عادي

ماجد بوشليبي.. شعرية المكان

23:43 مساء
قراءة 4 دقائق
16

يوسف أبولوز

في هذه الزاوية، نحتفي بمجموعة من أبرز مبدعينا الذين قدموا لمسات أدبية جمالية وإمتاعية، أثرت الوجدان، وارتقت بذائقة القراء، منحونا زاداً عبّر عن إنجازات الوطن وتحولات المجتمع وهموم البشر، كانوا ذاكرتنا التي تؤرخ للمكان ومدونتنا التي عبرت بصدق وإخلاص عن آمالنا وأحلامنا، هم قناديلنا التي نسترشد بها في دروب الحياة.

صف لي المكان الذي ولدت فيه، أقلْ لك في ما إذا كان في قلبك بذرة شاعر أو روائي أو فنان، تبادرت إليّ هذه العبارة، وأنا أقرأ وصفاً للمكان الذي وُلِدَ فيه القاصّ والمسرحي د. ماجد عبدالله بوشليبي.. يقول ولدت في العام 1959 في «منطقة الغرب» في الشارقة على بُعْدِ خطوات من مستشفى «سارة هوسمان»، وكان أهل الشارقة في الخمسينات يطلقون عليه «الأمريكانية»، وباختصار، كان مكان ولادة بوشليبي مكان أصوات وألوان وروائح عطرية منتشرة في نسيج رائحة اليود المنبعثة من البحر القريب من سوق العرصة، فأيّ مكان شارقي هذا كله طبيعة سردية، روائية، شعرية ستلتقطها معاً روح الطفل ماجد آنذاك، وتزرع في ذاته شغف القصّ والحكي والمسرح.

مكان بحري

قبل المكان البحري المكثّف في صورة السوق في منطقة الغرب في الشارقة وأثره في تكوين الشخصية الطفولية لماجد بوشليبي يشار إلى أن عائلته أصلاً عائلة مثقفين ومتعلمين. جدّه محمد بن علي بوشليبي «توفي 1856 ميلادية» كان وزيراً للشيخ سلطان بن صقر القاسمي «توفي 1866 ميلادية»، وجدّه لأبيه كان شاعراً مجيداً وكاتباً وقارئاً. عائلة تجارة وأسفار وثقافة أيضاً هي جزء من طبيعة الشارقة المبكرة، أما والده فكان مكنزاً لمعارف البحر، وعمل والده أيضاً ميكانيكياً في مضخّات البترول في الكويت، وستكون الدراسة الابتدائية لماجد في مدرسة قروية هناك، لكنه في الثاني الابتدائي يعود إلى الشارقة، ويتعلم في مدرسة القاسمية، وسيعرف آنذاك في تلك السن الطفولية الأولى الدراسة في كتاتيب تحفيظ القرآن، وكانت تدرّسه مطوّعة امرأة.

من فضاءات منطقة الشويهيين وشجرة الرولة والحصن، إلى الكويت، ثم إلى الشارقة لإتمام دراسته في مدرسة العروبة - إلى جامعة الإمارات حيث يدرس ماجد بوشليبي الاقتصاد ستكون عينه على الكتابة أو على الأدب. بل إذا كان قلب الإنسان دليله، فإن قلب ماجد سيأخذه رويداً رويداً إلى كتابة القصة القصيرة، ومن عناوينه: «الأرملة العذراء»، «الأرملة والمهر»، «حب البندق»، «فاطمة»، لكن كل هذه النصوص القصصية المبكرة بقلم ماجد بوشليبي لم تجمع إلى الآن في مجموعة قصصية واحدة منشورة وموثقة عن دار نشر محلية، وهي مناسبة هنا، لأن تبادر إحدى دور النشر الإماراتية، أو إحدى المؤسسات الثقافية إلى جمع هذه القصص هي وغيرها أيضاً من نصوص تعود إلى بوشليبي أحد الأسماء العملية الحيوية في بنية الثقافة الإماراتية وفي بنية مشروع الشارقة الثقافي الذي شارك فيه كاتباً، وإدارياً، وناشطاً أدبياً وثقافياً حين تولى في العام 1986 موقع مدير عام دائرة الثقافة والإعلام.

الشارقة الثقافي

تأسس ماجد بوشليبي ثقافياً ومعرفياً وإدارياً في مشروع الشارقة الثقافي، إنه يرى أن طبيعة العمل الثقافي تختلف تماماً عن كثير من الوظائف، ويرى أن العامل في المجال الثقافي قد يُستهلك إدارياً، لكن ذلك يمكن التغلّب عليه بالإلهام الذي يستمده المرء من أفكار صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، «ومهما تعددت البرامج والأنشطة إلا أنها تخرج من مشكاة بناء الإنسان»، كما يقول.

تدفع إلى الإعجاب تلك المقولة التي يثق بها بوشليبي.. هو يعتقد بروحيته الثقافية النظيفة «أن المصابيح شتى إلا أن الضوء واحد..»، وفي هذا الإطار الثقافي الذي تربّى عليه بوشليبي إنما تعود به ذاكرته إلى - شخصية الشيخ أحمد بن محمد بن سلطان القاسمي، أوّل رئيس لدائرة الثقافة في الشارقة في أوائل ثمانينات القرن العشرين.. يقول إن الفريق الذي صنعه وقاده الشيخ أحمد، رحمه الله، صنع تجانسه الخاصّ مع الإبداع والمبدعين لتزهر الأفكار، وما بدأ صغيراً أصبح مؤسسة، وهكذا، باتت الشارقة عاصمة للثقافة والكتاب والمسرح والنشر.

رواية التاريخ

كان ماجد بوشليبي في تعليمه الأوليّ عازفاً في فريق الموسيقى المدرسي، وشبلاً في فريق الكشافة، أما في بيت العائلة الكبير فسيكون محظوظاً بكتب كانت في حوزة والده الذي كان يحب رواية التاريخ وقارئاً لأشعار المتصوّفة: إقبال، والشيرازي، والرومي بلغاتهم الأصلية.. فهل يا ترى كان هذا التأسيس الشعري الكلاسيكي مدخلاً إلى شغف ماجد بوشليبي بالكتابة،... الكتابة في جنس قريب من القصة وهو المسرح: وهكذا كان.. سيعطي ماجد بوشليبي المسرح الإماراتي خمسة أعمال مسرحية اقترح مرة ثانية هنا على إحدى دور النشر الإماراتية أن تجمعها وتنشرها في كتاب، فقد عرف بوشليبي الكتابة للمسرح منذ العام 1982 حين كتب مسرحية «الميدور»، وهو عمل مسرحي شعبي لكنه مكتوب بالفصحى، وفي العام 1983 أنجز أوّل عمل مسرحي غنائي قدّم على مسرح الإمارات، وكان بعنوان: «البوم».. وله مسرحية «حمدوس» 1986، وعرضت على أكثر من خشبة إماراتية وعربية «قدّمها قاسم محمد عرضاً في 2014»، وله مسرحية «أبيض وأسود» أنجزها في التسعينات وهو نص منشور لكنه لم يُعرض إلى الآن، وله مسرحية بعنوان ««شروق» هي إعداد مسرحي عن مسرحية «ثورة الموتى» للكاتب المسرحي الأمريكي «أروين شو».

فكر إنساني

البيت الذي وُلِدَ فيه ماجد بوشليبي هو الآن متحف للفنون، وهو يرأس الآن «المنتدى الإسلامي»، وهو أقدم أو من أقدم المؤسسات الثقافية في منطقة الخليج العربي، فقد تأسس المنتدى في العام 1929.

ماجد بوشليبي صاحب الفكر الإنساني الوسطي، والثقافة المعرفية الموضوعية هو ذاكرة أيضاً.. ذاكرة قاعة إفريقيا في الشارقة. ذاكرة المسرح الإماراتي، ذاكرة البحر والخور والجبيل بكل ما في هذه الأماكن من رمزيات وأرواح شارقية أصيلة.

 

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"