عادي

صومعة المعرفة

23:28 مساء
قراءة 6 دقائق
7
استطلاع: نجاة الفارس

هل من مكانة للمكتبة العامة في عصر التحوّل الرقمي؟ يؤكد عدد من الكتّاب والأكاديميين أن المكتبة العامة هي الرديف الأساس لطالبي العلوم المختلفة، ما يجعل من عملية التحول الرقمي تسهيلاً وتيسيراً، فباستطاعة القارئ أن يطلع على الكتاب الذي يريده بسهولة فائقة، ربما تقتصر على تسجيل الدخول وكبسة زر واحدة، وهذا ما يطلق عليه اليوم «المكتبة الذكية»، وهي مكتبة تركز على «روح المكتبة» باستخدام أحدث التقنيات، فالمكتبة مكان للتعلم وتوثيق المعلومات والتثبت منها، وهي مراكز مجتمعية ومكان للراحة والاستجمام والتجمع وملء أوقات الفراغ، هذه هي روح المكتبة العامة التي يجب التركيز عليها.

وإن كانت المكتبة العامة تعد المصدر الأول لجميع المكتبات الرقمية، وهما معاً يجتمعان ليصبّان في الهدف الأساسي نفسه، وهو توفير المعلومات، أو الأخبار، أو الموارد اللازمة للقارئ، فذلك يعني أنه لا يوجد فرق كبير بينهما من حيث المبدأ، وستظل المكتبة مكان اللقاء الاجتماعي والثقافي، بشرط وجود إدارة مميزة، فمنذ عرف الإنسان أول مكتبة في التاريخ، ونظرته لها لم تتغير، فخلف جدرانها يكمن العلم ورصيد الأمم من المعارف، وبين أروقتها سيظل الهدوء يسيطر على المعتكفين في زواياها يقلّبون صفحات الكتب وينهلون من المعارف.

سهولة فائقة

الدكتور محمد الحوراني ناقد وأكاديمي، يقول: «نظراً للتحول الرقمي في مختلف شؤون الحياة، أصبح لا بد من المواءمة بين تكنولوجيا التعليم وما تتطلبه من تحول رقمي بدأ يؤتي ثماره مع بدايات ظهور جائحة «كورونا»، وبين التحول الرقمي في المكتبات العامة؛ ذلك أن المكتبة العامة هي الرديف الأساسي لطالبي العلوم المختلفة، ما يجعل من عملية التحول تسهيلاً وتيسيراً، فباستطاعة القارئ أن يطلع على الكتاب الذي يريده بسهولة فائقة، ربما تقتصر على تسجيل الدخول وكبسة زر واحدة، وقد تنبه العالم المتقدم إلى ذلك منذ زمن وتحديداً مع بدء الربط الحاسوبي وتكنولوجيا المعلومات، فقد ولدت المكتبات العامة مع بدايات التحول الرقمي ومنها المكتبة الرقمية العالمية التي أنشئت بدعم منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة، بالتعاون مع مكتبة الكونغرس الأمريكي، وقد أتيحت هذه المكتبة للجميع ترسيخاً للهدف الذي أنشئت من أجله، وهو تعزيز التفاهم الدولي، ومن أبرز المكتبات العالمية رقمياً كذلك مكتبة جامعة هارفارد الرقمية التي أخذت مكانة لافتة بين المكتبات».

ويضيف، في الإطار العربي تأخّر ظهور مثل هذه المكتبات نظراً لتأخر تكنولوجيا التعليم، وتأخر صناعة المحتوى، ومع ذلك تنبهت كثير من الجهات إلى ضرورة الأتمتة وحوسبة المكتبات، وإتاحة الكتب بين يدي الناس، وأسهمت بعض الدول إسهاماً لافتاً في هذا المجال، مثل الإمارات والسعودية، كالمكتبة الرقمية الّتي أنشأتها مكتبة الملك عبد العزيز العامة وهي ذات أهمية كبرى نظراً لما توفره للقراء، وتشتمل على عدد كبير من الكتب التراثية، وفي الإمارات أنشئت مكتبة رقميَّة عامة للكتب المؤلَّفة باللغة العربية ووفرت إمكانية الاطلاع على مئات الكتب حول العالم، وأسهمت في ميلادها جامعة نيويورك أبوظبي، وكذا مشروع القرية الإلكترونية التي أسست مع نهايات القرن الماضي في أبوظبي والتي اهتمت بالتراث ونشره عبر الوسائط المتعددة، وهناك ما يمكن تسميته بالمكتبة الرقمية التي يتيحها محرك البحث غوغل، وتحتوي على آلاف الكتب، بعضها متاح للتحميل.

ويوضح الدكتور الحوراني أن المحتوى العربي بصيغة PDF لا يزال يراوح مكانه في إيجاد مكتبة عربية شاملة بهذه الصيغة تقوم بإعادة تحميل مقتنياتها من الكتب الورقية إلى الكتب الإلكترونية بالصيغة المطلوبة، وهو ما نرنو إليه، وعلى الرغم من ذلك فهناك ثورة حقيقية في صناعة المحتوى وإعادة تحميل الكتب، ولا سيما كتب التراث وإتاحتها مجاناً للعامة والمتخصصين.

روح

الدكتور وسام مصلح أخصائي مكتبات ومعلومات، يقول: «لاشك أبداً في أن التكنولوجيا كالطوفان لم تترك جانباً من جوانب الحياة إلا وأثرت فيه، وعند الحديث عن المكتبة العامة فالمسألة مسألة بقاء، أو اندثار، فالمفاضلة بين التكنولوجيا وما تقدمه من خدمات وتسهيلات، وبين المكتبة العامة وخدماتها، كمن يفاضل بين الهرم، وقطعة حجر فيه، ولحل هذا الارتباط لابد من التفريق بين أمرين مهمّين، هما: «مظاهر المكتبة العامة» و«روح المكتبة العامة»، أما مظاهرها، وذلك أن تكون للمكتبة العامة بناء بمواصفات معينة، وتملأ الكتب جدرانها، والصمت يَعُمّ قاعاتها، وتقدم خدماتها لزوار مقرها فقط، ومقسمة إلى أركان مرتبطة بمحتوياتها مثل «ركن المجلات»، «ركن الرسائل الجامعية»..إلخ، ويجب أن يكون موقع المكتبة العامة في وسط المدينة، وغير ذلك من المظاهر، ومعايير هذه المظاهر قد تتغير وتطور مع الزمن وهذا أمر حتمي في هذه الحياة، أما «روح المكتبة العامة» فالأمر هنا متعلق بأسباب وجودها الحقيقية، بداية بأن المكتبة للجميع من دون تفريق، أو عنصرية، وفي أي مكان، وفي أي وقت، والمكتبة لديها مسؤولية اجتماعية كغيرها من المؤسسات (تقدم أدواراً مهمه في تنفيذ خطط الدولة الاستراتيجية، مثل محو الأمية، التعليم الرقمي، دعم الخدمات الطبية،..إلخ)، كما أن المكتبة لا تقتصر على الكتب (فالكتب مثلها مثل الألواح الطينية أو ورق البردي قد يتطور مع الأيام وقد يزول)، لكن هي مكان لحفظ جميع مصادر المعلومات بغض النظر عن نوعها وشكلها فهي تعتبر «ذاكرة الأمة»، وأيضا المكتبة مكان للتعلم وتوثيق المعلومات والتثبت منها، وهي مراكز مجتمعية ومكان للراحة والاستجمام واللعب والتجمع، وملء أوقات الفراغ، هذه هي روح المكتبة العامة التي يجب التركيز عليها، ويجب استخدام التكنولوجيا كأداة في تحقيقها، وهذا ما يطلق عليه اليوم «المكتبة الذكية»، وهي مكتبة تركز على «روح المكتبة» باستخدام أحدث التقنيات، وللوصول لذلك لابد من الدعم المالي والمعنوي للقائمين على إدارة المكتبات العامة».

هدف واحد

الكاتبة إيمان الهاشمي، توضح أن لكل من المكتبة العامة التقليدية المملوءة بالكتب والمصادر الورقية، وكذلك من المكتبة الرقمية المعنية بنظم المعلومات والوثائق الالكترونية، مناخه وجماله ورونقه وإيجابيته الخاصة به، وفي الوقت ذاته لكل منهما سلبياته التي تصدّ، أو تنفّر القارئ، وتعيد حساباته أثناء اتخاذ قراراته في اختيار الوسيلة المرجوة للحصول على المبتغى من القراءة، وإن كانت المكتبة العامة تعد المصدر الأول لجميع الرقميات، إلا أنهما معاً يجتمعان ليصبّا في الهدف الأساس وهو توفير المعلومات، أو الأخبار، أو الموارد اللازمة للقارئ، ولذلك لا أرى فرقاً كبيراً بينهما من حيث المبد، ولكن بالطبع يوجد اختلاف عظيم لا جدال فيه من حيث السعة المكانية والقدرة التخزينية، وكذلك سهولة الوصول وسرعة الانتقاء ويسر الفهرسة والتعمق الأكبر عند صياغة البحوث للحصول على كم أكبر من المعلومات في وقت أقل، وأيضاً القدرة الاستيعابية الفائقة والدقة اللامتناهية للدراسة التحليلية، أو عند المقارنة بين عنصرين، أو أكثر، ولا ننسى القدرة الهائلة على التنظيم واكتشاف الأخطاء بسهولة كبيرة، بل وربما تداركها قبل وقوعها أحياناً، ومن هنا أرى أن لكل عصر أوانه ووقته الذي يعج بمميزاته الخاصة به، والتي يتسم بها بشكل طاغٍ، فمثلاً قديماً كانت تدوّن المراجع على الحجر، ومن ثم تطور الأمر وأصبحت تدوّن على الجلود، وبعدها على الورق، فضلاً عن التنقل الجسدي من مكان لآخر في سبيل الحصول على معلومة واحدة، ولكن اليوم يعتبر التحول الرقمي المعني بالشبكة العنكبوتية سمة سائدة في عصرنا الحالي، مع وجود سلبيات أخرى كاحتمالية فقدان المواد، أو إزالتها، أو محوها، أو تلفها وتعرضها للضرر الالكتروني، وبالتالي ضياعها، فضلاً عن رائحة الورق وملمسه في اليدين، حيث أحبّه الكثيرون حد الإدمان الإيجابي، وأصبح جزءاً لا يتجزأ من زيادة المتعة والإثارة والتشويق أثناء القراءة.

الكاتب والناشر محمد عبد العزيز السقا، يقول: «المكتبة هي كيان وروح قبل أن تكون مكاناً، وهي حجر زاوية في تشكيل الوعي عند الإنسان، ويجب ألا ننظر إليها على أنها مصدر للمعلومات بقدر ما هي مكون من مكونات الذاكرة البشرية والوعي الإنساني، هي صومعة الحبوب التي يجب أن تبقى في كل مدينة، حتى ولو تمت أتمتة المدينة كلها، هي ذاك المعلم الحضاري الذي يجب أن يبقى كمنارة في مرفأ المدنية الحديثة لعل تائهاً بسفينته يجد نورها في الأفق فتهديه سواء السبيل، المكتبة إذن، هي حالة وليست مجرد مكان يقوم بتصدير المعرفة، قلم وكراس وكتاب وكرسي وطاولة وأرفف وأمين مكتبة وهدوء تام صمم بعناية لينقلك إلى كبسولة زمنية ومكانية بمواصفات راقية لم توفرها حتى الآن الآلة الرقمية».

‏ ويضيف، ستظل المكتبة العامة ملتقى هاماً للشباب، والكتاب الورقي لا يزال، وسيظل له مكانته لدى القارئ المحترف، فكل ما حولك سحر، صنعته الرقمنة، لكنك لا تحتاج سوى كتاباً لترى كل ما هو حقيقي، وواقعي، وأصيل، فالمكتبات التقليدية تتفوق على الرقمية بأنها شبه مجانية بما تعنيه الكلمة من معان، حيث إن كلفتها أقل، فقراءة كتاب في مكتبة عامة لن يكلفك إلا الذهاب إليها، وفاتورة التشغيل تدفعها الدولة نيابة عنك، هذا إن نظرنا نظرة حسابية بحتة، في مقابل ما يمكن أن تدفعه أنت من كهرباء وإنترنت على الأقل في المكتبات الرقمية والتي يمكن أن يتطلب بعضها اشتراكاً مادياً.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/fkw3dc2a

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"