عادي

الحلال والحرام.. قواعد ترفض التحايل

22:57 مساء
قراءة 4 دقائق
1

القاهرة: بسيوني الحلواني
كثير من الناس لا يدرك فلسفة التحليل والتحريم في الإسلام، ولا يعرف مقاصد الشريعة الإسلامية في تحليل أمر ما، أو تحريمه؛ لذلك يتحايل البعض على الأحكام الشرعية، ويحاول إيجاد مبررات للهروب من أحكام التحريم تحديداً، من دون إدراك أن ما يفعله ليس في مصلحته؛ إذ لم يحرم الخالق، سبحانه، على عباده أمراً فيه مصلحة لهم.

من المهم أن يعرف المسلم المثقف والبسيط المقاصد الشرعية للتحليل والتحريم، ودواعي تحليل أمر ما، وتحريم آخر، وهل يقصد الشرع من وراء ذلك وضع قيود على الإنسان والتحكم في إرادته وحرمانه مما يشتهي؟، أم أن كل مقاصد الشريعة الإسلامية تستهدف مصلحة الناس جميعاً.

1

يؤكد د. نصر فريد واصل، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر ومفتي مصر الأسبق، أن الإسلام لا يصدر حكماً في أمر من الأمور إلا ويوضح مقاصده الشرعية؛ لذلك كان من جوانب العظمة والتميز في الشريعة الإسلامية أن أحكامها (معللة ومبررة) وكل أحكامها بالتحليل أو التحريم تستهدف مصلحة الإنسان، فلا تحليل لشيء فيه ضرر للإنسان، ولا تحريم لشيء فيه منفعة حقيقية له.
ويوضح د. واصل أن فلسفة التحليل والتحريم في الشريعة الإسلامية تستند إلى مبادئ وأسس، ينبغي أن يستند إليها كل حكم شرعي سواء انتهى إلى الحلال أو إلى الحرام، وهذه الأسس يُطلق عليها (المقاصد الشرعية) وهي واضحة في تفسير كل حكم شرعي، ويمكن لكل إنسان أن يدركها لو سأل عالماً أو فقيهاً: لماذا أباح الله هذا الأمر، ولماذا حرم هذا السلوك أو التعامل؟ فكل حكم شرعي يستند إلى حيثيات ومبررات، ونصيحتنا للمسلم أن يلجأ إلى العلماء ليستفتيهم في الدين، ولا يشغل نفسه بالحيثيات، فهناك بعض الأحكام التي قد تخفى مقاصدها على كثير من الناس، وهنا على الجميع أن يقولوا (سمعنا وأطعنا).
ويشدد د. واصل على أنه ليس من حق أحد ،مهما كان علمه أو فقهه، أن يحلل أو يحرم، ويقول: «شريعة الإسلام حددت سلطة التحليل والتحريم، فهي في يد خالق الإنسان، العالم باحتياجاته، البصير الخبير بما يصلحه وما يفسده.. فلا سلطة لبشر في تحليل أمر أو تحريم آخر»، مضيفاً: لا شك أن جعل هذه السلطة في يد الخالق، عز وجل، وحده يحمي الناس جميعاً من الأهواء الشخصية، فلا سلطان لبشر على بشر، ولا يستطيع أحد مهما كان علمه أو سلطته أو مكانته أن يفرض على إنسان مثله أن يفعل شيئاً أو لا يفعل آخر.. فالكل أمام تشريعات الإسلام سواء.. ودور العالم أو الفقيه الذي يفتي ويقول (هذا حلال وهذا حرام) أن ينقل الأحكام الشرعية، أو يستنبطها من الأدلة والبراهين المعتبرة.. وقد أدرك كل فقهاء الإسلام ذلك، وأرجعوا حق التحليل والتحريم إلى صاحب هذا الحق، وهو الله ورسوله.
أسباب

1

يقول د. عباس شومان، أستاذ الشريعة الإسلامية وعضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر: «هناك علل واضحة لما حرمته الشريعة الإسلامية وهناك أمور تخفى على عامة الناس، ولا ينبغي أن يشغل المسلم بالعلل والحيثيات في كل أمر من الأمور التي جاءت في الشرع بحكم بات بالحل والحرمة، ولو نظرنا إلى المعاملات الربوية التي حرمها الإسلام، لوجدنا العلة واضحة وهي أن هذه المعاملات تقوم على الظلم والاستغلال لحاجة الإنسان الفقير وتحقيق الثراء من دون جهد.. وقد شرع الإسلام بدلاً من ذلك العديد من المعاملات الحلال التي تغني الإنسان عن الربا المحرم وهي ما ينتشر التعامل به حالياً وفق منهج الإسلام الاقتصادي».
ويضيف: «العلة في حرمة الزنا واضحة، ففي هذا السلوك القبيح عدوان على الأعراض، واختلاط للأنساب، وانتهاك للحرمات، وإثارة لغرائز الإنسان.. وقد عوض الإسلام الإنسان عن ذلك بالزواج الحلال، وأباح له أن يقترن بواحدة واثنتين وثلاث وأربع ما دام قادراً على الوفاء بحقوقهن، وحرمة شرب المسكرات واضحة، لما فيها من إضرار بعقل الإنسان الذي جعله الحق إحدى وسائل تمييزه عن بقية المخلوقات، وجعله مناط التكليف، وحماية للمجتمع كله من مخاطر السكر وفواحش السكارى».
وتابع: «حرم الإسلام على المسلم لبس الحرير والذهب لما في ذلك من نعومة لا تتناسب مع طبيعة الرجل ودوره ورسالته في الحياة، وعوض الإنسان المسلم عن ذلك بكل الملابس الأنيقة التي تتناسب مع رجولته والصورة التي ينبغي أن يكون عليها بين الناس».
ويرى د. شومان أن التحايل على الحرام لإباحته من السلوكات التي تجلب لصاحبها غضب الله وعقابه، ويقول: «للأسف أساليب التحايل كثيرة ومتنوعة وهي موجودة في حياتنا، ومنها: تسمية الحرام بأسماء خادعة لتغيير صورته مع بقاء حقيقته.. فقد انتشرت العلاقات المحرمة بين بعض الناس تحت مسميات زواج وهمية، وانتشر الربا تحت مسميات ومفاهيم غير صحيحة، وكل هذه الصور من التعامل والعلاقات المحرمة يدينها الإسلام ويقرر معاقبة كل من يلجأ إليها».

مصلحة الإنسان

1

يؤكد د. نزيه عبد المقصود، العميد السابق لكلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر أن الشريعة الإســـــــــلامية تتجـــــــه دائماً نحو التيسير على الناس والتخفيف عنهم، وترفض سلوك المتشددين والمتزمتين الذين يحرمون الطيبات، ويصعبون الحياة على الناس؛ لذلك جاءت عدة آيات قرآنية تطالب كل من يفتي الناس ويوضح لهم أحكام الشرع بالوقوف عند حدود الله، والالتزام بما أحله وحرمه، من بين الآيات القرآنية التي تؤكد ذلك قول الله سبحانه: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ. وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ».
ويوضح أن كل الأحكام الشرعية سواء ما جاء منها بالتحليل أو التحريم تستهدف مصلحة الإنسان، فالتحريم- مثلاً- لا يستهدف حرمان الناس من أمور وأشياء ومظاهر حياة هم بحاجة إليها؛ بل لو أمعنا النظر في الأمور المحرمة وحللنا منافعها وخسائرها، لوجدنا أن تحريمها يستهدف مصلحة الإنسان؛ لذلك علينا أن نسلم أمور الحلال والحرام للخالق الذي أنعم علينا بنعم لا تحصى.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/vbj2a39v

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"