«التمويل الأخضر» يتوقف لالتقاط أنفاسه

21:16 مساء
قراءة 3 دقائق

جوزيبي نيتي*

شهد عام 2021 نمو التمويل الأخضر في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بوتيرة أسرع من العالم ككل. ففي الأشهر الستة الأولى من العام الماضي، بلغت إصدارات السندات الخضراء والمرتبطة بالاستدامة نحو 6.4 مليار دولار، متجاوزة معدل النمو العالمي، ومسجلة رقماً أعلى بأكثر من الثلث من إجمالي سندات عام 2020. إلا أن سوق الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بدأ يتباطأ بعد مرور عام.

بلغت القيمة الإجمالية للسندات الخضراء في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في النصف الأول من عام 2022 نحو 2.05 مليار دولار، بينما بلغت القروض المرتبطة بالاستدامة نحو 1.25 مليار دولار، وذلك وفقاً لجداول «بلومبيرغ» لأسواق رأس المال، مسجلة بذلك انخفاضاً كبيراً مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي. لا يعني هذا أن عام 2022 لم يشهد معاملات مهمة، إذ شهد القرض المرتبط بالاستدامة لشركة ألمنيوم البحرين، الذي بلغت قيمته 1.247 مليار دولار، مشاركة الدولة المتزايدة في سوق التمويل الأخضر، بينما كانت الشركات الإماراتية اللاعب الأكثر نشاطاً في المنطقة، حيث أصدر بنك أبوظبي الأول ثلاثة إصدارات من السندات الخضراء بقيمة إجمالية بلغت 788 مليون دولار، بينما أصدرت شركة سويحان للطاقة الكهروضوئية إصداراً بقيمة 700.8 مليون دولار.

ومع ذلك، شهدت بداية عام 2022 انخفاضاً في السوق. ويُعزى التراجع في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إلى أسباب خارج المنطقة، بما فيها الأسباب نفسها التي أثرت على الاقتصاد العالمي عام 2022؛ أي التوترات الجيوسياسية، وحالة عدم اليقين الاقتصادي، وارتفاع أسعار الفائدة وأسعار النفط.

يعكس الانخفاض في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا الصورة العالمية للديون الخضراء المرتبطة بالاستدامة في النصف الأول من العام. فعلى المستوى العالمي، كانت القروض المرتبطة بالاستدامة هي الأكثر تضرراً في قطاع التمويل الأخضر في النصف الأول من هذا العام، حيث انخفضت بنسبة 12.5٪ تقريباً. بينما كانت السندات الخضراء أقلَّ تأثراً، إذ تراجعت بنسبة 3.2٪ فقط، وواصلت جذب اهتمام كبير يتمثل في إصدارين آخرين للاتحاد الأوروبي بعد طرحها لأول مرة عام 2021. وفي ما يتعلق بالمستقبل، وبافتراض أن السوق العالمي للديون الخضراء المرتبط بالاستدامة سيتوسع بمعدل الثلث فقط مقارنة بوتيرة السنوات الخمس الماضية، فمن المحتمل أن يتضخم السوق العالمي للديون الخضراء المرتبطة بالاستدامة ليبلغ 15 تريليون دولار بحلول عام 2025، لاسيما مع استمرار العالم في الدفع نحو صافي الانبعاثات الصفرية.

تتمتع منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بإمكانية تقديم مساهمة مهمة، لاسيما تزامناً مع إقامة مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ لعام 2022 في مصر، ثم المؤتمر نفسه لعام 2023 في دولة الإمارات؛ إذ من المرجح أن تحفز اجتماعات المناخ العالمية المقبلة النشاط على المستوى المحلي، لاسيما في الأسواق الراسخة التي حددت أهدافاً طموحة وتستثمر في مشاريع الطاقة النظيفة. أما في المملكة العربية السعودية، على سبيل المثال، فيشاع بأن الحكومة تستعد لإصدار أول سندات خضراء في وقت لاحق من عام 2022.

في هذه الدول، وفي المنطقة بأسرها، ستتركز الأنظار على كيفية مساعدة الشركات والحكومات على بناء مستقبل أكثر استدامة، حيث من المرجح أن يدفعها كل من المستهلكين والمستثمرين للوفاء بالتزاماتها الحالية وتسريع وتيرة التغيير. ومع ذلك، فإننا نعيش مرحلة يسودها عدم اليقين، وإذا ما واصلت أسعار النفط ارتفاعها واستمر التضخم، فقد ينحسر التأثير الإيجابي على التمويل الأخضر، مع احتمال أن تقتصر الإصدارات الجديدة على تلبية متطلبات الإنفاق الرأسمالي وإعادة التمويل.

حتى الآونة الأخيرة، كانت منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تتفوق على العالم، إذ ترسخ سوق التمويل الأخضر فيها ونضج بدعم من الحكومات والشركات والمؤسسات المالية الطموحة. وبفضل انعقاد المؤتمرين المقبلين للأمم المتحدة بشأن تغير المناخ في المنطقة، فإن الفرصة سانحة أمام المنطقة لتعود رائدةً للقطاع من جديد.

* الرئيس الإقليمي لقسم المنتجات المالية في منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا، «بلومبيرغ إل بي»

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"