسباب الممكنة عدم جهوزية الجيش الروسي كما كان متوقعاً ليس فقط من ناحية التسلح وإنما أيضاً من ناحيتي التموين والتدريب. أما المساعدات العسكرية الغربية، فكانت كبيرة في السلاح والتجهيزات والآليات. أتت بكثرة سرياً وعلناً ولها مفعول كبير.

ما هي تأثيرات العقوبات حتى اليوم في روسيا؟ ارتفع التضخم وأصبحت المعيشة متعثرة أكثر والمواطن العادي يعاني. أما سقوط الروبل فكان مدوياً إلا أن سياسة المصرف المركزي الرافعة للفوائد من 9,5% حتى 20% كان لها أثر واضح في تجنب الانهيار الكبير، واليوم تنخفض الفوائد مجدداً. يتأثر الاقتصاد الروسي أكثر يوماً بعد يوم بسبب العلاقات التجارية المتردية مع أوروبا كما بسبب العقوبات المالية والمصرفية المفروضة من قبل الولايات المتحدة.

نعلم جميعاً أن الوحدة الأوروبية هي الشريك التجاري الأكبر لروسيا أي 36,5% من مجمل الواردات و 37,9% من مجمل الصادرات الروسية في سنة 2020. النجاح في دعم الروبل لا يدل على أن الأمور تسير إيجاباً، إنما هو دليل على رغبة الإدارة الروسية في توظيف الروبل كأداة دعائية للوضع الداخلي العام. الروبل هو واجهة الدولة كما هي حال كل نقد، وبالتالي الحفاظ عليه مهم كوسيلة دعائية فاعلة.

هل استسهل الغرب وضع عقوبات على روسيا؟ هل كان ممكناً وضعها على الصين لو قامت مثلاً بعمل مشابه أي احتلال تايوان الصينية أو دولة آسيوية قريبة؟ لنضع الحقوق والوسائل والظروف والتاريخ جانباً، ولنتصور أن الصين فعلت في تايوان ما فعلته روسيا في أوكرانيا. هل كانت التأثيرات نفسها في الفريقين المتنازعين وفي الاقتصاد العالمي؟ الاقتصادان الروسي والصيني مختلفان، ولا شك أيضاً أن الاقتصادين الأوكراني والتايواني مختلفان أيضاً لكن هل كان الغرب تحرك بنفس السرعة والقساوة في وضع عقوبات شاملة؟ هل كان الاقتصاد العالمي تعثر تضخمياً ومعيشياً كما هي الحال اليوم؟

روسيا مهمة جداً للاقتصاد الغربي أقله صادرات النفط والغاز إلى أوروبا وخاصة إلى ألمانيا. تعوض الولايات المتحدة بعض الغاز لكن هذا مؤقت ولن يكون كافياً. وقف الصادرات الروسية أو تقليصها لن يضر فقط بالطرفين بل بمجموعة شركات أعمال تستفيد من بيع ونقل هذه السلع المهمة. إذاً روسيا مهمة للغرب لكن أهميتها محصورة بالمواد الأولية من طاقة وغذاء. أما الصين الدولة الافتراضية المهاجمة، فاقتصادها 10 مرات أكبر من الاقتصاد الروسي وهي تنتج سلعاً كثيرة متطورة يحتاج إليها كل العالم وليس الغرب فقط.

الاقتصادان مختلفان جداً أي بدائي روسي يرتكز على المواد الأولية وصناعي تكنولوجي متطور خاصة بسلاسل التوريد تتفوق بها الصين. مكانة الصين كبيرة اليوم أيضاً كمستهلك للسلع الغربية وخاصة لسلع الاستهلاك الأوروبية الفاخرة أي الباهظة الثمن. هنالك طبقة سكانية واسعة في الصين لها القدرة على شراء أغلى السلع والتحف والملابس الأوروبية. الصين مهمة جداً للغرب ليس فقط كمصدر أساسي للتكنولوجيا وإنما أكثر فأكثر كمستهلك لأبرز سلع الاستهلاك الأوروبية. مجتمع صيني ميسور يغزو أسواق الاستهلاك العالمية بجرأة ونوعية تشابه إلى حد بعيد التسوق الياباني في عقود القرن الماضي.

من ناحية أخرى، يقدر الاحتياطي النقدي الصيني بـ3 تريليونات دولار أي 6 أضعاف ما تملكه روسيا بالإضافة إلى أن الصين أقرضت وتقرض الولايات المتحدة لتمويل استهلاكها الداخلي. فالصين تملك كميات كبيرة من سندات الخزينة الأمريكية اشترتها ولا تزال لتمويل العجز المالي الأمريكي. أمريكا دولة عظمى تعطي أهمية كبية للاستهلاك ولمستوى المعيشة والحريات الفردية، والصين دولة عظمى تعطي أهمية كبيرة للادخار والنمو والعمل الشاق في سبيل التقدم.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​خبير اقتصادي (لبنان)

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"