عادي

ريم الكمالي.. روائية من «ألف ليلة وليلة»

23:24 مساء
قراءة 4 دقائق
8

علاء الدين محمود

في هذه الزاوية، نحتفي بمجموعة من أبرز مبدعينا الذين قدموا لمسات أدبية جمالية وإمتاعية، أثرت الوجدان، وارتقت بذائقة القراء، منحونا زاداً عبّر عن إنجازات الوطن وتحولات المجتمع وهموم البشر، كانوا ذاكرتنا التي تؤرخ للمكان ومدونتنا التي عبرت بصدق وإخلاص عن آمالنا وأحلامنا، هم قناديلنا التي نسترشد بها في دروب الحياة.

«حياة الروائي ملؤها الإتقان، إتقان يُطوّق النثر ويكحل السطر»، هكذا تحدثت الروائية الإماراتية ريم الكمالي، وهي كلمات تحكي عن مبدعة تنشد جودة العمل السردي، وربما ذلك ما جعل كل مؤلف من رواياتها يخرج بعد جهد عظيم يبذل في مجال البحث والتقصي والعمل على الذات من حيث التثقيف والمعرفة، وربما ذلك يتضح جلياً في أولى تجاربها السردية «سلطنة هرمز»، التي كتبتها في عام 2013، فقد ذكرت أن مشاعرها كانت متضاربة تجاه تلك الرواية بين الخوف والفرح، فقد كانت تخشى ألّا تنال إعجاب القراء، وفي ذات الوقت كانت تتملكها السعادة؛ لأنها أنجزت العمل بعد ثلاثة أعوام من المشقة والتعب، وظلت الكمالي على الدوام تؤكد على أهمية البحث وعلى أهمية وضرورة القراءة الموسوعية للروائي.

علاقة الكمالي بالقراءة وحب الاطلاع في مجال الأدب قديمة تتسم بالشغف، فمنذ وقت باكر من الطفولة والمراحل الدراسية الأولية، كانت تقبل بنهم شديد على قراءة قصص الأطفال، ومن تلك المؤلفات التي كان لها الدور الحاسم في اتجاهها نحو الكتابة هو كتاب «ألف ليلة وليلة» بحكايته العجيبة وعوالمه الغريبة، وكذلك بقية الحكايات العربية الساحرة ذات الألق الخاص، مثل قصص «علاء الدين والمصباح السحري»، و«سندباد»، وغيرها.

تفرد

عندما فارقت مرحلة الطفولة، اتجهت الكمالي نحو الأعمال العالمية، واطلعت على الكثير من الترجمات الأدبية، وتأثرت بصورة خاصة بالأدب الروسي، وهناك الكثير من المؤلفين الذين لفتوا انتباهها مثل: «أنطون تشيخوف»، و«نيكولاي جوجول»، و«وليو تولستوي»، خاصة في رائعته الخالدة «آنا كارينينا»، وكذلك «فيودور دوستويفسكي»، وروايتاه المميزتان «الأبله»، و«الجريمة والعقاب»، إلى جانب العديد من الأعمال السردية العربية لروائيين كبار كانت لهم بصمتهم الكبيرة في عالم السرد، فقد تأثرت بشكل خاص، بالرواية الأولى لنجيب محفوظ، «عبث الأقدار»، ذات المنحى والطابع التاريخي، فذلك العمل سافر بها إلى الحضارة المصرية القديمة؛ حيث كُتب بأسلوب وطريقة سرد بارعة ومتفردة، وأيضاً هناك أعمال الروائي المميز أمين معلوف، والعديد من الكتاب الإنجليز الذين أعجبت بأعمالهم، وكذلك اطلعت الكمالي على عدد من أعمال الكاتبات من النساء اللواتي تركن أثراً في تجربتها الإبداعية، خاصة الكاتبة المغربية فاطمة المرنيسي، والتي تصفها بالمميزة والمؤثرة، وكذلك اهتمت الكمالي بالمؤلفات في مجال المعاجم والقواميس والمراجع، خاصة التي تتحدث عن البلدان والسفن بمختلف اللغات، وذلك قاد إلى صقل وتفرد واختلاف تجربتها السردية.

توظيف

اتجهت الكمالي في مشروعها السردي نحو الرواية التاريخية برؤية مختلفة، فهي لا تعمل على نقل الوقائع كما هي، فتلك وظيفة المؤرخ لا الروائي، لذلك فإن الكمالي ترى أن الرواية التاريخية تفقد الجانب الإبداعي عندما تعتمد كلياً في شخوصها وأحداثها على التاريخ المجرد ولا تترك مساحة للمخيلة، وتتضح تلك الرؤية حول التاريخ والسرد التاريخي لدى الكمالي في أبرز أعمالها الروائية مثل «سلطنة هرمز»، و«تمثال دلما» التي كتبتها في عام 2018، وفي العملين عملت على توظيف الأمكنة التاريخية فقط؛ لكي تعيد بناء عوالمها بقالب روائي، عبر ابتكار أحداث وشخصيات من المخيلة، ففي «تمثال دلما»، سعت إلى التعرف إلى حياة سكان الجزر وشعورهم نحو المكان وظروف المناخ والبيئة الطبيعية من حولهم، ما اضطرها إلى السفر للبحرين وإلى جزيرة دلما في أبوظبي، وعقب معايشتها للواقع قامت بإعادة صياغة روايتها، أما في رواية «سلطنة هرمز»، فقد غاصت عميقاً في التاريخ ووقائعه خلال القرن السادس عشر، أي مرحلة الوجود البرتغالي في منطقة الخليج، فكان لابد للكمالي من البحث العميق من النواحي السياسية والتاريخية والاجتماعية، حيث لجأت إلى بحوث ومراجع مختلفة عربية وأجنبية، وهو جهد شاق، لكن العمل وجد قبولاً كبيراً من قبل النقاد، ونالت عليه جائزة سلطان العويس للإبداع، وجائزة الشارقة رغم أنه الإنتاج الأول للكمالي.

دائماً ما تؤكد الكمالي ولعها الكبير بالتاريخ، فهي تقول عن ذلك الحب والتعلق بالتاريخ: «كان بسبب أبي الذي كان يلقنني منذ طفولتي تاريخ عائلتي ودور أجدادي المعلمين في تبديد الجهل، وشجعني أن أقرأ كتب التاريخ والتراث في مكتبته، ومع المزيد من القراءة المتنوعة أخذت مكتبتي الخاصة تكبر».

يوميات روز

ليس بعيداً عن التاريخ وحكايات الماضي، جاءت رواية الكمالي الأخيرة «حكايات روز»، والتي وصلت إلى القائمة القصيرة لجائزة البوكر العربية، وهي أولى الإشراقات الإماراتية في القائمة القصيرة، بعد أن سبق أن وصلت رواية «غرفة واحدة لا تكفي»، لسلطان العميمي للقائمة الطويلة في عام 2017، وتغوص «حكايات روز» في مجتمع دبي في فترة الستينات من القرن الماضي في منطقة الشندغة، ويتحدث العمل عن وقائع حقيقية للفتاة روزة التي تُحرم من البعثة الدراسية إلى دمشق لدراسة الأدب العربي مع زميلاتها، بسبب وفاة والدتها ورفض عمّها السفر، ولأنها قارئة محترفة ولديها ملكة الكتابة، تصبّ غضبها في يومياتها السرية، وتحوّل كل ما حولها من أحداث تاريخية واجتماعية وتقاليد قديمة إلى حكايات وأفكار وفلسفة وأسئلة، وتلقي بدفاترها بعد امتلائها في مياه الخور قرب المنزل، لتتخلص منها قبل أن يطلع عليها أحد.

تهتم الكاتبة كذلك بالفلسفة، وتؤكد على أهميتها، فقد اطلعت على الفلسفة اليونانية القديمة وكذلك الفلسفة الفرنسية الحديثة، وكذلك المؤلفات العربية في هذا المجال، وبصورة خاصة كتب عبد الرحمن بدوي، وطه حسين، إضافة إلى أهمية علم النفس، باعتبار أن القراءة في تلك المجالات تدخل في العديد من جوانب كتابة الرواية.

 

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"